يجب وضع كود للأخلاقيات ووثيقة تحرش بكل جهات العمل

أمامنا 50 سنة لتغيير نظرة المجتمع في قضية التحرش

نجاح المرأة وثقافتها تساعدها في التعافي من تأثيرات التعنيف

خلال الأيام الماضية احتلت شهادة الناجيات من وقائع التحرش مساحات واسعة في عالمنا الافتراضي وعدم تعافيهن منها، وانتقلت المعركة إلى أذهان بعض السيدات، من هل تحكي حادثها أم تلتزم الصمت؟، وتساءلت أخريات كيف ننجي بأنفسنا من آثار هذا الحكي؟.

وتحدثنا مع الدكتور نبيل القط، المستشار النفسي وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للعلاجات الجماعية وجمعية الطب النفسي المتطور والمهتم بالقضايا الجنسانية، لحسم عدد من السرديات التي كانت محل جدل وساقها البعض سواء للدفاع أو التبرير، بشأن سيكولوجية المتحرش وعقدة الذنب لدى النساء، وما هو الحل لحماية المرأة في محل العمل والشارع.

متى ينتهي العنف المُمنهج ضد المرأة؟

العنف المُمنهج وغير المُمنهج ضد المرأة سيظل مستمرًا حتى تتمكن في كافة جوانب الحياة، والي أن يحدث هذا، سيستمر انتهاك مساحتها الخاصة سواء في العمل أو المنزل أو أماكن الترفيه أو الشارع.

العنف ضد المرأة لن ينتهي إلا بعد أن يصرن مُتعلمات ومُتساويات مع الرجال في الوظائف والأماكن العليا في الدولة.

هل تحتاج المرأة لوثيقة تحرش؟

كل مكان عمل يحتاج لوثيقة أخلاقية لحماية النساء من العُنف، فلابد من وجود تلك الوثيقة في الشارع وفي تعاملات الشرطة والقضاء والأفلام والميديا والمسلسلات والبرامج التليفزيونية.

ولابد من إضافة كود بجانب الانتهاكات التي تصنف أنها سياسية أو دينية، تحت مسمى “انتهاك حقوق المرأة”.

لماذا لم يتعرض الرجل للعنف في الشارع مثل المرأة؟

انتقلنا من مجتمع تقليدي كانت المرأة تعيش خلاله في حماية الرجل، وتعلن ذلك، إلى مجتمع غير تقليدي يتعامل مع المرأة باعتبارها الكائن الأضعف والمباح انتهاكها، وهو ما تسبب في ظهور التحرش بالفتيات في الشوارع والأماكن العامة، إلا أن الشاب يبتعد عن فتيات منطقته ليرضي نفسه باعتباره حماية الفتاة التي يعرفها، ويذهب لأماكن لا يعرفه فيها أحد حيث ينتشر بها التحرش مثل وسط البلد وجامعة الدول العربية،

كيف يؤثر لوم المرأة على انتشار ظاهرة التحرش؟

يكفي أن يظهر مذيع في برنامج على الهواء ليقول إن من تلبس كذا وكذا يتم التحرش بها وتُغتصب، ثم يترك هذا الحديث يتكرر مرارًا من بعض الشيوخ والأشخاص الذين يعتد بآرائهم.

السينما تصور التحرش بالمرأة ولمس أجزاء من جسدها كأنها مدعاة للضحك

عندما نعترض على تعامل الفن مع أجساد المرأة بشكل مهين تظهر اعتراضات أننا نريد التضييق على الفن بوازع أخلاقي أو فرض مصطلح “السينما النظيفة” ما ردك؟

هناك كود للأخلاقيات تتبعه السينما الأمريكية، فهناك ما يمنع التدخين في بعض المشاهد، كما أنها تنوه إلى احتواء العمل على مشاهد عنف والسن المناسب لمشاهدة هذا ووضع عبارة “للكبار فقط”، لتتم المراقبة عليها حتى لا يتأثر النشء.

لسنا بصدد الحديث عن المشاهد الجنسية أو الجريئة، نحن نتحدث عن ظاهرة هامة وقضية يتم فيها التضييق وحصار وانتهاك حقوق نصف المجتمع وهي المرأة التي تنزل إلى الشارع أو العمل وهي في حالة خوف من التحرش أو التعنيف، ولو كانت فئة أقلية كان سيقف الجميع لمناصرتها.

وتواجه بعض الأعمال السينمائية مشكلة في كونها تصور المرأة والتحرش بها ولمس أجزاء من جسدها كأنها مدعاة للضحك.

اذا أردنا تحليل سيكولوجية المتحرش.. أضعف المضايقات التي تتعرض الفتيات لها تكون باللمس في الشارع.. ما وجه الاستفادة الجنسية من هذا؟

دعينا نتفق أن التحرش هو فعل جنسي بالأساس، الغرض منه إما ممارسة سلطة أو ممارسة جنسية، أو تسلية، أو الاندماج في وسط مجموعة كفرض رجولته وسط مجموعة لا بأس بها من المتحرشين، أو يرغب في القبول الجنسي من قبل الفتاة ولمسها يأتي كنوع من التواصل الجنسي.

التحرش فعل جنسي حيث تربي الشعوب أولادها وبناتها على التحكم في تصرفاتهم البيولوجية كالأكل والجنس والتبرز والتبول، وإذا تعاملنا مع التحرش باعتباره فعل بيولوجي، فأنا إذا شعرت بالجوع ووجدت طعامًا سأنقض عليه دون إذن أو تحكم بغريزتي، وهذا ينطبق على التحرش، مثلًا إذا وجدت فتاة عارية سأنقض عليها وأهجم عليها؟!!، مع فارق كبير فالتحرش فعل يعد خروجًا عن الآداب العامة واعتداء على حرية ومساحة شخص آخر.

بعض الفتيات يسترخين في الحديث فيشعر الذكر أن هذا إذن له بالتحرش

هناك مبرر انتشر في دفاعات بعض المتهمين بالتحرش أن هناك إشارات تُرسلها المرأة.. هل يجب أن تكون الفتاة أكثر حرصًا في تعاملاتها؟

مبدأيًا لا يوجد ما يسمح بالتحرش بشخص آخر، ولكن بعض الفتيات يأخذن راحتهن أو يسترخين في الحديث فيشعر الذكر أن هذا إذن له بالتحرش، وهذا ليس صحيح.

انا أرى أن الحديث عن أمر الإشارات لا يجب أن نعطي له مساحة من حديثنا عن التحرش فهو مبرر غير حقيقي، وسأعطي لكي مثالا “إذا رأيت سيدة عارية في الشارع سيكون المطلوب مني إما الامتناع عن النظر لها أو سأعرض عليها أن أقوم بتغطيتها أو أقوم بعمل ساتر تحتمي به”، فما بالك إذا ارتدت ملابس لا تناسب ثقافتي أو طبقتي الاجتماعية فهي حرة فيما ترتديه وأنا عليّ غض البصر.

عندما ينزل الرجل بشورت إلى الشارع هل يتم التحرش به أو مضايقته، بالطبع لا، إذن ماهي أزمة المجتمع مع ملابس النساء.

البعض وأخص بالطبع الرؤية الذكورية.. لا يستطيع تصديق رواية بعض الناجيات من التحرش عندما ترويها بعد مدة تكاد تكون ثلاث سنوات؟

هناك أربع مستويات تجعل رد فعل الفتاة بطيئًا أو سريعًا، أول تلك المستويات:

الخلفية الثقافية للبنت وهل هي من بيت يقهر الحديث ويغلق على نفسه، أم يعطي الحرية للفتاة للتعبير عن رأيها أو حكي ما يضايقه؟.

المستوى الثاني: شخصية الفتاة هل هي قوية تستطيع أن تعبر نفسها، أم أنها ما زالت ضعيفة وخائفة من الحكم عليها؟.

والمستوى الثالث: الجو العام، وهل يسمح بالحديث عن هذا أم يضيق الخناق عليها؟، وحاليًا المجال العام أعطى للمرأة إحساس بالأمان فأعطى لهم فرصة للحديث.

والمستوى الرابع: حجم التحرش ذاته عندما تكون الواقعة كبيرة جدًا كالاغتصاب تتعرض الفتاة لصدمة كبيرة مما يضعف قوتها في التعبير، وأحيانا عندما يكون التحرش بدرجة خفيفة لا تستطيع الفتاة أن تحسم هل هو تحرش أم فعل عابر، وعندما تقرأ شهادات لسيدات تعرضن للتحرش فهناك إمكانية أن تسرد هذا الفعل وتصنفه كتحرش.

المجتمع يلقي اللوم على الفتاة حتى لو لم تكن مخطئة

جاء في شهادة إحدى الفتيات الناجيات من التحرش أن والدتها أسكتتها بعد أن روت لها واقعتها.. أم من طبقة اجتماعية وثقافية مرتفعة لماذا تعاملت هكذا؟

الجميع يعلم أن المجتمع يلوم الفتاة على وقائع التحرش والاغتصاب وكل شيء يحدث لها، أؤكد مرة أخرى نحن في مجتمع يلقي اللوم على الفتاة حتى لو لم تكن مخطئة، ويرى أن الرجل دائمًا على حق لأنه الذكر المهيمن.

فعندما تذكر الفتاة واقعة اغتصاب يتم إلقاء اللوم على تصرفاتها وأنها من أعطت له تلك الفرصة أو أثارته بتصرفاتها، ويتم تصوير الرجال كوحوش لا يستطيعون السيطرة على غرائزهم وتلك الثقافة الغالبة.

وهذا الأمر ينطبق أيضًا على وقائع الضرب والتعنيف التي تتعرض لها بعض النساء حيث يتم لومها بأنها من قامت باستفزازه والوقوف أمامه وبالتالي استحقت هذا الضرب المبرح.

متي تتعافى الفتاة من وقائع التحرش والاغتصاب التي تعرضت لها؟

عندما تتمكن المرأة مهنيًا واجتماعيًا، وتجد من يحبها بشكل حقيقي تصبح فرصة التجاوز أكثر، خاصة إذا كان التحرش مرة أو مرات عابرة، وإذا تعرضت للتحرش على مدار سنوات، فإنها تحتاج إلى علاج نفسي ومعرفي لفترة طويلة.

هناك فتيات يستدعين حوادث التحرش كلما حانت الفرصة للحكي.. هل هذا يساعد على التعافي؟

أحيانا الحكي يُتعب أكثر، وأحيانا يُحدث تعافي، ولكن بشكل عام البنات اللاتي يحكين أعتقد أنهن يشعرن بالتعافي، وذلك بفضل التمكن والشعور بالمشاركة، حيث يتعلمن من الخبرات السابقة، ويتحررن من الذنب.

تتعالى أصوات بعض الرجال بأنهم تعرضوا للتحرش من النساء سببت لهم صدمات.. هل هذا محل نقاش أو يحدث؟

ممكن أن يحدث ولكنها حالات نادرة جدًا، ولا أحب الحديث عنها في إطار الجو العام، لدينا قضية أهم وهي تحرش الطرف الأقوى بالطرف الأضعف، فبالتالي يصبح الحديث عن العكس كلام فارغ هزلي، فالحديث هنا عن خطر شديد يواجه نصف المجتمع وآن الآوان لعمل تشريع قانوني، من يجد نفسه من الرجال لديه تروما “صدمة نفسية” يذهب للعلاج النفسي فلدينا قضية أعمق من قضية فردية نادرة الحدوث.

هناك شق سياسي خاص بتعامل النائب العام بتشجيع ورصد حكايات الناجيات من التحرش في الواقع الافتراضي.. هل هذا يساهم في دعم القضية؟

من الواضح أن هناك تحركات جادة، وسرية التحقيقات خطوة هامة للحفاظ على الحالة النفسية للبنت وقدرتها على الحديث عن نفسها، وتكملة هذا تكون بتدريب وكلاء النيابة على مثل تلك القضايا وتدريب أمناء الشرطة على هذا وكتابة المحاضر وسرعة التعاون عند تقديم الفتاة شكوى في أقسام الشرطة بخصوصية وحساسية عالية جدًا.

تتابع تعليقات بعض من يطلقون على أنفسهم داعية دينية.. تأثير حديثهم عن استحلال أجساد النساء في الشارع هل يخلق جيل أسوأ أخلاقيًا ويستند لوازع ديني مزيف؟

هذا الموضوع ليس بجديد وهذا الجيل مخلوق بالفعل ويتم إطلاقه في الشوارع، ولكن لدي وجهة نظر إيجابية بخصوص هذا التيار، فظهوره بهذا الجدل يساعد الدولة على اتخاذ خطوات أكثر قوة، ويساعد المؤسسات الدينية كالأزهر وغيره على اتخاذ خطوات أكثر جرأة في عمل لوائح أخلاقية في الفتوى والتشريع والخطابات الدينية للتعامل مع النساء.

كما أن وجود هذه النماذج يشجع على إعادة النظر للقوانين وتعالي أصوات المنادين بوجود بيئة تشريعية تصد مثل تلك الفتاوى التي تبيح التعدي على أجساد السيدات.

الآن ستعود المرأة للعمل بعد معاصرتها لقلق وتوتر أزمة كورونا ثم الحديث عن حكايات الناجيات من التحرش في أماكن العمل.. ما هي الروشتة التي تستطيع تقديمها لها؟

عليها أن تفكر أن أهم شيء أن تحمي نفسها، وهي ليست معركتها، بل معركة المجتمع والدولة.

دورها الفردي أن تحمي نفسها وترتدي الملابس التي تحميها وتمشي في الشوارع الآمنة، وتضع سماعات على أذنها وتسمع موسيقي بدلًا من ذلك الكلام المتدني الذي يحوي تعنيف، وتحاول الانضمام لجماعات أثناء الذهاب أو الرجوع من العمل لتحميها، وتعرف أن نجاحها وتحققها الشخصي هي الوسيلة الحقيقة لحمايتها وليس خضوعها أو صمتها أو إذعانها للابتزاز أو انهزامها ولا هروبها داخل المنزل.

لا يوجد كود ثابت لملابس النساء في مصر وهي من تحدد هذا لحماية نفسها

نستشف من هذا أن هناك كود لملابس السيدات في الشوارع؟

على حسب نوع الشارع فالأمر يختلف ملابس القرية السياحية تختلف عن ملابس الزمالك أو المعادي، وملابس القرية أو الأحياء الشعبية تختلف عما سبق، وبالتالي لا يوجد كود ثابت لملابس النساء في مصر وهي من تحدد هذا لحماية نفسها.