أزمة الفضح والخوف من المجتمع كانت تؤرق الفتيات الناجيات من التحرش، ورغم رغبتهم الدائمة في ملاحقة المتهم قضائيا، إلا أن أغلبهن كانوا يتراجعون عن ذلك القرار خشية من نظرة المجتمع الذي يجعل البعض يتدخل في محاولة للضغط عليهن للتراجع عن المسار القانوني تلاشيا للتشهير الذي سيلحق بهن.

بعد أيام من انطلاق حملة “شهادات للناجيات من التحرش والاعتداء الجنسي” خلال الأيام الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية.

تنص التعديلات على أن يكون لقاضي التحقيق لظرف يُقدره، عدم إثبات بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات، أو في المادتين 306 مكرر أ أو 306 مكررا ب، من ذات القانون، أو في المادة 96 من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، وينشأ في الحالة المشار إليها، ملف فرعي يضمن سرية بيانات المجني عليه كاملة، يُعرض على المحكمة والمتهم والدفاع كلما طُلب ذلك.

في صالح المرأة

ترى “كريمة حسين” إحدى الناجيات من التحرش، أن التعديلات المذكورة جاءت لصالح المرأة، فالكثير من الفتيات يخشين التقدم ببلاغات ضد المتحرشين بسبب الضغوط المجتمعية التي يتعرضن لها، سواء من أهل الجاني أو من أهل الضحايا الذين غالبًا ما يرون في تقديم بلاغات بسبب تعرض نجلتهم للتحرش أو الاعتداء الجنسي “فضيحة يجب التستر عليها خوفا من نظرة المجتمع”.

فيما ثمنت “منى عزت” الناشطة النسوية هذه الخطوة، وأكدت على أن تلك التعديلات ستساهم بشكل كبير في دفع الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش والاعتداء الجنسي إلى تقديم بلاغات وهن مطمئنات من التشهير بهن، أو تشويه سمعتهن، “خاصة أننا في مجتمع ينظر إلى هذا النوع من القضايا على أنها فضيحة”، وفق قولها.

كما أكدت “أن هذا سيجعل الفتيات في حالة نفسية أكثر هدوءا خلال المسار القانوني للقضية، والهدوء النفسي للناجية نابع من عدم خوفها من فضح أمر القضية وتفاصيلها سواء لمواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلام أو غيرهما”.

إرجاء العقوبة

ويوضح ياسر سعد، المحامي الحقوقي، ما حملته تعديلات القانون قائلا:” منذ فترة طويلة وهناك مطالبات بضرورة حماية الشهود والمجني عليهن في قضايا العنف، وكان لدينا أمل أن يتم هذا من خلال تعديلات قانون الإجراءات الجنائية في المرة الأولى، أو من خلال إصدار قانون العنف ضد النساء، لكن هذا لم يحدث، وتم التعديل بالشكل السريع نظرًا لتعدد الضحايا والذي ظهر بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية”.

وأضاف: “لكن هناك مشكلة في تلك التعديلات، وهي إرجاء عقوبة إفشاء سرية بيانات المجني عليهن والشهود لنص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنص على الحبس 6 أشهر أو غرامة 500 جنيه لإفشاء البيانات”.

وأكد “أن القضاة في هذه الحالة يميلون أكثر للغرامة وليس الحبس، وبالتالي من الأوقع والأفضل أن يتم تغليظ العقوبة حتى نتأكد من عدم ارتكاب جريمة إفشاء سرية البيانات للمجني عليهن”.

خطوة هامة

وكانت الدكتورة مايا مرسي، رئيس المجلس القومي للمرأة، قد أعربت عن امتنانها بالموافقة على مشروع القانون، مؤكدًة أن ما حدث خطوة هامة سيذكرها التاريخ، مؤكدة على اهتمام الحكومة المصرية بما يثار حاليًا من شكاوى الفتيات ضحايا التحرش، وخوفهن الإبلاغ عن جرائم التحرش والاعتداء الجنسي، التي تُرتكب في حقهن خشية من تأثيرها على سمعتهن والإضرار بها.

وأشادت في بيان لها بسرعة استجابة الحكومة المصرية، إلى تذليل جميع العقبات أمامهن وضمان ذلك بقوة القانون الذي يؤكد الحفاظ على سرية بيانات المجني عليهن في جرائم التحرش والاعتداء الجنسي، ومعاقبة من يخالف ذلك، حتى يأخذ العدل مجراه.

دعم من الأزهر

كما وجه الأزهر رسالة، عبر أحدث عدد من “جريدة صوت الأزهر”، قال فيها إن “علماء الأزهر يُطالبون بدعم ضحايا الاعتداءات الجنسية وتشجيعهن على الكلام والشكوى”.

وتابع أن “الصمت أو غض الطَّرف عن هذه الجرائم يُهدد أمن المجتمع ويُشجِع على انتهاك الأعراض والحرمات”.

ويهدف تعديل قانون الإجراءات الجنائية، إلى حماية سمعة المجني عليهم، من خلال عدم الكشف عن شخصيتهم في الجرائم التي تتصل بهتك العرض، وفساد الخلق، والتعرض للغير، والتحرش، الواردة في قانون العقوبات وقانون الطفل، خشية إحجام المجني عليهم عن الإبلاغ عن تلك الجرائم.