أيام قليلة، تفصل ملايين العمال، عن صدور اللائحة التنفيذية لقانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الجديد، رقم 148 لسنة 2019، وهو القانون الذي أثار حالة من الغضب الشديد خاصة وسط العاملين بالقطاع الخاص، بعد رفع سن المعاش فيه لـ 65 عامًا، وزيادة المدة التأمينية التي يستحق بموجبها العامل الحصول على المعاش المبكر، وهي المادة التي وصف العمال شروطها بأنها تعجيزية، وتُضِييع حق العمال في أموال التأمينات والتي اقتطعت على مدار سنوات من رواتبهم وقوت أبنائهم.

محمد إبراهيم، مؤسس جروب “المتضررين من قانون التأمينات والمعاشات الجديد” والذي يضم عشرات الآلاف من رافضي القانون وأغلبهم من العاملين بالقطاع الخاص، يتحدث لـ “مصر 360” عن مشكلات القانون الجديد فيقول: “جاءت المادتان 21 و24 من القانون، لتضعا شروطًا يستحيل تطبيقها حيث نصت على أنه يجب أن يُمضي مستحق المعاش مدد اشتراك في تأمين الشيخوخة والعجز، تبلغ  120 شهرًا تزيد بعد خمس سنوات من تاريخ سريان القانون لـ180 شهرًا، ما يعادل  25 سنة فعليه بعد 5 سنوات من تاريخ العمل بالقانون، كما يجب تساوي مدد من يستحقون المعاش 65% من الأجر بجانب توافر مدد 50% منها في آخر أجر تسوية، تعطي الحد الأدنى للمعاش، وهو ما يستحيل توافره مع شرط  الـ 25  سنة تأمينية.

ويشير “إبراهيم” إلى أنهم تقدموا بمئات الشكاوى إلى عدد كبير من نواب البرلمان خاصة أعضاء لجنة القوى العاملة، وإلى وزارة القوى المعاملة،  والرقابة الإدارية، والنائب العام، كل ذلك دون جدوى.

 

 حكايات مؤلمة

استمع “مصر 360” إلى حكايات مؤلمة قصها علينا عدد من المتضررين من القانون 148، ربما لم يكن يتصور مُصدري القانون، وهم تحت قبة برلمانهم، حدوثها.

مرثا سعد، والتي عملت بشركة قطاع خاص لأكثر من 16 عامًا، تقول: “الشركة سرحتني بعد هذه المدة التي أضعت خلالها أحلى سنوات عمري وحرم أولادي فيها من رعايتي نتيجة العمل، دون سبب، فقررت استكمال فترة التأمين المنصوص عليها في القانون القديم،  بدفع حصتي وحصة صاحب العمل من التأمين من قوت أولادي، وعندما أكملت عشرين عامًا تأمينية  ظهر قانون الغبرة ١٤٨، ليُضيع حقي في الأموال التي دفعتها طيلة 20 عامًا”.

منى قرني، صاحبة الـ50 عامًا،  والتي تعاني من مرض السكر والغضروف، حرمها أيضًا القانون من الحصول على المعاش المبكر بعد العمل عشرين سنة تأمينية آخرها في حضانة للأطفال، تم غلقها.

أما هبة النجار، والتي تخطى سنها الـ40 عامًا، فأصبحت بلا دخل بعد ترك عملها في مكتب استشاري هندسي كان يعمل على تطوير العشوائيات، بعد غلقه، لتكمل المدة التأمينية في أعمال أخرى، منتظرة حصولها على المعاش المبكر، لتنفق منه على ابنتها ذات الثماني سنوات وأمها مريضة السرطان، ليأتي القانون الجديد ليحرمها كما تقول: “من التفرغ لمراعاة من أعول، وأحاول الحفاظ على ما تبقى  من صحتي وكرامتى بعد كفاح ٢٦ عامًا”.

روماني فخزاني، والذي يعمل بمطعم بأحد الفنادق بالساحل الشمالي، ويقيم بمدينة الأقصر، يقول: إن  لديه 22 سنة تأمينية، ويريد الخروج للمعاش المبكر، لأنه تعب من العمل ومن السفر شهريًا لمدة 16 ساعة ذهابا ومثلها عودة، لكي يقضي 5 أيام فقط مع زوجته وأبنائها الخمسة، مضيفًا: “دي فلوسنا ومن حقنا الحصول عليها، احنا اشتركنا على أساس القانون 79 يبقى نسوي على أساسة” .

ويقول حسن الشال، عامل بشركة قطاع خاص: “19 سنة شغل ليل نهار، اتمص فيها دمنا، دفعنا تأمينات من قوتنا وقوت ولادنا، بأي حق يمنعونا من استرداد فلوسنا بحقنا في المعاش المبكر بالشروط اللي حدده قانون 79 واللي اشتركنا على أساسه”، مضيفًا: “أعمل إيه لو الشركة قررت الاستغناء عني، مفيش شركة هتشغل واحد فوق الـ 45 علشان أكمل المدة التأمينية المنصوص عليها في القانون الجديد،  بكده تبقى ضاعت فلوس التأمينات اللي بدفعها طوال 20 سنة”.

الرد على انتقادات الوزيرة

وزيرة التضامن الاجتماعي نفين القباح، انتقدت خلال لقاءات إعلامية، معارضي القانون من العمال، قائلة إن العمال يرغبون في الخروج على المعاش المبكر، ثم يذهبون للعمل في أعمال أخرى ويتقاضون أجورًا بجانب المعاش.

يرد هاني الشافعي، والذي عمل لمدة 22 عامًا بمصنع للملابس الجاهزة ببور سعيد، على كلام الوزيرة قائلًا: “العمال  لا يريدون الخروج للمعاش المبكر، هذا كلام غير صحيح”، شارحًا: لو أنني أعمل منذ 20 أو 25 عامًا ومرتبي وصل لنحو 4 آلاف جنيه، فهل يعقل أن أسعى للمعاش المبكر لأتقاضى 900 جنيه!، ففكرة أن العمال يستسهلون ويخرجون على المعاش فكرة ليست جائرة وحسب بل أنها منافية للحقيقة”.

ويوضح الشافعي لـ”مصر 360″: “إذن ما الذي يجعلنا متمسكون بشروط القانون القديم للخروج على المعاش المبكر؟، سأضرب مثال بنفسي، عملت لـ22 عامًا بمصنع للملابس الجاهزة، وفي منتصف مارس منحونا إجازة بسبب فيروس كورونا، تقاضينا بعدها نصف راتبنا فقط لمدة شهرين، ثم أعلن المستثمر إفلاس الشركة وأغلق النشاط وبالتالي تم تسريحنا، وبموجب القانون الجديد حرمت من حقي في معاش عن الـ22 سنة التي قضيتها بالعمل واقتُطع فيها اشتراك التأمينات من عرقي”.

ويضيف الشافعي: “أين إذن ما قالته الوزير، عن رغبتنا في الخروج للمعاش المبكر، وأين العمل الثاني الذي سنتقاضى من خلاله أجر آخر، أو الذي سنكمل فيه المدة التأمينية التعجيزية التي أقرها القانون الجديد، من سيوظف شخصًا قارب على الـ45 سنة وأصيب بأمراض عديدة من جراء عمله في شركات القطاع الخاص، المعاش المبكر يا سيادة الوزيرة بشروطه القديمة كان ملجأ لنا ومصدر دخل إذا فقدنا عملنا بسبب التسريح، أو المرض، في ظل قوانيين لا تحمينا من بطش رجال الأعمال وحريتهم في تشريدنا، وليس ميزة نسعى إليها”.

غياب النقاش المجتمعي

ما طرحه الشافعي، من جدال كأحد المتضررين من القانون الجديد يلقي بتساؤلات حول عدم طرح مثل هذه القوانين لنقاش مجتمعي يشارك فيه المعنيين به من نقابات، ومؤسسات مجتمع مدني، وعمال، ممن سيحدد هذا القانون أو تلك مصائرهم.

النائب البرلماني هيثم الحريري والذي تقدم بطلب إحاطة حول القانون 148، انتقد عدم تمكين الكيانات الممثلة للعمال ونقابة أصحاب المعاشات من المشاركة في النقاش حول القانون قبل صدوره، واصفًا القانون بغير الجيد في مجمله، بينما وصف المادة المتعلقة بالمعاش بأنها بالغة السوء.

تقصير المجلس

وأضاف الحريري، في تصريحات تليفزيونية، أن الكثير من الشركات يتم تصفيتها، خاصة في ظل تداعيات فيروس كورونا، وتسريح العمال الذين لم يكملوا المدد التأمينية والذين يعجزون عن الحصول على عمل آخر لاستكمال المدة التأمينية، فيضيع حقهم في العمل وفي المعاش المبكر، ويصبحون بلا دخل، متهمًا الأغلبية في مجلس النواب بالتقصير لأنه إذا كان هناك تشريع له أثرٍ سلبي على الملايين فيجب النظر إليه بمنتهى الدقة والأهمية.

 تعديل المادة هو الحل

وعن الحل الجذري للأزمة قال الحريري، إنه يجب تعديل هذه المادة في مجملها، وإن لم يكن، فعلى الأقل، يجب وضع فترة انتقالية مناسبة، تمكن المتضررين، من تسوية معاشاتهم، خاصة من تم تسريحهم من أعمالهم موضحًا أن حتى هذا يحتاج إلى تعديل تشريعي. ما يعني أن انتظار صدور اللائحة التنفيذية عملية تحصيل حاصل.

شرط مجحف

ويرى طلال شكر، نائب رئيس النقابة العامة لأصحاب المعاشات، أن هناك تشدد في القانون فيما يتعلق بالمعاش المبكر وهو ليس وليد اليوم ففي عام ٢٠١٦ تم وضع شرط ضرورة توافر ٢٠ سنة تأمينية فعلية، في حين أن هذا الشرط لم يكن موجودًا قبل ذلك،  وكان من المسموح أن يكون الشرط الجديد خليطًا بين الفترة الفعلية والمشتراة،  لدرجة أنه  في بعض الأحيان كان من الممكن أن تكون المدة الفعلية سنتان والباقي مشترى،  ولذلك في العام السابق مباشرة على التعديل خرج على المعاش المبكر أكثر من ٧٠ ألف عامل للمعاش المبكر خوفًا من تطبيق الشرط الجديد عليهم.

ويضيف شكر لـ”مصر 360″: أما بالنسبة للقانون الجديد ١٤٨ لسنة ٢٠١٩ الذي أضاف ضرورة توافر شرط أن تكون نتيجة التسوية ٥٠٪ من متوسط الأجر التأميني وهو شرط مجحف نظرًا لانخفاض الأجور التأمينية نتيجة عدم وجود رقابة من هيئة التأمينات الاجتماعية على أصحاب العمل، ثم أضاف القانون شرط ضرورة توافر ٢٥ سنة تأمينية اعتبارًا من 1 يناير ٢٠٢٥ وهي شروط في ظل الأوضاع الحالية للتأمينات تمنع فعليًا الخروج بنظام المعاش المبكر وكان الأولى الانتظار لحين حدوث تغيرات فعلية في الأجر التأميني.

ويؤكد شكر، أن أصحاب العمل، كانوا السبب الأساسي في تعديل سنة ٢٠١٦ ، والذي تسبب في موجة المعاش المبكر الضخمة مع استمرار العمال في العمل، وحصولهم على معاش، وتوقف صاحب العمل عن التأمين على العامل وبالتالي توقف حصة صاحب العمل وحصة العامل وهو أمر مخالف للقانون ويقلل من الإيرادات التأمينية ولذلك في القانون ١٤٨ الجديد ألزم صاحب العمل بالإبلاغ عن العامل الذي يعود للعمل وكذلك ألزمه بالتأمين عليه ووضع جزاءات على من يخالف ذلك.

ويستكمل شكر، نحن لسنا ضد تعديل القانون بما ييسر على الحالات التي ترغب في الخروج على المعاش المبكر لأسباب متعددة ومشروعة وملحة، وإنما مع إجراء تعديلات تحفظ وتضع في الاعتبار كل ما ذكرت وبالشكل الذي يمنع أي تلاعب من أي طرف من الأطراف وتشديد رقابة هيئة التأمينات الاجتماعية على أصحاب العمل لأن الضحية حتى الآن هم المؤمن عليهم.

الطعن على القانون

المحامي بوحدة العمال بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، محمد الطنطاوي، يقول لـ”مصر 360″: “إن المركز تابع ما أثاره القانون من غضب العاملين المخاطبين به  خاصة فيما يتعلق بمادة المعاش المبكر، والمركز متواصل مع عدد من المتضررين، وعلى استعداد للتواصل مع المزيد منهم، لبدء مراحل التقاضي للطعن على القانون عقب إصدار اللائحة التنفيذية”.

ويشير “الطنطاوي”، إلى أن القانون به بعض المواد التي يمكن الطعن عليها وفي مقدمتها مادة المعاش المبكر، نظرًا لأن العاملين اشتركوا على أساس شروط القانون القديم، والتشريع الجديد يجور على حقوقهم التأمينية والأموال التي اقتطعت من رواتبهم على مدار سنوات العمل.