عاد مئات الآلاف من العاملين المصريين بالخارج، بعد إنهاء عقودهم، أو حصولهم على إجازات مفتوحة بدون راتب، نتيجة لتداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد في البلدان التي يعملون بها، وخاصة المملكة العربية السعودية التي   يتركز فيها العدد الأكبر من العمالة المصرية.

عادوا بعد أسابيع أو أشهر، محاصرين في حجرات سكنهم، بسبب الحظر، بعدما خسروا وظائفهم، أيام وليالٍ صعبة، أنفقوا خلالها كل ما كانوا يدخرونه، ومنهم من اضطروا للاستدانة لسد نفقات غذائهم وإيجار مساكنهم، وتذاكر العودة.

تضيف عودة العاملين بالخارج بعد خسارة وظائفهم، عبئًا جديدًا، على الاقتصاد المصري، فمن ناحية سيخسر الاقتصاد عوائد تحويلاتهم من النقد الأجنبي، ومن ناحية أخرى، سوف ينضمون إلى طابور البطالة، في ظل توقعات دولية بزيادة نسب العاطلين عن العمل، نتيجة لخسارة الملايين حول العالم لوظائفهم.

العمالة بالخارج والعوائد النقدية

ذكر آخر إحصاء أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والصادر عام 2018، أن عدد المصريين بالخارج، 9.5 مليون، منهم 6.4 مليون مواطن يعملون بالدول العربية بنسبة تتخطى الـ 60%، و3.1 مليون مواطن موزعون على الدول الأوروبية، والدول الإفريقية والأسيوية غير العربية.

ويتركز العدد الأكبر من العمالة المصرية في السعودية، حيث يعمل بها 2.9 مليون شخص بنسبة، 46.9% تليها الأردن بعدد 1.15 مليون شخص، والإمارات بعدد 765 ألف، ثم الكويت بما يقارب نصف مليون شخص.

بلغت تحويلات المصريين بالخارج من النقد الأجنبي، خلال 2019 نحو 26 مليار دولار، بحسب البنك الدولي، جاء معظمها من العاملين بدول الخليج، وتوقع البنك الدولي تراجع تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 21.5% خلال العام الجاري مقارنة بـ 2019، متأثرة بأزمة كورونا وتداعياتها، خاصة انخفاض سعر النفط في البلدان التي يعملون بها، كما ستتراجع بشكل عام تحويلات العمالة المهاجرة لبلدانها حول العلم، بنسبة أكبر أربع مرات من التراجع الذي حدث إبان الأزمة الاقتصادية العالمية في 2009.

عدد العائدين

رئيس شعبة إلحاق العمالة بغرفة القاهرة التجارية، حمدي إمام، في تصريحات متلفزة، إن عدد العائدين من الخارج، نتيجة أزمة كورونا يتخطى المليون عامل، والرقم مرشح للزيادة، مخاطبًا العمالة بالخارج بالبقاء في أعمالها حتى في ظل تخفيض الأجور، أو البحث هناك عن فرص عمل أفضل، متوقعًا أن تستمر أزمة العمالة في الخارج لسنوات مقبلة، خاصة في أسواق العمل الكلاسيكية بالنسبة لمصر، كدول الخليج.

وذكرت وزارة الهجرة وشؤون العاملين بالخارج، أن المؤشرات الأولية لتحليل بيانات العائدين أوضحت أنهم ينتمون لـ 23 محافظة من محافظات مصر، النسبة الأكبر منها بمحافظات الصعيد وفي مقدمتها محافظة سوهاج، مضيفة أن الفئة العمرية الأعلى نسبة بين العمالة المصرية العائدة من الخارج كانت الفئة من 19 لـ 40 عامًا.

أيام الحظر ورحلة العودة

يروي محمود روبي، العائد من السعودية بعد حصوله على إجازة بدون راتب، عن تجربته خلال الثلاثة أشهر الماضية بالسعودية، فيقول: “في بداية الأزمة أول مارس الماضي حذرت الحكومة السعودية الشركات من فصل العمال، فكانت الشركات تتحايل على العمال لأخذ إجازات من رصيد الإجازات، لكن في شهر أبريل ومع اكتشاف الحكومة السعودية أن الوضع سيستمر طويلًا، أضافت مادة لقانون العمل، تعطي صاحب العمل الحق في خصم 40% من الراتب أو فسخ العقد بالتراضي بينه وبين العامل أو منح العامل إجازة بدون راتب،  ومن وقتها اختلف التعامل مع العمال وتم تسريح الآلاف.

ويضيف “روبي”، والذي يعمل فنى بمركز للتجميل بمدينة جدة:، أن العاملون بالسعودية فئتان، فئة بعقود العمل المباشرة مع الشركات، والفئة الثانية التي تعمل بتأشيرات حرة، بضمان الكفيل مقابل مبلغ سنوي يتقاضاه منهم، وهم أصحاب الحرف، وهذه الفئة هي التي عانت أكثر من الأولى، يقفون في عدة شوارع منها شارع حراء،  بالمئات يوميًا،  فيأتي من لديهم أعمال سواء في منازلهم أو محالهم لأخذ ما يحتاجون إليه من عمال، فمن ناحية الحظر منعهم من النزول والعمل، ومن ناحية أخرى، كان يسكنون في أماكن شعبية بمبالغ قليلة أزالتها الحكومة السعودية بدعوى أنها عرضة لانتشار الفيروس فاضطروا للسكن في أماكن مرتفعة الأسعار ما زاد من معاناتهم.

شركات كثيرة أغلقت نشاطها، إضافة للفنادق، والمحال التجارية التي تأثرت حركة البيع فيها، وهناك الآلاف من العمال أُنهيت عقودهم، وجزء أخذ إجازات بدون راتب على أمل العودة مع تحسن الأوضاع، بحسب “روبي، وأضاف قطاع المواد الغذائية لم يتأثر بالأزمة، مشيرًا أنه لم يقبض راتبه خلال ثلاثة أشهر منذ مارس وحتى عودته منذ أسبوعين، وأنفق أغلب ما كان يدخره، متشككًا في قدرته على الحصول على عمل في مصر، في ظل هذه الظروف.

أما سعيد حسين، الذي كان يعمل في مول تجاري بالكويت، فقد عاد إلى محل إقامته بمحافظة المنيا، بعد أكثر من ثلاثة أشهر بدون عمل، بعدما قامت السلطات المصرية كما يقول بمهمة عودتهم، مضيفًا “رجعت يا موالاي كما خلقتني”، مستكملًا: “في الأصل كان هناك مشكلات مع السلطات الكويتية، وقبل أزمة كورونا دفعت مبلغًا كبيرًا لتسوية أوضاعي، ثم جاءت الأزمة فتم تسريحي من عملي واضطرت للمكوث ثلاثة أشهر أُنفق من مبلغ كان متبقي معي حتى نفذ، فذهبت لأحد مراكز الإيواء حتى عدت إلى مصر”.

ويضيف: نزلت منذ أيام للبحث عن عمل، بائع أو كاشير، أو أي شيء لكنني لم أجد، ولا أعرف سأنفق على بيتي من أين، فالمبلغ الذي أرسلته منذ فترة، بنت به زوجتي غرفتين مجاورتين للغرفة والصالة التي نسكن فيهما في منزل والدي، فلدي 4 أولاد وبنات في مراحل عمرية مختلفة، ولم تعد الغرفة والصالة تسعهم.

ويؤكد أنه لا يتوقع أن الحكومة ستقوم بتشغيل العائدين أو منحهم قروض، لكنه قام بملء استمارة بتفاصيل عمله وراتبه كما طلبوا منه عند عودته.

إجراءات حكومات الخليج

مع بداية شهر أبريل أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية، عن إضافة مادة جديدة لقانون العمل وهي المادة رقم 41، وتقضي بحق صاحب العمل بتخفيض الرواتب بنسبة تصل لـ 40% مع إلزامه بتخفيض ساعات العمل، إضافة إلى حقه في فسخ عقد العمل بالتراضي مع العامل، أو منحه إجازة بدون راتب، كما أعطته الحق في إنهاء عقد العمال في حال استفذ الإجراءات السابقة وثبت تأثر نشاطه دون الاستفادة من أي دعم حكومي.

أدت إضافة المادة 41 لقانون العمل إطلاق يد أصحاب الأعمال في تسريح آلاف العمال الوافدين، أو منحهم إجازات طويلة بدون راتب، ما دفعهم للعودة لبلادهم، وشهدت المادة الجديدة اعتراضات كبيرة من حقوقيين سعوديين.

ومما كان مثار انتقاد واسع، إطلاق الحكومة السعودية لبوابة “أجير” الإليكترونية لاستخدام العمالة الوافدة الفائضة مؤقتًا كبديل للاستقدام الخارجي لتمكن البوابة أصحاب العمل من إلحاق عمالتهم الوافدة الفائضة، في أعمال لم يكن متفق عليها في العقود المبرمة بينهم وبين العمال.

فيما تعرضت العمالة غير المنتظمة في الكويت لعمليات تسريح واسعة منذ بداية 2020 ارتفعت معدلاتها مع ازدياد أزمة كورونا وتداعياته، وتوقع رئيس شعبة إلحاق العمالة بغرفة القاهرة التجارية أن يصل عدد العمالة غير المنتظمة العائدة من الكويت إلى 80 ألف عامل، داعيًا الحكومة المصرية وشركات العمالة لفتح أسواق عمل جديدة في بعض دول أسيا مثل اليابان، وعدم الاعتماد الكلي على أسواق العمل الكلاسيكية مثل دول الخليج.

محاولات الإحصاء والدمج

طرحت وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، استمارة “نورت بلدك” على الموقع الرسمي للوزارة، وقالت إن الاستمارة تهدف إلى إحصاء العمالة العائدة ومعرفة نوعية أعمالهم وحرفهم للتمكن من دمجهم في سوق العمل المصري من خلال المشروعات القومية بالتعاون مع وزارات التخطيط والصناعة والقوى العاملة، إضافة لدعمهم من جهاز تنمية المشروعات ومنحهم قروضًا صغيرة ومتوسطة، لإنشاء مشروعات تجارية وإنتاجية، وهو ما تم مناقشته في إحدى اجتماعات مجلس الوزراء الشهر الماضي.

قدرة السوق المصرية على الاستيعاب

يبدو أن حديث الحكومة المصرية عن عملية دمج العمالة العائدة، في سوق العمل، قبل أن تقوم حتى بإحصاء دقيق لها، كان من قبيل طمأنة المواطنين، والذين خسروا وظائفهم.

مصر تواجه أزمة كورونا بسوق عمل يعاني من اختلالات هيكلية كثيرة أدت إلى تفاقم نفس المشكلات “تعليم لا يخدم احتياجات السوق، هيكل أجور مختل، بطالة بين الشباب، غياب فرص العمل في محافظات بعينها”، فضلُا عن ضعف الإطار المؤسسي، بحسب دراسة أجراها المركز المصري للدراسات الاقتصادية.

أضافت الدراسة، أن هناك قطاعات بعينها واجهت هبوطًا حادًا في التشغيل، وتحديدًا قطاع السياحة، إضافة للتأثير الحاد للأزمة على العمالة غير المنتظمة، كما أن القطاع التصديري من القطاعات التي لحقها ضررًا كبير وانخفضت نسبة العاملين به بشكل ملحوظ.

وترى الدراسة أن استمرار تحيز الدولة لقطاع التشييد والبناء ومتطلباته من أنماط العمل، والتي تترجم مباشرة في طبيعة العرض والطلب في سوق العمل، خلق حالة من عدم التوازن في سوق العمل، متوقعة زيادة نسبة البطالة في أغلب القطاعات الأخرى.

وتعتقد الدراسة أنه من غير المتوقع عودة المنشآت الصغيرة التي تعرضت للإفلاس في كافة المجالات إلى العمل، مما سيؤدي إلى ازدياد صفوف الباحثين عن عمل جديد بين من كانوا يعملون فيها.

الدراسة اتفقت مع توقعات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بزيادة نسب البطالة نتيجة لتداعيات أزمة كورونا، فضلًا عن التوقعات الدولية التي تصب في نفس الاتجاه، تجعل من وعود الحكومة، باستيعاب العمالة العائدة في سوق العمل، أو مساعدة العائدين في إقامة مشروعات خاصة في ظل إغلاق الأنشطة الإنتاجية والتجارية الصغيرة والمتناهية الصغر جراء الأزمة، مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي.