“وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ..وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة .. وتضر إذا ضريتموها فتضرم

بهذين البيتين يصف زهير بن أبي سلمى، بشاعة الحرب، فلو كان الشاعر على قيد الحياة بيننًا اليوم، وعاصر انتشار فيروس كورونا المستجد، ما كانت كلماته ستختلف كثيرًا في وصفه لقسوة المرض، الذي تسبب في إزهاق آلاف الأرواح حول العالم مؤخرًا.

ضرب الفيروس القاتل بلادًا كثيرة وأثر على اقتصادها ونظامها الصحي، حيث يعتبر الأخطر منذ 100 عام تقريبًا، خاصًة على المناطق المتأثرة بدمار الحروب والنزاعات الداخلية، حيث تفتقر في الأساس إلى مقومات الحياة بسبب الأزمات التي تلاحقها.

يشكل الفيروس تهديدًا كبيرًا في البلاد التي تعاني من الحروب والنزاعات الداخلية، حيث يزيد من معاناتها، فما بين اليمن وسوريا مرورًا بليبيا فضلًا عن فلسطين، تختلف التفاصيل لكن تظل المأساة واحدة وكبيرة.

اليمن.. وباء ونزاعات داخلية

يعاني اليمن من نزاعات داخلية بين القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي والحوثيين، وسجلت الأجهزة الطبية ارتفاعًا في أعداد الإصابات بفيروس كورونا في اليمن، وصل إلى 1465 حالة، عقب توثيق اللجنة الوطنية العليا عشرات حالات الإصابات، طبقًا لما نشرته منظمة الصحة العالمية.

“منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2014، الخراب في كل مكان، الميلشيات المسلحة تنهب البلاد وخيرها، وتشيع الفساد في كل الأركان، لا زلنا نعاني من أثار الكوليرا، فيموت الكثيرون متأثرين بها، كان الخير في بلادنا، لكن المسلحين يدمرون كل شيء، يقتلون ويستبيحون خيرات البلاد”.. هكذا بدأ اليمني أحمد السلامي حديثه.

وأضاف الشاب الثلاثيني، الذي يعيش في صنعاء العاصمة، أن المنظومة الصحية ضعفت منذ بداية الحرب الأهلية بين الميلشيات المسلحة للنظام السابق والقوات الحالية، وازدادت البلاد فقرًا، بعدما كانت مُستقرة، لا توجد مستشفيات لتعالج الأمراض المزمنة مثل القلب وداء السكري وغيرها، مؤكدًا أن خالته كانت تعاني من داء السكري لكنها توفيت أثناء رحلة البحث عن مكان ليقبل حالتها، حيث ظلت في سيارة ابنها لمدة 17 ساعة، ولم توافق أي مستشفى على استقبالها.

وتعليقًا على الوضع الصحي في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد في العالم، قال “السلامي” إن الخوف من كورونا أثار أزمة في استقبال المستشفيات لحالات الإصابة داخل اليمن، حيث رفضت أغلبها العامة والخاصة أن تستقبل مرضى الفيروس، إلا واحدة في كل محافظة، وثلاث في صنعاء.

واختتم حديثه مؤكدًا أن الأطباء في اليمن يحاولون تقديم المشورة عن طريق الاتصالات الهاتفية، حيث ينشر كل طبيب يمكنه مساعدة مصابي فيروس كورونا المستجد في البلاد رقمه، ويتيح الاتصال به أو التحدث إليه عن طريق الرسائل، لينصحهم بما يجب عليهم اتباعه.

شهاب الشهاب، شاب عشريني يدرس في معهد فلاي للغة بشارع بغداد في صنعاء اليمن، أكد أنه لا يتم الإعلان عن أعداد الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد في البلاد بشفافية، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في الشمال منها ” إب، ذمار، صنعاء، عمران، صعدة”، وأن الفيروس انتشر بفعل المغتربين الذين دخلوا إلى البلاد تهريبًا، وأن الوضع الصحي لن يتحمل إذا زادت الأعداد بشكل هستيري لفقر موارد الدولة.

سوريا.. حياة مدمرة

 أعلنت منظمة الصحة العالمية في تقريرها اليومي، عن وصول أعداد الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد في سوريا إلى ٤١٧ حالة، و19 حالة وفاة، وكانت هناك مخاوف من أن ينتشر الفيروس بين النازحين، وهو ما يتسبب في إرباك منظومة الرعاية الصحية لما تعانيه من تردي.

“انتشرت في بلادنا المخيمات، دُمرت المستشفيات، نُهبت خيرات البلاد، كل يوم نستيقظ على خبر وفاة واحد من أصدقائنا أو أفراد عائلتنا برصاص غادر، أو بمعاناة مع مرض مزمن استمر لأشهر، وأضعف جسده لعدم توافر أي من المقومات الطبية لعلاجه”..هكذا سردت آلاء خالد، طالبة بالفرقة الأولى بكلية الحقوق تعيش في الشام بسوريا الوضاع الحالية لبلادها.

وأضافت الفتاة العشرينية أنه رغم الإعلان عن أعداد إصابة فيروس كورونا المستجد قليلة داخل سوريا، إلا أن الأعداد الحقيقية أكثر من ذلك، بسبب تدمير المنظومة الصحية والبنية التحتية للبلاد، لذا لا يستطيع القائمون على النظام الصحي حصر أعداد متوفي كورونا أو المصابين.

وأما عن التدابير الاحترازية المتخذة في سوريا للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، فأشارت “آلاء” إلى أن الجيش أعلن عن تجهيز مستشفيات للتعامل مع حالات كورونا، وأن الرعب يملأ الأرجاء بسبب الخوف من تفشي الفيروس القاتل في ظل الظروف السيئة التي تمر بها سوريا.

 ليبيا أرض الحرب

تعتبر ليبيا من أكثر البلاد التي تعلن عن أعداد الإصابة بفيروس كورونا المستجد بشفافية رغم ما تمر به من أزمات داخلية بين الجيش الوطني الليبي وحكومة الوفاق من ناحية، وبين الجيش الوطني والمليشيات التركية من ناحية أخرى، وكذا انتشار الجماعات الإرهابية داخل البلاد.

وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية اليومي عن الأعداد المصابة بـ “كورونا” في ليبيا فقد بلغت ١٣٨٩ حالة،.

وطالب المركز الوطني لمكافحة الأمراض من المواطنين ضرورة مغادرة المنطقة حتى تتمكن فرق الرصد والتقصي الوبائي التابعة للمركز من تتبع وحصر المخالطين واستقرار الوضع الوبائي.

وعن النظام الصحي في ليبيا قال أسامة الورشفاني، مواطن ليبي يعيش في مدينة درنة، إن الحرب التي تدور بشكل شبه يومي بين عناصر الجيش الوطني والجماعات الإرهابية داخل البلاد يقتل على إثرها عدد كبير، وأن الوضع الصحي المتدهور بسبب النزاعات تسبب في انتشار الفيروس كالنار في الهشيم، وتزداد أعداد الإصابة كل يوم عن سابقه.

واختتم حديثه مؤكدًا أن ضحايا النزاعات والحرب ضد الإرهاب أكبر بكثير من ضحايا الفيروس الفتاك، وأن السبب في زيادة أعداد الإصابة بشكل هيستيري سببه ضعف المنظومة الصحية، في مجابهة وباء قاتل استطاع تدمير أنظمة صحية لدول لا تعاني من أي مشكلات اقتصادية أو صحية، فماذا عمن يعانون من ذلك.

الاحتلال في فلسطين

تعاني فلسطين منذ فترة من تدهور القطاع الصحي في البلاد، بسبب نقص في المستشفيات، وكذا نقص في المستلزمات الطبية، وأخر حصر لأعداد مرضى الفيروس من قبل منظمة الصحة العالمية وصلت لـ ٦٦٨٨ حالة.

محمد الخطيب جابر، من قطاع غزة بفلسطين، قال إنهم يعانون منذ زمن بسبب الحروب، وأن الأزمات الاقتصادية تضربهم من وقت لأخر، فلا توجد مستشفيات مجهزة في البلاد لعلاج المرضى، لذا كان انتشار حالات إصابة بفيروس كورونا المستجد بينهم بمثابة كارثة صحية جديدة، تسببت في إثارة فزع كل أهالي فلسطين.

وأضاف “جابر” أنه في غزة لولا سيطرة رئيس الوزراء، الدكتور محمد اشتية، ووزيرة الصحة على الوضع عن طريق تخصيص غرف عزل في معبر رفح، بعيدًا عن القطاع والمناطق السكنية لانتشر الوباء وقتل أغلب سكان البلاد.

وأكد أن النزاعات الداخلية والاحتلال تسببا في نشر الفيروس، بإغلاق المعابر في وجه المعاونات الطبية الوافدة من الخارج، بالإضافة لكونهما من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى ضعف وانهيار المنظومة الصحية داخل فلسطين، لنهب خيراتها وإشعال الحرب بها.