رصد معهد “الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية”، في تقرير حديث له، تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد علي مناطق الصراع في منطقة الشرق الأوسط، كليبيا واليمن والسودان، كاشفًا أن نسبة العنف في هذه البلدان زادت منذ الجائحة، فضلاً عن تدهور الأوضاع المعيشية والاجتماعية هناك.

وتحت عنوان “من سيء إلى أسوأ.. تأثير كوفيد 19 علي ديناميكات الصراع”، أشار المعهد، في تقريره، إلى أنه في ديسمبر 2019، عندما تصدرت أزمة كورونا عناوين الصحف لأول مرة، كانت 12 دولة في العالم تعاني من عنف مُنظم على نطاق واسع، حيث تم تسجيل أكثر من 100 ألف حادثة عنف وهجمات ضد المدنيين في ذلك الشهر، لافتًا إلى أن الجائحة أضافت معاناة فوق معاناة مناطق الصراع.

ويخشي المراقبون، من أن عدم المساواة وزيادة العبء على الفئات الأكثر ضعفًا داخل المجتمعات المتأثرة بالنزاعات، والتداعيات الاقتصادية الناجمة عن الجائحة والتي تزيد من الضغط علي مؤسسات الحكومات في مناطق الصراع، الضعيفة بالفعل، تفاقم من الأوضاع في هذه المناطق ويدفعنا لكارثة أسوأ عن قبل .

الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية

اليمن والانتهازية السياسية

“ضعوا حدًا لمرض الحرب، وحاربوا المرض الذي يعصف بعالمنا، ويبدأ ذلك بوقف القتال في كل مكان الآن، فهذا ما تحتاج إليه أسرتنا البشرية، الآن أكثر من أي وقت مضى”، بهذه الكلمات دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 23 مارس الماضي لوقف إطلاق النار في مناطق الصراع والالتفاف لمحاربة فيروس كورونا وتداعياته.

جاءت اليمن ضمن مناطق الصراع التي سُلط الضوء عليها، ففي ظل معاناتها مع أزمة كورونا، التي وصفتها الأمم المتحدة بـ”أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، إذ يُمثل تزايد الحالات للفيروس تحديًا كبيرًا للبلد مزقته الصراعات منذ سنوات، حيث يعتمد 80% من السكان علي المساعدات الإنسانية، كما تم تسجيل 110 حالة كوليرا منذ يناير 2020، تزداد الصراعات والتنافسات بين الجماعات المسلحة والسلطات المحلية لتعزيز كل طرف أهدافه السياسية علي حساب الآخر.

ويبدو أن نداءات الأمين العام للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار قد لقيت صداها، وغير الوباء من سياسة الجهات المتنازعة، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية، التي تدعم الحكومة المعترف بها دوليًا ضد الحوثيين المدعومين من إيران، عن وقف إطلاق النار بسبب أزمة كورونا، وهو ما يرجعه المحللين إلى سعي السعودية لاتباع استراتيجية “انسحاب” من حرب رأتها مكلفة ماديًا وطويلة الأمد، ومع ذلك لم تترجم إعلانات وقف إطلاق النار إلى وقف العنف على الأرض، فقد اشتد القتال المسلح بعدما رفض الحوثيون إعلان وقف إطلاق النار .

الصراع في اليمن

وفي أبريل الماضي، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، المدعوم من الإمارات،  الحكم الذاتي وحالة الطوارئ في المناطق التي يسيطر عليها في جنوب البلاد، وهو ما يعتبر تحدٍ واضح للسعودية، وهو ما يرجح آراء المراقبين بأن حرص الأخيرة الواضح على الخروج من الصراع وسط الأزمة الصحية العالمية الراهنة، يقوي من موقف المساومة لدى الحوثيين، الذين تقدموا في ساحة المعركة في الأشهر الأخيرة، وهو ما ظهر في مطالبتهم برفع الحصار السعودي وشروط أخرى لتسوية سياسية.

بينما أكد التقرير، أن تطور أزمة كورونا قد يؤدي لنتائج إيجابية في الصراع الداخلي باليمن، من خلال زيادة الضغط علي الجهات المسلحة الرئيسية لوقف الأعمال العدائية ،خاصة إذا تفاقمت الأزمة بشكل كبير وأثرت بشكل مباشر على الجماعات المسلحة أو قوات الدعم، في المقابل هناك سيناريو آخر مطروح، ففي حالة لعبت الأدوار السياسية دورًا في تشجيع المليشيات المسلحة علي حساب الحكومة المعترف بها باليمن، قد يصعب هذا من وقف اطلاق النار نهائيًا علي مستوي البلد.

ليبيا وصراع بعيد المدي

ولا يختلف الوضع في ليبيا كثيرًا عن اليمن، حيث يمثل الصراع المشتد علي الأراضي الليبية بين القوة الخارجية المختلفة، والنظام الصحي الهش تهديدًا علي حياة المدنيين هناك، فوسط وقف محادثات الأمم المتحدة بشأن الصراع الليبي بسبب فيروس كورونا، اشتد القتال المسلح في ليبيا بين مارس وأبريل الماضيين، على الرغم من الدعوات المتكررة لوقف إطلاق النار، ويبدو أن كلا طرفي النزاع حاولوا استغلال اهتمام المجتمع الدولي بفيروس كورونا في تعزيز موقفهم في الصراع وكسب قاعدة أكبر.

من جانبه كثف الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، خلال تلك الفترة، قصفه علي  العاصمة طرابلس والمناطق المحيطة بها، مما أثار إدانة واسعة حيث أصابت الهجمات أحياء سكنية، تزامنًا مع ذلك تقدمت حكومة الوفاق الوطني، بقيادة فايز السراج، بمساعدة تركيا للسيطرة على مناطق جديدة وزيادة نفوذها، ما أدي الي تغير ديناميكيات السلطة والنفوذ في الملف الليبي.

ويشير التقرير، إلى أن وقف إطلاق النار في ليبيا وانتهاء الصراع يتطلب التزام الأطراف المحلية والخارجية ايضًا بذلك، ولكنها معادلة صعبة التحقيق ليست فقط بسبب تداعيات كورونا وتأثيرها علي المنطقة بشكل سلبي، ولكن الدعم الخارجي والمسلح التي تتلاقاه الأطراف المحلية المتنازعة في ليبيا “حفتر وحكومة الوفاق”، جعلهما أقل مرونة واستجابة للضغوط الدولية، وهو ما يرجح استكمال الجانبين للحرب الدائرة إذا استمروا في تلقي الموارد اللازمة من حلفائهم الدوليين.

ليبيا

من ناحية آخري، فإن إجراءات مكافحة كورونا تعوق مهام انقاذ أصحاب الهجرة الغير شرعية لدول أوروبا، وما يجعل منطقة البحر الأبيض المتوسط أكثر خطورة ومع توقعات باستمرار تدهور الوضع في ليبيا علي المدي البعيد، تبرز مخاوف من استغلال العناصر الاجرامية محنة المهاجرين وتكثيف أنشطة الاتجار بهم علي السطح مرة آخري.

ويتوقع البنك الدولي أن من 40 لـ 60 مليون شخص سيعيشون في فقر مدقع في آخر عام 2020 ، واذا ربطنا بين زيادة معدلات الفقر والحروب الدائرة، فالنتيجة ستكون أن العديد من هؤلاء الملايين سيكونون في المناطق الصراع .

السودان وخطر إعادة التسليح

وبنظرة عامة علي السودان، فهناك مخاوف دولية من تحول المسار الديمقراطي الذي صاحب الاحتجاجات العنيفة في البلاد والتي أدت إلى عزل عمر البشير، بعد 30 عامًا من الحكم الاستبدادي، إلى صراع عسكري مسلح، كما هو الحال في اليمن وليبيا، حيث تصف الحكومة الانتقالية السودان بأنها “كيان غير متماسك” وتعرض للاضطراب في أي وقت، فمع وجود مشاكل اقتصادية حادة ونظام رعاية صحية ضعيف للغاية، قد يجعل فيروس كورونا الوضع الداخلي عرضة للاضطرابات والصراعات الداخلية أكثر من أي وقت مضى.

ونوه التقرير، إلى أن تطبيق الحكومة الانتقالية للإجراءات الاحترازية لمكافحة كورونا، والتي منها اعتقال المخالفين يخلق بعض المخاوف من استغلال القادة العسكرين الوباء للتشديد قبضتهم علي السلطة وتضيق الخناق علي المواطنين، ومع ذلك فقد تمكنت الحكومة حتى الآن من دفع ومتابعة أجندتها الانتقالية وسط الأزمة الصحية الراهنة، مع استمرار محادثات السلام بشأن مناطق النزاع، مثل دارفور وجنوب كردفان، حيث أبدت كل من السلطات الانتقالية والحركات المسلحة التزاماً بوقف الأعمال العنف.

ويعُتقد أن تنمو الضغوط السياسية، في الفترة المقبلة، على الحكومة الانتقالية بالسودان، وخاصة رئيس الوزراء، عبدالله حمدوك، مع تزايد التداعيات الاقتصادية السلبية الناجمة عن الجائحة،كما يمكن أن يؤدي الحد من الحصول على الغذاء والسلع الأساسية الأخرى بالإضافة إلى زيادة انعدام الأمن إلى تقليص الدعم الدولي للحكومة الانتقالية، وظهور موجة جديدة من الاحتجاجات .

السودان

واختتم المعهد، تقريره، بأن أزمة كورونا وتداعياتها تختلف عن أي أزمات أو كوارث أخرى كتسونامي أو غيرها، فهي تؤثر علي جميع البلدان والقطاعات المختلفة وتجعل من الصعب بناء أرضية مشتركة بين أطراف الصراع، منوهًا إلى أن عملية السلام تتطلب تركيز كامل ومصادر مالية، وكلاهما يعاني من نقص حاد في الوقت الحالي، وهو ما يجعل الصور أكثر ضبابية بشأن مناطق الصراع.