ظلت “إيناس” تتابع صفحات لشخصية معينة على موقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك”، فقد جذبها مواقفه المناصرة للمرأة وحقوقها، فهو يتحدث عن أهمية تمكين المرأة ورفع الظلم والقهر عنها أكثر مما تتحدث المجموعات المهتمة بشأن المرأة.

كانت الفتاة الثلاثينية، وهي تعمل صحفية، تتابع بشغف كل ما يذكره، تتمنى أن تعم تلك الأفكار على أغلب الرجال الذين صادفوها في حياتها، وتقول لنفسها حقا هناك رجال يشعرون بالمرأة وأزماتها، ما أجمل هذه الشخصيات وما أجمل مواقفها.

تدور الأيام وتجمع الصدفة بين “إيناس” وذلك الشخص الذي كثيرا ما أعجبت بمواقفه، لكن أثناء هذه الصدفة تتمتم صديقتها ببعض الكلمات غير المفهومة، لتسألها ماذا تقول وعن من؟، لتخبرها صديقتها أن هذا الشخص الذي تعجبي بمواقفه قاهر لزوجته ويعاملها أسوأ المعاملة.. لا تصدق “إيناس” أذنها وتنصرف لتسأل صديقة أخرى تعرف هذا الشخص جيدا، لتؤكد صديقتها الثانية ما قالته الأولى وتضيف لها أنه شخص حاول التحرش بصديقة أخرى من قبل.

تقول “إيناس” معبرة عن هذا الموقف:” لقد علمني هذا الموقف، وغيره من المواقف المشابهة ألا انخدع بالشخصيات التي تتحدث عن مواقفها دون أن اعرفهم معرفة شخصية، لإنني مع الوقت اكتشفت أن هناك الكثير يتجملون وينافقون من خلف الشاشات”.

شخصيات مختلفة

لم يتخلف رأي “إيناس” كثيرا عن رأي سارة نصر ، تلك الفتاة العشرينية التي تعمل مدرسة، وتقول:” قابلت شخصيات كثيرة، معرفتي الأولى بهم كانت على السوشيال ميديا، وبعد معرفتي بهم على الحقيقة اكتشفت أن شخصيتهم الحقيقة تتنافى مع آرائهم ومعتقاداتهم التي ينشرونها ويتباهون بها على صفحاتهم على السوشيال ميديا”.

وتضيف  قابلت بعض الأشخاص التي كثيرا ما أدعت التدين على صفحاتهم، لكن في الحقيقة هم يفعلون أشياء كثيرا تتنافى مع أمور الدين الذين يتباهون به،  وغيرهم ممن يدافعون عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان، وهم في الحقيقة متنمرين وعنصريين ومتحرشين أيضاً”.

تنهي “سارة ” حديثها قائلة:” تعلمت من هذه المواقف أن الناس لا نعرفهم جيدا عبر صفحاتهم أو تدويناتهم ولا حتى أثناء تواجدهم وسط مجموعات، وإنما التعامل الشخصي أو أثناء العمل هو الذي يبرز صفات وسمات الشخصية الحقيقية”.

يبدو أن المظاهر الخادعة لم تكن وليدة اللحظة، فخلال السنوات الماضية ظهرت العديد من الشخصيات التي استطاعت تكوين شبكة من الصداقات والعلاقات، واستطاعت بتدويناتها العاطفية تارة والدينية تارة أخرى أن تلفت الانتباه، وظلت تلك الشخصيات تتلاعب بمتابعيها لسنوات حتى أزيح الستار عن شخصياتهم الوهمية.

كانت أبرز تلك الشخصيات ” ميار العسال” الفتاة الإسلامية التي انكشف النقاب عن حقيقة أمرها في مارس 2016، واستطاعت خلال 5 سنوات أن تكسب تعاطف ومتابعة وصلت بالآلاف، وعرفت تلك الفتاة جيدا وسط الشباب الإسلامي تحديدا، نظرا لما تنشره من تدوينات دينية عبر صفحتها على الفيسبوك”.

صورة مصغرة من المجتمع

” لا أكذب لكني أتجمل” هكذا بدأ الدكتور سعيد صادق، استاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، حديثه عن الشخصيات التي تزيف صفاتها وسماتها عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلا :” إن السوشيال ميديا ماهو إلا صورة مصغرة من المجتمع الذي نعيش فيه، فالكذب والزيف أصبح منتشرا في المجتمع كله سوا في الإعلام والدعاية والإعلانات وغيرها، وبالتالي الإنسان بغير وعي يكتسب من تلك الصفات”.

ويضيف قائلا:” أعرف رجل يتحرش بالناس، ومعروف عنه بالنصب، ورغم عن ذلك تستضيفه بعض قنوات الإعلام على إنه يعمل في مجال حقوق الإنسان”، مشيرا إلى أن الإنسان يحمل في داخله أكثر من وجه يستخدم كلا منه وقت اللزوم، وهذا ما يظهر عبر صفحات التواصل الاجتماعي، فكثيرا ما يستخدمون تلك الوجوه لكسب التعاطف أو الصداقات، ومع التعامل المباشر نكتشف أن السوشيال ميديا تحمل الكثير من المظاهر الخادعة والمزيفة”.

وأضاف:” للكذب والزيف على السوشيال ميديا طرق عديدة، ليست فقط في التدوينات التي يكتب الشخص المزيف، ولكن أيضا في الصور الانتقائية التي يشتخدمها بعض الأشخاص لتبرز جانب واحد من جوانب حياتهم، فيظهرون يضحكون ومبسوطون وكأنهم لا يعانون ابدا، وهذا ما يسبب الأذى النفسي للغير الذي يسأل نفسه عند مشاهدة هذه الصور، لماذا أعاني وحدي وغيري مبسوط؟”.