تسترح قليلًا على أريكتها تُفكر.. بعدما أخبرها الأطباء أن حلم الأمومة الذي يراودها منذ أن كانت طفلة تلعب بعروستها صعب المنال، لكنها لازالت تحلم ولم تتخلى عن حلمها، لم ينتهي اشتياقها وحبها للطفل المنتظر رغم علمها بأن الأمر ليس سهلًا.
حياتها الزوجية مهددة بالانهيار، لم تستطع أن تتصدى لتلك الأسئلة التي تجرحها وتؤلمها عن الأسباب الخفية لتأخر إنجابها، ورغم مكانتها العلمية والعملية لكنها تشعر أن شيئًا ما ينقصها، لكنها تسأل نفسها من حين لأخر هل الأمر يستحق كل هذا العذاب!
حلم الإنجاب
منى عبد العليم، 35 عامًا تزوجت منذ 6 سنوات، لم تنجب، كلفتها رحلة الأطباء من أجل حلم الأمومة الكثير من المال، لكنها لم تفقد الأمل ولازالت تحاول، أخبرها طبيبها المعالج أن هناك إمكانية بأن تصبح أم، فهنالك بعض الحلول الطبيبة مثل “الحقن المجهري وأطفال الأنابيب“.
تعتمد عملية الحقن المجهري على التلقيح خارج الرحم لصعوبة حدوثه داخل الرحم، حيث يتم استخراج الحيوانات المنوية والبويضة وعمل التلقيح لزيادة فرص الحمل لنسبة تصل إلى أكثر من 60%.
تصل أسعار عمليات التلقيح إلى 30 ألف جنيها، لكنها من الممكن أن تفشل، فكثير ما يلجأ البعض لإجراء أكثر من عملية حتى تأتي بثمارها.
أخبرها الطبيب أن نسبة نجاح تجربة الحقن المجهري كبيرة نظرًا لعمرها، مؤكدًا أن نسبة النجاح تتراوح ما بين 32% إلى 35%، لدى النساء اللاتي تتراوح أعمارهن من 25 حتى 30، بينما نسبة النساء بين العمر 35 إلى 37 عامًا تترواح نسبة نجاح الحقن المجهري بين 27% وحتى 29%.
تروي “منى” قصتها قائلة: “بعد عدة جلسات من العلاج، عرض علي الطبيب أن أجرى عملية الحقن المجهري، لكن اكتشفت أن التكلفة المالية مرتفعة جدا، وأنا استنزفت ماليا بالفعل على مدار 5 سنوات في رحلة بحثي عن علاج لحالتي”.
كان الحرمان من غريزة الأمومة الربانية شديد القسوة عليها، فهي تشعر أنها حرمت من أهم خصائصها كامرأة، خاصة في مجتمع شرقي يبخس من حقوق المرأة العاقر، وينظر لها بأنها تفتقر لأهم شيء يجعلها امرأة كاملة في عيون المجتمع، ففي الوقت الذي ترفض فيه المرأة الطلاق من الرجل العقيم يسرع هو للانفصال عنها إذا اكتشف أنها لم تستطيع أن تحقق حلمه بإثبات وجوده بالمجتمع وتسلسل نسبة.
في الوقت الذي كانت فيه تدور كل هذه الأفكار في ذهنها، جلس زوجها في الغرفة المجاورة شارد الذهن يفكر في نفس الأمر، تتوارد أفكار في عقله أنه يعيش بمجتمع شرقي يقدس الحياة الأسرية النمطية، تنفصل فيه علاقات كانت ناجحة لمجرد تعثر المرأة في الإنجاب.
تخشى “منى” أن يتزوج عليها زوجها بسبب تعثرها في الإنجاب، فهي تشعر بالآلام النفسي مع حديث أسرة زوجها بكثرة عن الإنجاب وأهميته، فهم حتى الآن لا يعلمون أن عندها أزمة صحية تمنعها منا الإنجاب، فكل ما يعلمونه أنهم أجلوا حلم الإنجاب حتى تيسر أمورهم المالية.
حلم الأمومة والعلاج على نفقة الدولة
لجأت “منى” للسؤال عن إمكانية العلاج على نفقة الدولة، ففوجئت أن أمراض العقم لا تخضع للشروط الواجب توافرها.
فشروط العلاج على نفقة الدولة أن يكون المريض يعاني من أحد الأمراض المزمنة مثل أمراض العظام والسكر والقلب والأورام.
لكن هناك بعض الدول اتجهت نحو إخضاع علاج المرأة من العقم وتحقيق حلم الأمومة بتكليفات أقل نسبيًا، ففي عام 2004 وقّعت دولة البحرين اتفاقًا بموجبه يتم علاج حالات العقم داخل الدولة، هذا الاتفاق سيساهم في خفض تكاليف العلاج بنسبة 60% بدلًا من العلاج بالخارج، حيث سيقوم المستشفى بتوفير العلاج عن طريق تقنية أطفال الأنابيب.
أما في عام 2008 قام “فيرست ناشيونال بنك” اللبناني، بتقديم قروضه لتشمل علاج أمراض الخصوبة، وفي عام 2013 وافقت هيئة الصحة في دبي على إطلاق عقار جديد لعلاج العقم، يساعد على تحسين الخدمات العلاجية للمرضى المترددين على عيادات الإنجاب.
تجميد البويضات حفاظًا على لقب الأمومة
تلجأ بعض الفتيات مع تقدم العمر إلى تجميد البويضات خوفا من ضياع فرصتها في الإنجاب، في ديسمبر/ كانون أول من العام الماضي 2019، أعلنت أول فتاة مصرية، ريم مهنا، إقدامها على إجراء عملية لتجميد البويضات للمحافظة على فرصها في الإنجاب.
وأثار إعلان الفتاة، عاصفة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي غير أن دار الإفتاء المصرية أجازت الأمر بشروط شرعية منها من سيلقح البويضة هو رجل تتزوج منه بعقد شرعي، والتأكد من طريقة الحفظ حتى لا تخطط الأنساب.
“ريم” ألهمت فتيات أخريات للحفاظ على فرصهن في الإنجاب مع تأخر سن الزواج في مصر.
تنميط مجتمعي
يضع المجتمع المصري، المرأة منذ نعومة أظافرها في قالب الأمومة، رغم كل النجاحات التي من الممكن أن تحققها على المستوى العلمي والعملي، لكنها تظل في عين المجتمع فاشلة، طالما أنها لم تستطع أن الإنجاب.
المجتمع يتعامل مع كل امرأة على أنها أم في الأساس وهذا نابع من اقتصار النظرة المجتمعية للمرأة وإعلاء دور الإنجاب عن الأدوار الأخرى كالتعليم والعمل وتحقيق الذات، بحسب الناشطة النسوية منى عزت، وتضيف “أن السلطة الأبوية المجتمعية وضعت المرأة في قالب واحد وجعله دورها الأساسي رغم كل النجاحات التي تحققها، لكن الدور الأهم لدى المجتمع هو أن تصبح زوجة وأم، والأمر يبدأ من الأسرة، فالأب والأم أكثر ما يشغل بالهم هو تزويج فتياتهم حتى يشعروا أنهم أتموا رسالتهم، الزوج لا يرضى عن زوجته إلا إذا استطاعت أن تنجب له الأطفال”.
وتتابع: “وبالتالي السلطة الأبوية تنتقل بالتبعية من بيت الأسرة لبيت الزوج الذي من الممكن أن ينفصل عن زوجته أو يتزوج عليها لمجرد فقط أنها لا تنجب، حتى لو كانت الأمور بينهم مستقرة فحلم الأمومة وتنميط الرجل لدور المرأة ووضعها في قالب الأمومة من الممكن جدًا أن يساهم بأن العلاقة تنتهي بالطلاق، رغم أن هناك حلول أخرى مثل التبني أو كفالة الأطفال، لكن الكثير من الرجال لا يؤمنون سوى بتسلسل النسل، الأمر الذي أشيع في المجتمع وتغذيه الأسر في أفكار أبنائهم منذ الصغر“.
وتشير “منى” إلى أن المجتمع نفسه يتعامل مع كل امرأة على أنها أم ويرفض أن يراها غير ذلك، فهو لا يهتم بعلمها وتدرجها الوظيفي قدر اهتمامه بدورها الإنجابي.