رحل أمس الإثنين، عن عالمنا الكاتب الصحفي محمد منير عن عمر يناهز 65 عامًا، وهو أحد أشهر الكتاب في مجال الإعلام وكان محاربًا عن الحريات النقابية والسياسية حتى كلفه الأمر القبض عليه في منتصف يونيو الماضي إثر نشره عن اقتحام منزله، ليتم حبسه بعدها 15 يومًا على ذمة القضية 535 لسنة 2020، وتم حبسه بعدها للمرة الأولى يوم 27 يونيو.

“مشمحمد منير” كان لقبه على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، التي لم يوقفها لحظة عن التدوين وكتابة آرائه حتى آخر أيامه في الحياة.

وفي يوم الخميس الثاني من يوليو، وبعد يومين من تجديد حبسه للمرة الأولى، أعلن ضياء رشوان، نقيب الصحفيين وشقيقه الصحفي حازم منير، أن نيابة أمن الدولة العليا أخلت سبيل محمد منير دون ضمانات.

دور منير في نقابة الصحفيين

نعى ضياء رشوان، نقيب الصحفيين، الكاتب الصحفي محمد منير ووصفه بالصديق والزميل الغالي، قائلًا “محمد منير القيمة والقامة والذي جمعتني به صداقة ممتدة عقودا أربعة، وتواصل لم ينقطع وخصوصا طوال الشهور الأخيرة، كان آخره ساعة دخوله المستشفى في مرضه الأخير، كان مخلصا لكل ما يعتقده وجريئا في إعلانه، وكاتبا ساخرا ومشاغبا على غرار القامات الكبرى في هذه المدرسة الصحفية العريقة بالصحافة المصرية.

وأشاد رشوان، بدور “منير” النقابي، معقبًا: “لم يبخل أبدا بدور أو بنصيحة من أجل صالح النقابة وصالح زملاءه طوال مسيرته المهنية والنقابية الممتدة”.

شطب رفعت السعيد من النقابة

 في الدور الأخير لنقابة الصحفيين في الفترة الأخيرة لحياة منير، كان هناك لقاءا أسبوعيا استمر لفترة قليلة بعد رحيل يحيي قلاش عن مجلس النقابة، كانت مجموعة تضم “قلاش ومنير وعدد من الصحفيين المخضرمين مع شباب الصحفيين” كلقاء للحديث عن متاعب المهنة، كان “منير” دائما حاضرا يحكي ويدعم ويناقش القوانين بحماسة وانفعال.

من ناحيته، يسرد الكاتب الصحفي يحيي قلاش، نقيب الصحفيين السابق، أن الكاتب الصحفي الراحل صاحب موقف ولديه انحيازاته الفكرية وقناعاته وكان محركه الأساسي هو الحديث عن علاقات العمل.

وتابع قلاش:” كان صحفي لا ينتمي الي أي توجه ولم يستطع أحد أن يبتزه وحاول أن يبقي مستقلا قدر الإمكان، وكان يمتلك شجاعة الاعتذار عن الخطأ، قائلا ” كانت تركيبته قلقة في أحلامه الكبيرة والواقع محبط وكانت لديه أسئلة هائمة دون إجابات كنا نصفها بـ “لطشة الفيلسوف”.

وأشار قلاش إلى أن علاقته كانت قوية بالفقيد، متذكرا وقائع مشكلته مع دكتور رفعت السعيد رئيس مجلس إدارة الأهالي إبان عمل “منير”، حيث صممت الإدارة على فصله، مما أدخله في صراع لما يزيد عن ثلاث سنوات لأخذ حقوقه ولم يرض بأي حلول وسط لإنهاء الأمر.

واستكمل:” مع إصرار “منير” على أخذ موقفه من إدارة الأهالي، تم تحويل رفعت السعيد للتحقيق ثم التأديب لعدم حضوره جلسات التحقيق وعدم انصياعه لمطالب النقابة، وفي النهاية انتصر منير وأصدرت النقابة قرارا بالأغلبية بشطب رفعت السعيد في عهد إبراهيم نافع عام 2003″، موضحا أن أي مجلس عندما يجد الأمور ليس بها مبالغة وصاحبها صامد يضطر لاستكمال الإجراءات، وهذا ما قامت به النقابة في انحيازها لمنير في أزمته مع “السعيد”.

حقيقة الإصابة بكورونا داخل السجن

ذكر بيان صادر باسم المجموعة الاعلامية المتابعة للقضية، أن محمد منير كان محتجزًا في مستشفى ليمان طرة، والتي نُقل لها بعد احتجازه في قسم شرطة الطالبية حيث خضع لفحوص طبية عدة لمعاناته من بعض الأمراض، وفور صدور قرار النيابة غادر الزميل محمد منير مستشفى السجن إلى منزله مباشرة بعد تنفيذ إجراءات إطلاق سراحه بسرعة وسهولة ودون أي عوائق.

ويوم السبت 4 يوليو أعلن “منير” عن تدهور حالته الصحية، بعد خروجه من السجن، وقال “منير” أثناء حبسي كشف الفحص الطبي بمستشفى ليمان طرة عن إصاباتي بجلطة وقصور في وظائف الكلى، وفي اليوم الثاني للفحص تم الإفراج عني، وبعد يومين تدهورت حالتي، وأصبحت غير قادر على تحديد خطة علاج أو الحجز في مستشفى وهو ما كنت أفعله، والله منذ سنوات مع كثير من الزملاء عندما كنت محررا للصحة، ولكني الآن وأنا في شدة التعب غير قادر على مساعدة نفسي، كما أن تكلفة حصتي من العلاج والفحوصات تفوق إمكانياتي المادية المحدودة.

وفي السابع من يوليو، ظهر منير في فيديو على صفحته الشخصية على الفيس بوك يتنفس بصعوبة مطالبا بحجزه في مستشفى المنيرة لاستمرار علاجه، وبعد تدخلات النقابة تم نقله إلى مستشفى العجوزة على إثر الاشتباه بإصابته بالفيروس، ليودع العالم من هناك.

يحيي قلاش قال “تدخلت لدي إدارة مستشفى العجوزة لإدخال التليفون له حتى يتواصل مع أحبته وترتفع روحه المعنوية، وانتظرت المديرة الإدارية للمستشفى التي وعدتني بإدخال التليفون له حتى أهاتفه بعد الاستجابة إلى طلبه، حتى جاء صوتها “البقاء لله لم الحقه، حدث تقلص في عضلة القلب ومات على أثرها”، متابعا أنه حتى الآن لم يتبين هل مات بسبب كورونا أم نتيجة شكوته من أمراض تتعلق بالقلب والسكر والسمنة المفرطة وعلى إثر هذا مات بجلطة”.

ومن ناحيته قال خالد البلشي، رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين سابقا، والذي كان متواصلا مع منير، أنه لا يستطيع الجزم هل موت “منير” جاء بسبب كورونا أم مشاكل في القلب، خاصة أن أولاده ظهور عليهم أعارض كورونا، وكان حجزه في “العجوزة” بسبب الاشتباه في كورونا، قائلا ” لا أستطيع التصريح بهذا والمخول هو أسرته وأخيه حازم منير، وننتظر البيان الرسمي لهم للرد عن أسئلة ماهي أسباب موته وهل مات بالفيروس؟ وإذا كان صحيحا هل أخذ العدوى من قسم الشرطة أم مكان محبسه وهكذا من تفاصيل لا تعرفها غير أسرته”.

اعتقال في الثمانينات في الحركة الطلابية

يقول كارم محمود، عضو مجلس نقابة الصحفيين سابقا وصديق الجامعة لمنير، أننا جميعا سنفتقد مواقفه النقابية والسياسية المحترمة والشجاعة، متذكرا أن “منير” كان زميلا له في كلية الآداب عين شمس في النصف الأول من الثمانينات، قائلا ” لم تكن بالطبع تلك الكلية الأولى للمشاغب فقد كان في آثار القاهرة ثلاث سنوات، ولكن الدراسة لم تعجبه فقام بتحويل أوراقه إلى قسم الاجتماع بآداب عين شمس”.

واستكمل كارم “سبقته بسنتين في الدراسة وكنا زملاء ولدينا نشاط طلابي مشترك، وكانت الحركة الطلابية في صحوتها، وفي يوم جمعة 6 فبراير 1981 شاركنا معا في مظاهرة ضد مشاركة إسرائيل في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وتم القاء القبض على عدد من النشطاء وعدد من استاذتنا وهم صلاح عيسى وحسين عبدالرازق وحلمي شعراوي، وكمال أبو عيطة، وكمال خليل، وكان كل أربعة في زنزانة وكنا نتقابل في فترات التريض وطابور الشمس وكانت زنزانتي مع “منير” وحبسنا حوالي ثلاثة أسابيع ثم أفرج عنا”.

وأضاف: “وتزاملنا في تجربة البديل وكان رئيس تحريرها محمد سيد السعيد، بالإضافة لزمالتنا في العمل النقابي في كثير من القضايا والمواقف وكان لديه توجه أصيل وشجاع ودائما ينتمي لتيار الاستقلال النقابي.

الأربعاء الأسود.. والهجوم عن نوال علي

وقال خالد البلشي، إنه بدأ حياته في مجلة اليسار بالتجمع وآنذاك كان “منير” في الأهالي، وشهدت معركته مع رفعت السعيد، وعدد من المواقف لا أستطيع حصرها بسبب حزني الشديد وارتباكي لخبر موته الأليم وتوديعه لنا.

وأشار إلى أنه دائما يستدعي لذاكرته يوم الأربعاء الأسود، حينما تم الاعتداء على الصحفيات، وتم ضرب نوال علي على سلالم النقابة، قائلا ” سارعنا أنا ومنير فور علمنا وكنا داخل النقابة من أجل الدفاع عنها من الضرب المبرح ولكن أصدقاء لنا منعونا من الخروج بسبب الكثافة الأمنية ثم بدأ في عمل هوجة كعادته حتى يخلص نوال وبالفعل سارع الجميع للحاق بها واخذها داخل النقابة”.

وأكد أن “منير” كان حاضرًا في كل المواقف النقابية وكنا لدينا آراء متقاربة ونقف على نفس الأرضية النقابية مثل ما يتعلق بعلاقات العمل والفصل التعسفي والحريات النقابية والثورة واقتحام النقابة والمطالبة بحقوق زملائنا الصحفيين، وكانت النقابة بيته الذي يتحرك به ويري حياته من خلاله، مشيرا الي أنه كان مصمم على الكتابة حتى آخر حياته لأنه يرى ان هذا حقه.