من الواضح أن حال الكرة في مصر لا يختلف كثيرًا عن أجواء الحياة العامة للمحروسة، فعندما يحدث أمرًا جديدًا ويجد نجاحًا أو حتى شبه نجاح، يلتفت الباقية نحوه بشدة لتقليد الأمر طمعًا في نفس المكاسب، هذا حال الكرة المصري والدوري الممتاز تحديدًا بعد تجربة شراء نادي الأسيوطي سابقًا وتحوله لفريق بيراميدز لمالكه تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه السعودية، وضخ فيه ملايين الجنيهات لبناء فريق مدجج بنجوم الصف الأول لمزاحمة الأهلي والزمالك قطبي الكرة المصرية على الألقاب.
ونجح بيراميدز في الفوز على الأهلي لأربع مباريات متتالية بكل المسابقات في فترة زمنية قصيرة، وكذلك فاز على الزمالك، قبل أن يخسر من القطبين فيما بعد، واحتل المركز الثالث في أول مواسمه بشكله الجديد بالدوري الممتاز، ويتأهل لبطولة الكونفدرالية الإفريقية ويحقق نجاحًا كبيرًا باعتبار أنه أول مواسمه، قبل أن ينسحب آل الشيخ من المشهد ويبعه لرجل أعمال إماراتي، ويترك رغبة واسعة لأغلب الأندية الخاصة بالمسابقة لتكرار تجربة بيراميدز مع ناديهم.
فأندية وادي دجلة وسموحة ونادي مصر وأخيرًا مصر للمقاصة، ألمحوا لوجود اتصالات مع مستثمرين عرب لتكرار تجربة بيراميدز معهم، وقد وصل بعضهم لأبعد من ذلك، حيث التفكير جديًا في دراسة بعض العروض الحقيقية لبيع النادي وتحويله على غرار تجربة الأسيوطي، وقد أعلن المقاصة بالأيام الأخيرة ذلك بشكل علني.
ليبقى السؤال المهم بعد كل هذا، هل تجربة شراء الأندية المصرية في الدوري العام موضة أم أنه توجه اقتصادي للدولة، بجذب المستثمرين للبلاد كما تفعل في كل المجالات بالرياضة أيضًا، أم أنها مثل الفكرة الاعتيادية للشعب المصرية عامة بتكرار أي تجربة ناجحة من باب التفاؤل بتحقيق نفس المكاسب؟، عوامل كثيرة تحدد الإجابة عن ذلك السؤال الصعب حقيقة، نحاول تقريب الصورة لها في النقاط الآتية:
تركي ومكايدة الأهلي
البداية كانت مع الرئيس الشرفي السابق للنادي الأهلي، تركي آل الشيخ، الذي اقتحم المجال الرياضي بضجة كبيرة من خلال النادي الأكبر بمصر، وبالحديث عن ستاد عالمي وصفقات ضخمة ومشاريع عملاقة، ثم تمخض الجبل ودخل في دوامة من الخلافات وصلت لحد الشجار مع مجلس الأهلي ورئيسه محمود الخطيب، وكذلك وصلت لساحات المحاكم والنيابة العامة، وأنتجت كرويًا نادٍ جديد ينافس به الأهلي لرد اعتباره ومكايدة الفريق الأحمر ومزاحمته في صفقاته وبطولته المحببة والتفوق عليه في كل شيء حتى يكسر شوكة مجلسه الذي تجاهله تمامًا.
وبدأت قصة بيراميدز بالتزامن من سياسة الدولة بفتح باب الاستثمارات للأشقاء العرب بشكل واسع لإدخال أموالهم مصر، وقد كان وتوافق كليًا في تجربة بيراميدز مع الحكومة ورؤيتها ورحبت به شديدًا، بل في بعض الأحيان كان يتدخل وزير الشباب والرياضة ليفض الخلافات بين الناديين وتحسين العلاقات بتقريب وجهات النظر في بعض القضايا الشائكة، مثل أزمتي عبد الله السعيد والمباريات المؤجلة في المسابقة على سبيل المثال وأزمة “الساعات” الشهيرة للغاية بينهما.
فهل كانت تلك التجربة ناتجة عن تخطيط، الإجابة واضحة لا بالطبع، فقد جاءت صدفة بعد انفصال آل الشيخ عن الأهلي ورغبته في وجود كيان ينافسه به في الملعب والصفقات لإثبات أنه على صواب ومجلس الأهلي على خطأ ويفقده دعم جماهيره الكبيرة، التي تحولت لهجوم حاد على تركي، بعدما كانت تملأ الدنيا ضجيجًا فرحًا بمشاريعه الضخمة لصالح الأهلي، ما زاد التعصب والفتنة كثيرًا خاصة مع جماهير الزمالك التي دخلت في الأمر من باب مضايقة جماهير غريمها التقليدي الأهلي، في ظل الوضع الصعب الذي يعانيه جراء ما فعله آل الشيخ.
تأثير فنيً وماديً على الدوري المصري
بلا شك أحدث نادي بيراميدز وتجربته ثراء كبير من الناحية الفنية للدوري المصري الممتاز، الذي وضع من جديد على الخارطة للدوريات العربية الأكثر إثارة، بعدما شهد نجومًا من مستوى عالٍ تلعب في ملاعبه خاصة مع دعم آل الشيخ فريقه بنجومًا عالمية مثل كينو ونجوم الأهلي والزمالك السابقين عبدالله السعيد وأحمد الشناوي وعلي جبر وعمر جابر.
كما شهد الدوري تنافسًا ثلاثيًا قويًا للغاية لم يعتاد عليه من زمن طويل، فصارع بيراميدز الأهلي والزمالك بضراوة مما جعل للمسابقة مذاق مختلف كليًا عن النسخ الماضية، وجعل بها حالة حراك شديدة لم تشهدها من قبل.
أما على المستوى المادي، فلم تكن النتائج مثل الجانب الفني مطلقًا، فتم إغراق السوق بأموال ضخمة خاصة في صفقات اللاعبين، وجعلت لاعبين متوسطين يباعون بأرقام فلكية، مما دمر معايير السوق السابقة بشكل كبير، وخرب الميركاتو المصري تمامًا، وأصبحنا نسمع مبالغًا لم نشهدها من قبل للاعبين ورواتبهم وقيمة انتقالهم بين الأندية وبعضها، هذا ما تسبب به تركي آل الشيخ بمفرده خاصة عندما ضم صلاح محسن للأهلي من إنبي بقيمة وصلت إلى 40 مليون جنيه، وهي الاعلى تمامًا في تاريخ المسابقة ولم يقدم اللاعب أي مردود يقارن بنحو عشر هذا الرقم.
زعامة الأهلي والزمالك في خطر
التأثير الكبير في هذه الظاهرة إذا ما انتشرت في المواسم المقبلة وتكررت تجربة بيراميدز مع عدة أندية أخرى أبدت استعدادها لذلك وآخرهم مصر للمقاصة، فربما تجد قطبي الكرة المصرية الكلاسيكيين الأهلي والزمالك في ورطة كبيرة، لعدم مجاراتهما في السنوات المقبلة هذا الزخم المادي الكبير الذي سينفق على تلك الأندية، ويتحول الأمر أشبه بما حدث للأندية الكبرى في الدوريات الأوروبية، بعدما دخل رجال أعمال الخليج بشراء أندية مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان.
مع اختلاف القياس والمعايير بالطبع، ولكن الأموال الضخمة التي أنفقوها وقيامهم بصفقات جنونية وقياسية، أضرت كثيرًا بأندية عملاقة مثل مانشستر يونايتد وأرسنال في إنجلترا فاختفت تمامًا عن المشهد بآخر السنوات، وكذلك ليون ومارسيليا في فرنسا لوصول العملاق الباريسي بكل هذه الأموال والتدعيمات لفريقه.
فهل سيعاني الأهلي والزمالك من فقدان مركزهم المعهود بالمسابقة، ونجد بطلاً للدوري الممتاز خارجهما خلال الفترة القادمة، إذا ما تكررت تجربة بيراميدز بنفس الإمكانيات والأموال التي صرفها مع أندية أخرى؟ هذا ما ستجيب عنه السنوات القادمة بكل تأكيد.