“سد النهضة” ذلك الحُلم الأثيوبي الذي أشعل العديد من الأزمات داخل وخارج حدود الدولة الأثيوبية، حيث أعلن أهالي إقليم بني شنقول رفضهم التام لإقامة السد على أراضيهم، لانتهاكه حقوقهم واعتدائه على أراضيهم، فيعتبرون أن السد الذي يقع على بعد 20-40 كم من الحدود السودانية بسعة تخزينية تقدر بحوالي 16.5 مليميتر مكعب، مصدر تهديد قومي لحياتهم الريفية، وليس له أي جدوى اقتصادية طائلة كما تروج الحكومة الأثيوبية.

سد النهضة وأهالي بني شنقول

يقع سد النهضة، الذي تبلغ مساحته 1800 كيلو متر مربع، في منطقة إقليم بني شنقول “بينيشانغول”، وهي أرض شاسعة جافة على الحدود السودانية تبعد 900 كيلو مترًا شمال غربي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

اختارت الحكومة الإثيوبية، أراضي “بينيشانغول”، لبناء السد، نظرًا لطبيعتها الجبلية، حيث ينبسق منها سهل أخضر، وهو ما يتوافق جيولوجيًا مع طبيعة السد، كما أنها تبتعد عن الكثافة السكانية.

وتعتبر الحكومة الأثيوبية، أنه من السهل السيطرة على أهالي منطقة بني شنقول، والمنتمين إلى إقليم قماز، والذي يعاني من قلة دخل الفرد رغم تنوع الموارد، خاصة الذهب الذي اشتهر به منذ القدم.

وبسبب جبال الذهب، تعرضت هذه الجماعات إلى الاستعمار الإيطالي، وبدعم من الجيش الإنجليزي ثاروا علي الوجود الإيطالي علي الحدود السودانية، وتم تدريب 180 فردًا من القبيلة، وتم زيادتهم إلى 350 فرد وعرفوا باسم “باندا فونج” وكانت مهامهم تتركز علي حماية الحدود، ومراقبة التسللات للقوات الإيطالية وجمع المعلومات للإنجليز.

مع مرور السنوات بدأ سكان إقليم بينيشانغول، الاستقرار على حياتهم الريفية، حتى وصل إجمالي عددهم إلى 40 مليون نسمة، وفقا لتعداد عام 2019.

أسباب رفض أهالي بني شنقول لبناء سد النهضة

في بداية 2012 أعلن سكان الإقليم، رفضهم التام لإقامة سد النهضة على أراضيهم، لأنه سيهدم أحلامهم في الاستقلال ويمنعهم من الحياة الكريمة، خاصة وأن العدد الكلي للسكان الزراعيين 40 مليون نسمة يعيشون على المساحة الزراعية الإجمالية البالغة 9 ملايين فدان، أي أن كل مليون فدان يعول 4.4 ملايين نسمة.

يؤكد أهالي الإقليم، أنه في حال ملء خزان الياه الخاص بالسد في 6 سنوات، سيفقدون 1.6 مليون فدان وهو ما يعني تجريد 7 ملايين فردًا من مصدر دخلهم الرئيسي، وفي حال ملء السد في فترة أقل من ذلك سيزيد عدد المواطنين الذين فقدوا أرزاقهم إلى 12.8 مليون فردًا.

وحاول رئيس الوزراء الإثيوبي السابق “ملس زيناوي”، إقناع أهالي الإقليم بأن السد هو الهدف الأسمى والأعظم لتحقيق الحلم الإثيوبي الذي طالما حلمت بيه الإمبراطورية الحبشية، ويحلم به الإثيوبيون في العصور الحديثة لتنمية.

وتصالح “زيناوي” وقتها، مع عدد من أهالي “برثا” وهم مجموعة عرقية تعيش داخل إقليم بني شنقول، بإعطائهم شقق سكنية وتوفير تعليم لأولادهم في العاصمة أديس أبابا مقابل التخلي عن أراضيهم بعقد بيع وشراء.

 

ومع تولي “هيالي مريام ديسالين” رئاسة الوزراء الأثيوبية، بدأ الصراع يتأجج من جديد حول رفض أهالي بينيشانغول للسد، ورغبة الحكومة في انتزاع كافة الأراضي عنوة.

فكون جماعة تعرف بـ” الوطاويط” وهي مجموعة عرقية أخرى تعيش داخل الإقليم، حملة لرفض إقامة سد النهضة، وأعلنوا عدم القدرة على التخلي عن حياتهم الريفية والعيش في الأراضي الزراعية من أجل مشروع قد يستغرق سنوات، دون جدوى اقتصادية هائلة كما تروج الحكومة.

وظلت تلك الجماعة ترفض إقامة السد بشكل قاطع، حتى اندلعت الاحتجاجات 2014، وقامت على إثرها الحكومة الإثيوبية بالقبض على عدد كبير من الداعمين للرفض الشعبي لسد النهضة، من أجل الضغط عليهم للتنازل أو التصالح بشأن أراضيهم لصالح المشروع القومي.

كفاح مسلح لمنع بناء السد

وفي العام ذاته خرج السفير يوسف ناصر حامد زعيم حركة تحرير شعب “بنى شنقول”، وقال في تصريحات صحفية تناقلتها وكالة الأنباء الرسمية الإثيوبية، إن حكومة بلاده خدعت المصريين بمسألة الحوار حول سد إثيوبيا، وتواصل العمل على قدم وساق في بناء السد، وتستعين في ذلك بمهندسين وتقنيين إسرائيليين.

وهدد حامد، الحكومة الأثيوبية، بأن حركة تحرير بني شنقول تُناضل منذ عام 1962 ضد الاحتلال الإثيوبي لإقليمها، وسوف تُزيد من كفاحها المسلح ضد الحكومة الأثيوبية لإجلائها عن الإقليم والسد، الذي يمثل تهديدًا لوجود الأهالي كما سيعرض عدد من الدول الصديقة كمصر والسودان إلى العطش والجوع.

وفي 9 مايو 2014 شنت الحركة الشعبية لتحرير بني شنقول، هجومًا مسلحًا أسفر عن مقتل 9 جنود أثيوبيين، وأعلنت الجبهة مسئوليتها عن الهجوم، ومؤكدة أنها تقاوم ما وصفته بالاحتلال الأثيوبي للإقليم، وأن الحركة أعلنت معارضتها لسد النهضة.

رجل السلام ينتهك حقوق أهالي بني شنقول

مع تولي آبي أحمد رئاسة الوزراء الإثيوبية في 2018، رحب به أهالي بني شنقول، أملًا منهم في أن يُفرج عن أهاليهم المعتقلين، ويُعطيهم المستحقات المالية والمباني والأعمال التي وعدتهم بها الحكومة السابقة.

إلا أن آبي أحمد، خذل طموحات أهالي الإقليم، وطرد أغلبهم إلى العاصمة أديس أبابا، حيث يعيشون دون عمل، وفقا لتصريحات رسمية لشبكة الأورمو الإعلامية.

ومع بداية عام 2019، أسكتت الحكومة الأثيوبية كافة الأصوات المعارضة لسد النهضة، وطالبت وسائل الإعلام بعدم التحدث عن أي رفض له من جانب أهالي بني شنقول.

ونشرت وكالة الأورومو التي كانت تبث من الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك الخبر ومن ثم سادت حالة من التعتيم الإعلامي حول أهالي الإقليم وحقيقة الأرض المقام عليها سد النهضة.