“كانت مصر واحدة من أسرع الأسواق الصاعدة نموًا قبل ظهور جائحة فيروس كورونا، ولكن الاضطرابات المحلية والعالمية الكبيرة التي أسفرت عنها الجائحة أثرت على الآفاق وغيرت أولويات السياسات”، هكذ أعلن صندوق النقد الدولي، تأثير الوباء العالمي على الاقتصاد المصري.

لا يزال العالم يعاني من أزمة اقتصادية كبرى، سببها الوباء العالمي، أو كما اعتاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تسميتها “مأزق كبير”، وهو الأمر الذي دفع الدول لوضع خططًا وحلولًا سريعة للتعافي من الأزمة، إلا أن مصر تعاني من مشكلة أكبر من كورونا، فجذور المعاناة الاقتصادية في مصر وفقًا لتحليل الخبراء لا تتعلق بالفيروس وحده، بل في إدارة موارد البلاد، وهو ما يحتاج لبحث وطرح لحلول جديدة جذرية، حيث تعد الأزمة الراهنة جزء منها فقط في ثنايا الأمر على حد وصفهم.

 

انعكاسات أزمة كورونا على الاقتصاد المصري:

وبحسب صندوق النقد الدولي، علي لسان أوما راماكريشنان، رئيسة بعثة الصندوق لمصر، تواجه مصر تحديات اقتصادية تتمثل في أن “هناك تأثير على الاقتصاد المصري سواء من خلال إجراءات احتواء الفيروس أو التوقف المفاجئ في حركة السياحة، وهبوط الصادرات، وانخفاض تحويلات العاملين في الخارج، وانخفاض إيرادات قناة السويس، كما تعرضت مصر لخروج تدفقات رأسمالية قدرها حوالي 16 مليار دولار، في ذروة التوجه العالمي لتجنب المخاطر خلال شهري مارس وإبريل، وفرض اقتران هذين العاملين ضغوطًا كبيرة على ميزان المدفوعات، رغم تعويض جزء من هذا التأثير من خلال هبوط الواردات المترتب على انخفاض الطلب المحلي.، لافتة إلى أنه مع ركود الاقتصاد العالمي وتقلص النشاط المحلي، من المتوقع أن يسجل النمو انخفاضًا ملحوظًا، كما أن هناك تراجعًا في الإيرادات بينما تحتاج الحكومة إلى زيادة عاجلة في الإنفاق على الصحة والحماية الاجتماعية”.

 

يؤكد وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، أن مظاهر الأزمة الاقتصادية في الوقت الراهن والتي تتمثل في تأثر الإيرادات بالسلب نتيجة أزمة كورونا جاء في مقدمتها نقص تحويلات المصريين من الخارج، فأغلب الدول تعاني من أزمات كبرى على رأسها الخليج الذي يتركز فيه تواجد العمالة المصرية، ومن هذه الأزمات زيادة ضريبة القيمة المضافة وتسريح العمالة وتخفيض الرواتب، وهو ما عاد بالسلب على المواطنين في الخارج، منوهًا إلى أن توقف السياحة أثر بشكل ملحوظ على الاقتصاد، معقبًا: “الموسم السياحي اتضرب فكل من زاروا مصر بعد عودة السياحة لا يتجاوز عددهم الـ500 فرد، كما أن ايرادات قناة السويس لازالت متعلقة بحركة التجارة العالمية.

ويضيف النحاس، أن معظم الإيرادات حتى اليوم تعاني من فقدان الأمان، وفي ظل الأزمة الحالية يبحث الجميع عن الجنيه وهناك نقص في الدولار، ويسعى الكثير من المواطنين الى توفير قوت يومهم واحتياجاتهم على حساب الدولار، وهو ما أضعف من وجود المعاملات الدولارية في الداخل، مشيرًا إلى أن موارد مصر من الصادرات منخفضة، ولا توجد زيادة في حجم التصدير إلا في الحاصلات الزراعية، وهو ما سيؤثر سلبًا، حيث تستهلك الزراعة موارد مصر من المياه، كما أن تصدير بعض المحاصيل الهامة مثل الليمون والبرتقال يهدد الأسواق المصرية.

ويوضح، النحاس، أن سياسة التصدير في حاجة الي إعادة نظر من الدولة للسيطرة عليها، منوهًا إلى أن انخفاض إيرادات قناة السويس نتيجة ركود حركة التجارة،دفع الدولة للاقتراض لسداد عائد شهادات قناة السويس، ومع ارتفاع معدلات اقتراض الأفراد، أصبح الجميع يعاني من توفير السيولة الازمة للاقتراض.

ويقول النحاس، إن مرارة الأزمة الفعلية ستبدأ بين شهري أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول، وتستمر خلال العام المُقبل 2021، حيث سيتبدى التأثير السلبي الحقيقي علي الاقتصاد مع تراجع حصيلة الضرائب بشكل كبير نتيجة الإغلاق هذا العام لمدة ستة أشهر والركود خلال باقي العام، ووجود عدد كبير من المؤسسات القومية في الاقتصاد وهى معفية من الضرائب.

ويئكد الخبير الاقتصادي ، شريف الدمرداش، أنه ربما يكون الاقتصاد قد اكتسب بعض الوظائف خلال الأزمة، وهي أولًا لم تعوض الفقدان الواسع للوظائف في أغلب القطاعات او توقفها، كما أنها وظائف مؤقتة مثل تنشيط قطاع الغزل والنسيج والترزية وتجارة الكمامات، لكنها لم تتحول إلى دورة إنتاجية كاملة مضافة إلى الاقتصاد المصري، مؤكدًا أنه خلال أزمة كورونا تراجعت الواردات إلى حد كبير وهو ما ساهم في توفير جزء كبير من العملات الأجنبية التي كانت تنفق في الإستيراد، مع استمرار الصادرات المصرية بنفس المعدل تقريبًا، وتكمن المشكلة في أن أغلب صادرات مصر بنسبة 87% مواد خام، وهو ما يقلل كثيرًا من القيمة المضافة التي يمكن لها أن ترتفع كثيرًا بقيمة الصادرات المصرية في حالة تصنيعها.

 

تداعيات كورونا على الاقتصاد العالمي:

كشف صندوق النقد الدولي، عن توقعاته لتداعيات الأزمة على الاقتصاد العالمي على النحو التالي:

  • انكماش في الاقتصاد العالمي بنسبة 3% مقارنة مع نمو 3.3% عام 2019.
  • انكماش الاقتصاد الأمريكي الأكبر في العالم بنسبة 6% مقارنة بنمو 2.3% العام الماضي.
  • انكماش اقتصاد منطقة اليورو 7.8% مقارنة بنمو بلغ 1.00% في المئة خلال 2019.
  • نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 1.2% فقط مقارنة بنمو 6.1% العام الماضي.
  • إجمالي خسائر للاقتصاد العالمي تقدر بـ 9 تريليون دولار خلال عامي 2020 و2021.

 

روشتة الخروج من الأزمة

يرى الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، أن طريق الخروج من الأزمة يمر بتنشيط الاستثمار الداخلي ودعمه من الدولة، خاصة في مجالات الصحة والتعليم بإنشاء المستشفيات والمدارس، مع الخروج من برنامج الإصلاح الاقتصادي الجاري مع صندوق النقد الدولي، مشيرًا إلى أن مصر تحتاج للتوقف ودراسة ما تم في هذا البرنامج حتي الآن.

يقترح النحاس،  ضرورة أن تنتقل الحكومة لسياسات التقشف العام، علي مثال بعض دول العالم مثل البحرين والتي خفضت مستحقات أعضاء البرلمان لديها، بينما مصر تستعد لانتخابات ستضيف مجلسًا جديدًا للبرلمان المصري وما يترتب علي ذلك من زيادة الإنفاق خلال الانتخابات ومستحقات الأعضاء الجدد.

ويشدد الخبير الاقتصادي شريف الدمرداش، على ضرورة السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من احتياجات السوق المصري، منوهًا إلى أن الإصلاح الحقيقي يجب أن يتوجه إلى القطاع الصناعي والزراعي أولًا، ثم ينتقل للخدمات بهدف الاستغناء تدريجيًا عن الواردات غير الضرورية.

ويوضح الدمرداش، عددًا من المحاور التي من شأنها أن تدعم تعافي الاقتصاد المصري جائت على النحول التالي:

 

ترشيد الإنفاق

أكد الدمرداش، على ضرورة إعادة النظر في منظومة الضرائب بحيث تهدف السياسة الضريبية إلى تحفيز النشاط الاقتصادي وليس تحجيمه ومحاصرته، لافتًا إلى أن مصر في حاجة إلى نظام ضريبي يرضي ويشجع كل الأطراف علي المساهمة في الاستثمار والنشاط الإنتاجي، مع ضرورة ترشيد الإنفاق الحكومي إلى أقصي حد ممكن، مع الحفاظ على القطاعات الحيوية فقط مثل الصحة والتعليم.

الحد من الاستيراد وتشجيع التصدير

ويشير الدمرداش، إلى أن تحويلات المصريين المتراجعة نتيجة الأزمة تخلق ضغطًا علي العملة المحلية مقابل الدولار، وهو ما يستلزم ضرورة الحد من الاستيراد وتشجيع التصدير بكل الحوافز التي تسمح له بالمنافسة في السوق العالمي، مع السعي لتحقيق اكتفاءً ذاتيًا في المنتجات الصناعية والزراعية الأساسية علي الأقل.

علاج الخلل في البنية الأساسية للسياحة

ويكشف الدمرداش، عن ضرورة علاج الخلل الموجود في قطاع السياحة، والتي تتأثر سلبًا بالنظافة والوعي وحتي المرور، مؤكدًا أن الجذب السياحي يحتاج إلى توفير الخدمات والأمن في الشارع المصري، وهو ما يحفز السائحين علي التواجد والإنفاق، مع تشديد الرقابة لمنع الاستغلال الذي يؤثر علي سمعة المنتج السياحي المصري، خاصة وأن السياحة حققت 9 مليار دولار في العام الماضي، وتُعد مصدرًا هامًا جدًا للدخل القومي وترتبط بالكثير من القطاعات الأخرى.

تشجيع القطاعات التي ازدهرت خلال كورونا

ويؤكد الخبير الاقتصادي، أن هناك قطاعات واسعة تأثرت بسبب أزمة كورونا مثل قطاع الملابس والأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية، حيث توقف نشاط الكثير من منشآتها بسبب تراجع الطلب عليها، إلا قطاعات أخرى ازدهرت وستستمر في الازدهار، مثل صناعة المطهرات والمنظفات وأدوات الوقاية من العدوي والأمراض، ويجب توجيه لعمالة التي تضررت في قطاعاتها الي أنشطة جديدة ترتبط بخريطة ما بعد كورونا، نتيجةل تغير السوق واتجاهات الطلب الجديدة علي المنتجات.