تراجعت حرية الصحافة في السنوات الأخيرة، مع اشتعال الصراع السياسي خلال ثورات الربيع العربي في عدد من البلدان العربية، وتكشف التقارير الدولية المعنية بمؤشر حرية الصحافة العالمية تراجعًا في مراكز الدولة العربية على المؤشر.
وبحسب مؤشر حرية الصحافة، حلت تونس في مقدمة البلدان العربية،و حل لبنان في المرتبة 102، العراق في المتربة 162، الجزائر في المرتبة 146، مصر في المرتبة 166، وجاءت اليمن في المرتبة التالية 167، والسعودية في المرتبة 170.
وتعد المواد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، إضافة إلى مواد أخرى في الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، والمؤتمرات التي تتناول حرية الصحافة والتعبير، بمثابة أساس لحرية الصحافة والصحفيين التي ينشدها العاملون في الصحافة في الوطن العربي، خصوصا أن عددا من الدول العربية (تونس، العراق، لبنان، الأردن، السودان، المغرب، مصر، اليمن، الجزائر، الصومال، الكويت، جيبوتي) قد قام بالتصديق على العهد الدولي للحريات المدنية والسياسية.
لكن التصديق على العهد الدولي لا يعني أن هذه الدول تتقيد في قوانينها بما جاء في هذا العهد من صيانة لحق حرية التعبير أو إطلاق للحريات الصحفية، وكذلك تمكين الصحفي من الحصول على المعلومات وحرية بثها بالطرق والوسائل التي يراها مناسبة.
وبخلاف ما نصت عليه الشرائع الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتي تشدد على حرية التعبير وحق الحصول على المعلومات ونقلها إلى الآخرين، فإن الدساتير في معظم الدول العربية قيدت إصدار الصحف ومنح تراخيص البث الإذاعي والتلفزيوني، وكافة وسائل الإعلام، وربطت هذا الحق بسلطات الدولة المختلفة.
فلسطين.. انتهاكات من نوع خاص
تواجه الصحافة الفلسطينية انتهاكات مزدوجة، منها ما جاءت بيد قوات الاحتلال الصهيوني في مواجهة الصحافة الفلسطينية، وانتهاكات أخرى قامت بها قوات الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
ووثقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين 760 انتهاكا إسرائيليا بحق الصحفيين الفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، خلال عام 2019، وبينت النقابة “أن 150 من تلك الاعتداءات، تعرض فيها الصحفيون للإصابة المباشرة بالرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع”.
وأشارت نقابة الصحفيين الفلسطينيين أن من أخطر الإصابات، تمثلت “بفقدان أربعة صحفيين أعينهم، واحتجاز إسرائيل نحو 39 صحفيا خلال العام الماضي، وتحويل 25 منهم للمحاكم بتهمة العمل الصحفي، حيث لا يزال 20 منهم معتقلين.
ووفق التقرير “مارست الأجهزة الأمنية الفلسطينية ايضا، بالضفة وغزة 254 انتهاكا ضد الصحفيين والمؤسسات والإعلامية، من بينها حجب نحو 50 موقعا إلكترونيا بقرار من النيابة العامة بالضفة.”
وخلال الأيام الماضية شنت نقابة الصحافة الاسرائيلية حملة تشويه وتحريض ضد نقيب الصحفيين الفلسطينيين، الأمر الذي دفع عدا من النقابات في البلدان العربية لإعلان تضامنهم مع نقيب الصحفيين الفلسطينيين.
اليمن.. إعدام الصحفيين
الحصار والملاحقة حال الصحافة في اليمن، التي احتلت المرتبة 167 في مؤشر حرية الصحافة لهذا العام، وفي إبريل/ نيسان الماضي اتخذت مسارا جديدا في مواجهة الصحافة والصحفيين. فقد أصدرت محكمة تابعة للحوثيين في صنعاء حكما بإعدام أربعة صحافيين بتهمة “الخيانة والتخابر مع دول أجنبية”.
توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام للحقوق والحريات (يمنية أهلية مقرها جنيف) علق على قرار الاعدام، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية: قائلا “صدر الحكم بحق 10 صحفيين، قضي بإعدام أربعة منهم وإدانة الآخرين مع الاكتفاء باستمرار حبسهم”.
واعتبر “الحميدي” أن هذا “ينذر بكارثة خطيرة على مستوى الحقوق والحريات العامة في اليمن ويفتح الباب واسعاً لانتهاكات قادمة”.
ويتعرض الصحفيون في اليمن للاعتداءات وعمليات الاختطاف والتهديدات بشكل يومي، هذا إذا لم يكونوا ضحية المواجهات التي يقومون بتغطيتها، بحسب تقرير مراسلون بلا حدود.
السعودية.. تدهور حاد
تربعت السعودية على عرش الدول المتأخرة في مؤشر حرية الصحافة خلال السنوات القليلة الماضية، وبحسب هيئة مراقبة حرية الصحافة في تقرير أصدرته العام الماضي، فإن الإعلام السعودي شهد تدهورا حاد خلال العام الماضي، وصنفت الهيئة المملكة من بين أسوأ دول العالم للرقابة والقمع الإعلامي، إلى جانب إيران وإريتريا.
وأشارت لجنة حماية الصحفيين إلى أن السعودية احتجزت منذ ديسمبر 2018 نحو 16 صحفياً، واحتجزت تسعة آخرين في النصف الأول من عام 2019، كما تعرض ما لا يقل عن أربعة صحفيين لسوء المعاملة والتعذيب في السجن.
وسائل الإعلام الأمريكية أبرز تقرير لجنة حماية الصحفيين، الذي أشار إلى أن الحكومة السعودية شددت قبضتها على المحتوى الرقمي واستخدمت تقنية المراقبة لقمع تغطية أحداث مثل الحرب في اليمن.
السودان.. فصل وسجن
في 8 يونية/ حزيران الماضي، أعلنت نقابة محرري الصحافة اللبنانية أنها “تلقت كتاباً من الامانة العامة للاتحاد العام للصحفيين العرب تضمن التقرير المرسل للاتحاد من رئيس اتحاد الصحافيين السودانيين صادق الرزيقي، بشأن أوضاع الحريات الصحفية في بلاده، وما تتعرض له من انتهاكات جسيمة تطاول الزملاء بالسودان، وتتمثل بتعطيل صدور الصحف واستدعاء الصحافيين واعتقالهم ووضع اتحادهم في قبضة السلطة الحاكمة”.
وأشارت الأمانة العامة إلى:” عمليات القبض على الصحفيين والصحفيات واستدعائهم في كل من الخرطوم وعاصمة شمال دارفور، وسحب تصريحات المرور من الصحافيين والمراسلين المعتمدين لتمنعهم من الحركة خلال فترات حظر التجول، ومنع من تغطية أخبار ونشاطات.
توقفت 21 صحيفة عن الصدور نتيجة للإغلاق التام في البلاد وعجز معظم الناشرين عن دفع رواتب الصحافيين والعاملين في الصحف المستقلة”.
العراق.. تراجع مستمر
سجل المرصد العراقي للحريات الصحفية في نقابة الصحفيين العراقيين، تراجعا مستمرا في مستوى الحريات في العراق منذ 3 مايو/ أيار 2019 وحتى 3 مايو/أيار 2020.، بالتزامن مع الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية في العراق مطلع أكتوبر/ تشرين أول 2019، سقط ثمانية صحفيين برصاص وسكاكين مجهولة الهوية، ولم تصل السلطات حتى الآن إلى الجناة.
وفى أكتوبر الماضي، قتل امانج محمد المذيع في قناة “NRT” الكردية مع زوجته الصحفية لانا محمد وطفلهما في السليمانية، وفى ديسمبر من العام نفسه قتل المصور الصحفي الحربي أحمد المهنا على يد مجهولين قرب ساحة الخلاني.
وفى يناير الماضي، تعرض مراسل قناة دجلة أحمد عبد الصمد والمصور صفاء غالي لإطلاق نار في البصرة، مما أدى إلى مصرعهما. كما قتل الإعلامي والأكاديمي محمد حسين علوان بسلاح مجهولين في العاصمة بغداد في الشهر نفسه.
وأغلقت الصحف اليومية والأسبوعية أبوابها منذ بدء سريان الحظر في منتصف مارس/ أذار الماضي الماضي، حيث تتخذ السلطات إجراءات احترازية لمنع العدوى وأبلغ صحفيون المرصد العراقي للحريات الصحفية إنهم أصبحوا بلا مرتبات مالية نتيجة توقف صحفهم عن العمل.
قطر.. ترسانة قوانين قمعية
يواجه الصحفيون في قطر ترسانة قانونية قمعية، إضافة إلى نظام رقابة صارم، فالسجن هو مصير من يتعرض للحكومة أو أحد من العائلة الحاكمة، واحتلت قطر المرتبة 129 في مؤشر حرية الصحافة لهذا العام.
وكانت قطر قد أصدرت في يناير/ كانون الثاني الماضي قانون يقيد من حرية الرأي والتعبير، الأمر الذي حذرت منه منظمة العفو الدولية واعتربته ينتهك بشكل صارخ القانون الدولي.
ونص القانون القطري على أنه أن يعاقب بالحبس “كل من أذاع أو نشر أو أعاد نشر إشاعات أو بيانات أو أخبار كاذبة أو مغرضة أو دعاية مثيرة، متى كان ذلك بقصد الإضرار بالمصالح الوطنية أو إثارة الرأي العام أو المساس بالنظام الاجتماعي أو النظام العام للدولة.”
فبموجب القانون الجديد، يمكن معاقبة البث أو النشر “المغرض” بالحبس لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة قدرها 100 ألف ريال (ما يزيد عن 25000 دولار أمريكي). كما يتعارض هذا القانون مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي حظيت قطر بثناء دولي للانضمام إليه في 2018، حيث تضمن المادة 19 منه الحق في التماس وتلقي ونقل المعلومات والأفكار.
مصر.. اتهامات وتراجع
وفقا لأحدث تصنيف لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، بشأن حرية الصحافة في 2020، تراجعت مصر إلى المرتبة 166 ضمن 180 بلداً في “مؤشر حرية الصحافة”، بثلاثة مراكز عن ترتيبها في العام الماضي.
ووفقًا لأخر الاحصائيات بلغ عدد الصحافيون الصادرة ضدهم أحكام قضائية، 29 صحافيًا وإعلاميًا، وفقًا لآخر حصر لـ “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان”. فيما يقبع آخرون خلف القضبان تحت قيد الحبس الاحتياطي بتهمة نشر أخبار كاذبة.
ومن ضمن أكثر من 546 موقعاً إلكترونياً وقعوا تحت وطأة الحجب منذ عام 2017، وبلغ عدد المواقع الصحفية والإخبارية المحجوبة 108 موقعًا.
أزمات عربية
ويرى الكاتب الصحفي خالد البلشي، عضو مجلس نقابة الصحفيين سابقاً، أن الصحافة العربية محاطة بالعديد من الأزمات في أغلب الدول العربية، وأن تراجع حرية الصحافة يعود إلى أسباب عديدة منها قيام بعض العمليات الإرهابية والاغتيالات لمواجهة دور الصحافة مثلما يحدث في اليمن وليبيا وسوريا والعراق أيضاً، إلى جانب الضغوط الحكومية من دول عربية أخرى.
ويؤكد البلشي، أن الدول العربية تنقسم في العمل الصحفي ما بين الخطيرة مثل السعودية ومصر غيرها من الدول والخطيرة جدًا مثل ليبيا وسوريا واليمن والعراق.