يبدو أن لغة الأموال هي من تنتصر في شتى المجالات، حتى في كرة القدم، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الأموال في العالم، فلا تستغرب أو تندهش عندما يعلو صوتها فوق صوت الرياضة ورسائلها السامية بالشفافية والتنافس الشريف وكل تلك الشعارات التي ظلت فقط على اللافتات وللاستهلاك لا أكثر، فبعد محاولة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم فرض سيطرته على الأندية صاحبة النفوذ المالي الكبير “الخليجي” من تخريب الرياضة والتنافسية في أكبر دوريات القارة العجوز، عادت الغلبة لأصحاب الأموال ثانية.
جاء هذا بعد قرار محكمة التحكيم الرياضي الإثنين، بإسقاط العقوبة الموقعة على مانشستر سيتي المملوك للإماراتي منصور بن زايد، بالإيقاف لمدة عامين عن المشاركة بجميع البطولات الأوروبية، كما قلصت الغرامة المالية الموقعة عليه، والتي كانت تقدر بـ30 مليون يورو، إلى 10 ملايين فقط.
وذلك بعد أن حاول الاتحاد الأوروبي بقراره السابق في فبراير من العام الحالي، ضبط الأمور قليلًا بقانون أنشأه اللعب المالي النظيف، يعاقب من يخالفه بصرف ملايين “اليوروهات” لدعم فريقه وتدمير مبدأ التنافسية مع كل أقرانه من الأندية، ليحتكر الملاك العرب وتحديدًا من دول الخليج المشهد الكروي العالمي.
قرر الاتحاد الأوروبي معاقبة مانشستر سيتي بالحرمان من مسابقاته لعامين، وتغريمه 30 مليون يورو، بعد ثبوت قيامه بانتهاكات جسيمة فيما يخص قواعد اللعب المالي النظيف بتضخيمه لقيمة عقود الرعاية الخاصة به من أجل التربع على عرش الكرة بأوروبا، والغريب أن “السيتي” اعترف بتلك التهمة بشكل غير مباشر، ولكن اعتراضه كان على تسريب العقوبة، واتهامه للاتحاد الأوروبي بعدم النزاهة وتسريب الأحكام.
الأموال تنتصر على المبادئ
فالنادي الإنجليزي المملوك لشركة إماراتية برئاسة منصور بن زايد، وكذلك النادي الفرنسي باريس سان جيرمان والمملوك للقطري ناصر الخليفي ولمجموعاته التابعة بشكل أو بآخر للدولة القطرية، وجها صفعة قوية لذلك القانون الذي أتعب كبار وصغار الأندية في السنوات الماضية، ولم يترك أحدًا إلا وعانى منه.
وتم فرض عقوبات على شاكلة تقليص بعض اللاعبين من القائمة وغرامات مالية أو الحرمان من ضم لاعبين جدد في الانتقالات، فلم نرى عقوبة قوية تردع تلك الأندية صاحبة التمويل الخارجي الكبير، والتي لن توقف محاولتها المستمرة للتحايل واستغلال قوتها الاقتصادية للهيمنة على البطولات المحلية ببلادها الأوروبية وكذلك البطولات القارية بالقارة العجوز.
استثمارات تُخرب الكرة
ناديا مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان، تفننا في الإخلال بأهم مبادئ الرياضة وهو تكافؤ الفرص بين الجميع لتحقيق تنافسية شريفة على الألقاب في النهاية، وتحايلا دائمًا على قانون اللعب المالي النظيف لتحقيق أطماعهما فقط، فعندما يتخطى السيتي حاجز مليار يورو إنفاق على تعاقدات فقط للاعبين جدد آخر عامين ونصف فقط تحت قيادة وطلبات المدرب الإسباني بيب جوارديولا، فطبيعي أن يحتكر اللقب لأعوام في إنجلترا وكذلك الفوز بدوري الأبطال، ولكنه لم ينجح سوى في الفوز بالبريميرليج مرتين متتاليتين ولم يتخطى الدور ربع النهائي لدوري الأبطال رغم كل هذا الصرف الجنوني لضم أفضل لاعبي العالم لقائمة فريقه.
كذلك الحال لباريس سان جيرمان الذي حطم جميع المقاييس في سوق الانتقالات، بصفقات خيالية أفسدت السوق العالمي بشكل رئيسي وكبير بالسنوات الماضية، عندما ضرب ضربته بضم البرازيلي نيمار من برشلونة صيف 2017 بكسر عقده بقيمة الشرط الجزائي 222 مليون يورو ليصبح أغلى لاعب في العالم، وكذلك ضم الفرنسي كيليان مبابي بقيمة تصل إلى 180 مليون يورو من موناكو، ما أدى لارتفاع كبير في سوق اللاعبين أضر بالكل باستثناء الأندية التي تمتلك ميزانيات كبيرة، استطاعت الصمود أمامهما مثل ريال مدريد وبرشلونة ومؤخرًا ليفربول.
فيما غرقت أندية أخرى عريقة ولها باع كبير في أوروبا وسط ذلك الجنون المالي والأسعار الخيالية للاعبين وخراب السوق بالكامل، مثل ميلان وإنتر ميلان وأرسنال وغيرها من الأندية التي لم تستطع تدعيم صفوفها بالشكل المناسب نظرًا لخراب السوق على هذا النحو، ومن ثم تراجع مستواها وترتيبها وابتعدت كثيرًا عن الألقاب بعد أن كانت تتسيد المشهد في السنوات الماضية.
هذا الإغراق المالي الجنوني من تلك الأندية لسوق وصناعة كرة القدم أضر كثيرًا باللعبة الأشهر في العالم وبالصناعة كاملاً، وأدى لظهور أندية على الساحة لم يكن لها تاريخ سوى أنها تمتلك أموالاً فقط، واندثار أندية تاريخية عريقة لعدم قدرتها على مسايرة هؤلاء، ومازال الاستثمار الخليجي مستمرًا بل ينوي التوسع مع أخبار شراء العائلة المالكة بالسعودية لنادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي وتكرار تجربة منصور بن زايد مع السيتي ثانية في بلاد الضباب.
الاتحاد الأوروبي يفقد السيطرة
توقعت صحيفة ماركا الإسبانية ذائعة الصيت، أن تؤيد المحكمة الرياضية العقوبة على السيتي لضعف موقفه، وذلك قبل يوم واحد من القرار الذي فاجأ الجميع، وقالت إن مانشستر سيتي انتصر في معركته بالأموال على قوانين الاتحاد الأوروبي، حيث رفض من قبل حرمانه بقرار اليويفا محاولة التواصل معه والحصول على صفقة لخفض العقوبة كما فعل باريس سان جيرمان في 2018، لثقته في الانتصار بالنهاية وقد كان ما أراد بالفعل.
وجاء قرار المحكمة برفع العقوبة عن السيتي ليفقد اليويفا السيطرة تمامًا على تلك الأندية والاستثمارات الضخمة في الكرة الأوروبية، ويكون بمثابة ضربة قاتلة له ولقوانينه في مواجهة نفوذ تلك الأموال الرهيبة لملاكها، واقتصر نجاحه فقط على الأندية المتوسطة مثل ميلان ومؤخرًا تشيلسي، ولم يقدر على فرض سيطرته وسلطته على هؤلاء العمالقة وخسر أغلب معاركه معهم بشكل علني.