تحت عنوان “تأثير جائحة كورونا على واقع ومستقبل القطاع الصناعي في مصر”، أصدر معهد التخطيط القومي سلسلة من الأوراق حول تداعيات كورونا على القطاع الصناعي، حيث عدد بعض المقترحات التي من شأنها المساهمة في تعافي القطاع الصناعي بعد انتهاء الجائحة.

وضربت جائحة كورونا العناصر الأساسية في سلاسل التوريد العالمية التي تعتمد عليها عملية عولمة الإنتاج الصناعي، وهذه العناصر هي  وسائل النقل والشحن والموجيستيات، وحرية وسيولة تدفق التجارة، فبسبب الإغلاق والإجراءات الاحترازية تأثرت بقوة وسائل النقل بأنواعها، وتأخرت عمليات الشحن والتفريغ وما يرتبط بها من خدمات لوجيستية، وقد أثر كل ذلك بدوره على القطاع الصناعي، الذي أصبح يعتمد بقوة خال السنوات الأخيرة على سلاسل التوريد العالمية، ولذلك بات القطاع الصناعي في مصر وغيرها من دول العالم يبحر في مواجهة هذه الجائحة غير المسبوقة في رحلة بلا خريطة، وفي بيئة وظروف لم يألفها من قبل راسمو السياسات والمستثمرون في هذا القطاع .

آثار ممتدة

ويبدو أن الآثار السلبية للجائحة على القطاع الصناعي، ستمتد بدورها لمعظم إن لم يكن جميع القطاعات والأنشطة الاقتصادية، كما أن تأثر القطاعات الأخرى سينعكس بدوره على القطاع الصناعي، وذلك بسبب التشابكات بين الصناعة وغيرها من القطاعات والأنشطة، كالسياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج.

في ضوء ما سبق، تم ترشيح القطاع الصناعي بقوة لتعويض هذه الآثار من خلال سرعة التعافي وزيادة الصادرات الصناعية، خاصة أن هذا القطاع يمكن أن يتعافى سريعًا، كما أن مساحة التحرك المتاحة للحكومة للتعامل مع هذا القطاع وتحفيز النشاط فيه، أوسع مقارنة بالقطاعات الأخرى الأكثر ارتباطًا وتأثرًا بالعوامل الخارجية مثل السياحة وتحويلات المصريين بالخارج.

تراجع عام

النقلبدأ تضرر القطاع الصناعي في العالم بتعطل سلاسل الإمدادات المباشرة لمستلزمات الإنتاج، وذلك بعد عملية الإغلاق في الصين التي تُعتبر مصنع العالم، والتي تساهم بأكثر من 20 % من تجارة مستلزمات الإنتاج الصناعي وفق بيانات عام 2019 مقابل 4 % فقط عام 2002، وقد انتشرت عدوى التعطل والاختلال في سلاسل التوريد وبالتالي زادت صعوبة وتكلفة الحصول على مستلزمات الإنتاج الصناعي المستوردة في جميع دول العالم.

على الجانب الآخر حدث تراجعًا في الطلب بسبب حالة الترقب والتأخير في الشراء التي سيطرت على المستهلكين والمستثمرين في نفس الوقت، وقد شمل تراجع النشاط الصناعي جميع مناطق ودول العالم، وبلغ ذروته في شهر أبريل، ووصل إلى حد تجاوز مرحلة الكساد الكبير في عشرينيات القرن الماضي.

ولمعرفة تأثير جائحة كورونا على التجارة الخارجية للقطاع الصناعي، فإن البيانات تشير إلى سيطرة التراجع على صادرات وواردات الصناعات المصرية خلال الفترة بين يناير وأبريل 2020، مقارنة بالفترة المماثلة لها من العام السابق، باستثناء صادرات الصناعات الغذائية والتي زادت بنسبة 1% خلال نفس الفترة.

 

المصانع

مقترحات التعافي

وتشير الورقة، إلى أن تعافي القطاع الصناعي بعد جائحة كورونا، أو في حال استمرارها إلى 2021، يتطلب عدة إجراءات تنفذ على الأجل القصير والمدى الطويل، منها الاستمرار في تقديم حزمة الحوافز الحكومية لقطاع الصناعة طالما لم تزل أسباب تقديمها، وذلك مع وضع شروط استفادة المصانع من هذه الحوافز، خاصة شرط عدم تسريح العمال والاستمرار في دفع رواتبهم.

ذلك بجانب ضرورة التشدد في تفعيل قانون تفضيل المنتجات المحمية في العقود والمشتريات الحكومية، وتخصيص نسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في المشتريات والمناقصات الحكومية، وذلك لمساعدة القطاع الصناعي وخاصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة على مواجهة تداعيات هذه الجائحة، من خلال زيادة مبيعاتها وتوفير السيولة ومن ثم عدم تسريح العمال .

أيضًا التركيز على مساعدة الصناعات الصغيرة والمتوسطة على سرعة التعافي من تداعيات الجائحة خلال هذه الفترة، وذلك لما تتسم به هذه الصناعات من سرعة الاستجابة لمتطلبات السوق، ولارتباط هذه الصناعات بالمستلزمات الصناعية الواردة من الصين، والمتوقع أن تتحسن تدفقاتها لمصر خلال هذه الفترة، بعد أن بدأ القطاع الصناعي الصيني في التعافي التدريجي خلال شهري مايو ويونيو.

كذلك سرعة إعادة توجيه الطاقات الإنتاجية المعطلة للمصانع المصرية والطاقات الإنتاجية للمصانع التي غيرت نشاطها والمصانع المتخصصة في إنتاج المعدات والمستلزمات الطبية المطلوبة لمواجهة الجائحة، وذلك من أجل إنتاج وتكوين مخزون استراتيجي من هذه المنتجات، وزيادة الصادرات منها بعد اكتفاء السوق المحلي، وذلك سيحقق عدة أهداف أهمها مساعدة هذه المصانع على الاستمرار وعدم الخروج من السوق أو تسريح العمالة، وتلبية احتياجات السوق المحلية، وزيادة الصادرات الصناعية المصرية .

القطاع الصناعي بعد كورونا

أيضًا مع مراعاة الاتساق بين جميع القرارات الحكومية ذات التأثير الاقتصادي، بحيث تدفع جمعيًا في اتجاه تحفيز الاقتصاد وتنشيط القطاعات الاقتصادية المختلفة ومنها القطاع الصناعي.

مراجعة وقف تراخيص البناء

وفي هذا السياق يُقترح مراجعة قرار وزير التنمية المحلية الصادر في مايو 2020، والخاص بوقف تراخيص المباني 6 أشهر، لأنه سيؤثر على نشاط صناعات مواد البناء والصناعات المرتبطة بالقطاع العقاري، حيث إنه لا يتسق مع سياسات الدولة التحفيزية في مواجهة تداعيات كورونا .

وبجانب السياسات والإجراءات السابقة، من المهم أن يكون الهدف الاقتصادي الأسمى للحكومة في هذه المرحلة هو مراعاة عدم التأثير السلبي لزيادة النفقات العامة والإجراءات الطارئة التي تم اتخاذها لمواجهة تداعيات جائحة كورونا على ما تحقق من مؤشرات اقتصادية كلية إيجابية خلال المرحلة الأولى من الإصلاح الاقتصادي، وذلك من خلال الحفاظ على استقرار سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار بشكل نسبي، حتى لا يعاني الاقتصاد والقطاع الصناعي من ارتفاع أسعار الصرف وعودة السوق الموازية للعملة مرة أخرى .

الجدير بالذكر أن الدولار عاد للارتفاع أمام الجنيه خلال شهري مايو ويونيو 2020 بسبب تداعيات الجائحة على دخل مصر في العملات الأجنبية.