تسعى الصين إلى استغلال توتر العلاقات بين أمريكا وإيران لتوسيع نفوذها في المنطقة، ونجحت في توقيع اتفاق مع الأخيرة يمنحها امتيازًا عسكريًا واقتصاديًا، في حين توعدت واشنطن بفرض عقوبات صارمة على كل الشركات الصينية، التي تدعم النظام الإيراني “الداعم للإرهاب”.
اتفاقية الشراكة بين إيران والصين توسع التواجد الصيني في إيران عبر المؤسسات المالية وقطاع المواصلات والاتصالات، كما تؤمن إمدادات الصين من النفط، وعسكريًا تمنح بكين موطئ قدم في المنطقة.
العلاقات الصينية – الإيرانية
في العام الماضي، انخرطت واشنطن وطهران في موجة تصعيدية، أدت إلى مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، بغارة أمريكية بالقرب من مطار بغداد، أعقبها هجمات صاروخية إيرانية انتقامية على قاعدتين للتحالف في العراق، قبل أن تتلاشى فرص نشوب حرب كانت على وشك الاندلاع.
وفي الوقت الذي تستمر فيه الصراعات الأمريكية – الإيرانية عالية المخاطر، عملت الصين على استغلال الفرصة، وبدأت علاقاتها مع نظام الملالي تنضج، مع الضغط الأمريكي على أوروبا واليابان وروسيا لخفض تجارتها مع طهران.
وتبنت إيران استراتيجية اقتصادية جديدة، وأصبحت الصين المستفيد الرئيسي منها، وظهرت كأهم شريك اقتصادي للجمهورية الإسلامية، وفقًا لتقرير شبكة راديو فردا الإيرانية.
استفادت الشركات الصينية من السوق الإيرانية التي تعاني من نقص الخدمات ولعبت أدوارًا رئيسية في توسيع طاقة التكرير الإيرانية، وضخ رأس المال في الصناعات الاستخراجية، وتطوير البنية التحتية للنقل.
كما عملت إيران أيضًا كنقطة ضغط ضد الولايات المتحدة – المنافس الجيوسياسي والعسكري الرئيسي لها وللصين.
اتفاقية استعمارية
خصص السياسيون الإيرانيون ووسائل الإعلام الفارسية المملوكة للدولة، تغطية كبيرة لصفقة تستمر إلى 25 عامًا بين إيران والصين، لاتفاق اتهم بأن بعض بنوده سرية.
ووصف الرئيس حسن روحاني الاتفاق بأنه انتصار لطهران، في حين أصر وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، على التأكيد بعدم وجود أي شيء سري بشأنه.
ومن جهته، ألمح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إلى سرية الصفقة، قائلاً: “لا يجوز الدخول في اتفاق سري مع أطراف أجنبية دون مراعاة إرادة الأمة الإيرانية”.
ويبدو أن الاتفاق عبارة عن اتفاقية استعمارية يمنح فيها النظام الإيراني، دولة أجنبية حقوقًا كبيرة على موارد إيران.
الصين سوف تستثمر ما يقرب من 400 مليار دولار في صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية في السنوات الخمس الأولى من الاتفاقية، وفي المقابل، ستعطي الصين الأولوية لتقديم عطاءات لأي مشروع جديد في إيران مرتبط بهذه القطاعات، وستحصل الصين أيضًا على خصم بنسبة 12 في المائة، ويمكنها تأخير المدفوعات لمدة تصل إلى عامين، وبالإضافة إلى ذلك، ستتمكن الصين بشكل أساسي من الدفع بأي عملة تريدها.
وسيكون للصين 5000 فرد من قوات الأمن الموجودة على الأرض في إيران، وهو امتياز غير مسبوق في تاريخ إيران.
أعلن المرشد الإيراني عن موافقته على بنود تشمل التعاون العسكري جوًا وبحرًا.
وبحسب المعلومات المتاحة، فمن المقرر عقد اجتماع في الأسبوع الثاني من أغسطس المقبل بين مسؤولي الحكومة والجيش والمخابرات الإيرانية ونظرائهم الصينيين والروس.
عاصفة غضب
وأثارت الاتفاقية عاصفة من الرفض داخل مجلس النواب الإيراني، بالإضافة إلى حملات الاعتراض من الشعب.
وهاجم ولي عهد الشاه الإيراني السابق رضا بهلوي، النظام الإيراني، ملمحًا بأنه يحاول الهروب من السقوط، وطالب عبر حسابه الشخصي على “توتير”: بـ”إسقاط النظام الإيراني الحالي”، لافتًا إلى أنه تم نهب كنوز إيران.
إيران في أضعف أوقاتها
الباحثة في الشأن الإيراني، سمية عسلة، وصفت الاتفاقية بـ “الانتهاك الواضح من قبل الصين لمنطقة الشرق الأوسط عن طريق إيران.”
وأوضحت أن أخطر ما في الاتفاقية أن الصين تتخذ إيران كعامل استخباراتي لتوسع نفوذها في الشرق الأوسط، حيث تتحد الصين مع إيران لتكوين حليف لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية ونفوذها في المنطقة، لافتة إلى أن الصين لا يوجد لديها حليف في الشرق الأوسط على المستوى السياسي.
وأضافت “عسلة” إن الاتفاقية تشمل استثمارات تجارية واقتصادية كبيرة بلا حدود للصين في إيران، لافتة إلى أن الاتفاق يُظهر انتعاش الاقتصاد الإيراني “المتدهور” بسبب العقوبات الأمريكية، فضلاً عن تفشي فيروس كورونا المستجد.
وأكدت أن الاتفاقية من شأنها وقف الإنتاج في إيران، كما أنها ستجلب مزيدًا من التدهور في الجانب الاقتصادي للبلاد.
وتسعى الصين الي زيادة نفوذها السياسي في المنطقة، فضلاً عن الحصول على بترول ونفط بسعر رخيص من إيران، وذلك عن طريق اختيارها للوقت المناسب لإبرام الصفقة، وإيران في أضعف أوقاتها .
الضغط الأمريكي
بدورها، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، أن إيران والصين تتجهان لشراكة واسعة النطاق، مشيرة إلى أن الاتفاق يهدف إلى إظهار أن البلدين لديهما بدائل للغرب.
وقالت الصحيفة إن إيران والصين تسعيان إلى تعزيز شراكة واسعة النطاق من شأنها أن تخفف الضغط الاقتصادي الأمريكي وتخفف من عزلة طهران العالمية.
فيما سلطت صحيفة “آراب نيوز” البريطانية الضوء على الصفقة، مشيرة إلى أن الاتفاقية تتطلب موافقة البرلمان الإيراني، كما أنها ستمهد الطريق أمام الاستثمارات الصينية في مناطق التجارة الحرة الإيرانية، والمشاريع المشتركة في دول أخرى مثل سوريا والعراق، وتوسيع التعاون في الدفاع ومكافحة الإرهاب.
ومن جهته، تساءل الصحفي الإيراني شيرزاد عبد الله: “هل ستصبح إيران مستعمرة صينية؟” مشيرًا إلى أن “النظام الإيراني أصبح يائسًا اقتصاديًا لدرجة أنه ينتهك قيمه الثورية”.