استفز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مشاعر الكثيرين حول العالم، بعد قراره بتحويل معلم آيا صوفيا التاريخي إلى مسجد، وفق خبراء ومتابعين.

واعتبر البعض قرار “أردوغان” مجحفًا، وله تبعات ستؤثر على المسلمين في الخارج، كما أن القرار خارج عن أي اعتبارات منطقية أو قانونية، واصفين الرئيس التركي بأنه أصبح عبئًا على الإسلام نفسه.

وذكر آخرون أن تركيا تمتلك تاريخًا طويلًا من التعامل مع الكنائس بهذه الطريقة، مشيرين إلى أنها تجسد البربرية، في حين ألقى البعض باللوم على المسيحيين الذين يسهلون الاستيلاء على كنائسهم، بينما أشار تيار آخر إلى أن الأهم عدم تحويل آيا صوفيا إلى اسطبل.

ضريبة سيدفعها المسلمون

بدوره، وصف “منير أديب ” الخبير في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي قرار أردوغان، بأنه خارج عن أي اعتبارات منطقية أو قانونية، بل هو منطق براجماتي يؤكد توظيفه الدين لأغراض سياسية.

كما توقع “أن المسلمين سيدفعون ضريبة هذا القرار حول العالم، كما دفع الإسلام هذه الضريبة من تشويهه، وهو يمكن القول إنه أصبح عبء على بلاده والمنطقة العربية وعلى الإسلام نفسه“.

وقال إن “آيا صوفيا ظل كنيسة 900 عام، ثم مسجدًا منذ 1435م، واستدعى الأتراك أن محمد الفاتح اشترى الكنيسة، لكن منذ متى والمسلمون الأوائل يقومون بتحويل دور العبادة المسيحية إلى مساجد والرسول صلى الله عليه وسلم، دعانا إلى حماية الراهب وصومعته وليس مجرد الاعتداء عليها عند الفتح“.

وتابع: “أي إذلال للمهزوم وأنت تحول دور عبادته لمسجد حتى ولو قمت بشرائها بالمال، وهل تُباع دور العبادة؟ الصلاة في “آيا صوفيا” 500 عام ليست مبررًا، وتبرير البعض أن مساجد المسلمين في الأندلس وفلسطين تحولت لحانات وقاعات أفراح لا يُعطي مبررًا للمسلمين أن يفعلوا نفس الشيء“.

كما أكد أن القرار سيؤثر على سلامة مقدسات المسلمين في كل مكان، وسيشجع غيرهم على التعامل مع المسلمين على نفس الشاكلة وبخاصة المسجد الأقصى“.

وقال إن أردوغان يهدف إلى استقطاب المحافظين بالداخل، وهو خلط للدين بالسياسة، وسيزيد القرار من حدة احتقان غير المسلمين تجاه المسلمين في أوروبا، أردوغان يعتدي على إرث تاريخي يمس العالم“.

وأضاف أن “تنظيمات الإسلام السياسي لديها مشكلة مع الآخر المختلف في العقيدة تظهر غالبًا عندما يكون منتصرًا، ما فعله أردوغان سبق وقاله قبل 20 عامًا هو الآن ينفذ وعده، وهو ما يدل على ازدراءه لأصحاب الديانات الأخرى، والسعادة الغامرة التي عبرت عنها تنظيمات الإسلام السياسي تؤكد تطابق الرؤى والأهداف والتصورات، فما يفكر فيه أردوغان يلقى قبول هؤلاء الإسلاميين وما يصنعه هؤلاء الإسلاميون يلقى ترحيب الرئيس التركي.”

وتابع “يتصور أردوغان أنه يعيش مرحلة التمكين وعودة الإمبراطورية العثمانية، المدقق في كلمته التي ألقاها بشأن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد تؤكد تصوره للخطوات التي اتخذها واصفًا إياها بالفتح المبين“.

تركيا بربرية والغرب شريك معها

وفي هذا السياق، ندد الصحفي والسياسي البريطاني، ماركوس ستيفن بابادوبولوس، بقرار أردوغان، معتبرًا أن تركيا بلد يجسد البربرية في تعامله مع الكنائس.

وقال لـ”مصر 360″، أن قرار أرد وغان يوضح كراهيته للمسيحية، معربًا عن دهشته من عدم تنديد العالم الغربي بهذه الخطوة.

وتابع: “لم تكن هناك كلمة إدانة واحدة مما يسمى الغرب المسيحي بالقرار، ولماذا؟، لأن تركيا هي واحدة من أهم الشركاء الاستراتيجيين في لأمريكا وبريطانيا”.

وأوضح أنه قد تكون المعابد المسيحية الأخرى في تركيا، وكذلك الكنائس في إدلب التي تحتلها تركيا مهددة الآن، مشيرًا إلى أن تركيا تتمتع بتاريخ طويل من تدنيس الكنائس بغض النظر عمن يقود البلاد، حيث يقدم شمال قبرص الذي تحتله نظرة ثاقبة لسلوك الأتراك، حيث تم تحويل أعداد كبيرة من الكنائس إلى مساجد، في حين تم نهب المقابر المسيحية”.

وذكر أن سوريا على سبيل المثال، تجسد الحضارة، حيث تقف الكنائس والمساجد جنبًا إلى جنب، ويحتفل المسيحيون والمسلمون مع بعضهم البعض، مضيفًا أن سوريا تجسد الحضارة، في حين أن تركيا تغلفها البربرية.

آيا صوفيا لن تعود

كما صرح الأب “سبيريدون طنوس” من الكنيسة اليونانية في غرب السويد، بأن آيا صوفيا لن يعود، مناشدًا المسيحيين بالعودة إلى الكنائس لأنهم هم من أفرغوها.

وقال عبر راديو أنطاكية: “اللوم على المسيحيين لإخلاء كنائسهم، لم يتغير شيء بتحويل أردوغان آيا صوفيا إلى مسجد”.

وأضاف “هناك كنائس أخرى تحولت إلى إسطبلات وأسواق وخانات، وأنا شاهدتها بنفسي عند زيارتي لتركيا فأين هم المسيحيون؟، هل هناك كنائس تفوق عن الأخرى بالقداسة؟.

وذكر: “إن كنتم مسيحيين حقيقيين تخافون على كنائسكم فاذهبوا و املؤها وكفاكم ضحكا على أنفسكم، فلن تستردوا آيا صوفيا ولا بعجائب، لأن الأعجوبة تستوجب وجود المؤمنين”.

وقال: “أفسحتم المجال للاستيلاء على الكنائس، كنائسنا الحالية ستخرج من أيديكم لأنكم تفرغونها، فلا تحملون القضية أكثر من حجمها، اصحوا إن أردتم استرداد كنائسكم عليكم بملئها ثم التوجه إلى الكنائس الفارغة التي تم السيطرة عليها من قبل الآخرين لاستعادتها، أرجوا أن تكون كلماتي واضحة وكفاكم استهزاءً، وكفاكم تجييش عواطف لا تنتج“.

ماذا لو تحولت آيا صوفيا إلى اسطبل؟

وفي السياق ذاته، توجه الكاتب والصحفي المتخصص بالشأن التركي “سركيس قصارجيان” عبر صفحته على “فيس بوك” إلى المدافعين عن الدين والكنائس، واصفًا إياهم بأصحاب “الدم الحامي”.

واعتبر أن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد شأن تركي، مشيرًا إلى أن الأهم هو عدم تحويله إلى إسطبل.

وقال إن كنيسة قرية كارموتش الأرمنية في أورفا التركية، التي تنحدر منها عائلة والدته تستخدم اليوم “اسطبل للحيوانات”، مضيفًا: أثبت التاريخ أن البقاء للقوي لا المصلي، ولو أن الصلاة ودور العبادة حفظت الشعوب من الغزاة لكانت إسرائيل الآن في خبر كان، لذلك لا حاجة إلى المزيد من الندب على آيا صوفيا أو مساجد إسبانيا وغيرها، بناء الإنسان هو الأبقى أما الحجر فهو فان لا جدوى منه“.