“هذا العمل خيالي ولا يمت للواقع بصلة وأي تشابه بين أحداثه والواقع فهو محض صدفة ومن خيال المؤلف”، شاهدنا هذه العبارة عدة مرات خلال التاريخ الفني الطويل الذي عُرض على الشاشات، فمع بداية “التتر” تُسدل هذه العبارة أمام أعيننا، لتؤكد لكل من سيشاهد العمل سواء كان سينما أو دراما، أنه ليس من خيال المؤلف، ولكنها حقيقة يعيشها المجتمع في وضعه الحالي، سواء كان سياسيًا أو اجتماعيًا، وأن هذه العبارة ما هي إلا باب استخدمه صناع العمل للإفلات من الرقابة حتى ترى الأعمال النور.

كانت هذه العبارة منفذًا لكثير من صناع الأعمال الفنية، للخروج من أزمتهم مع الرقابة والتي كانت تُفرض لأسباب متعددة، سواء كانت هذه الأعمال ستتسبب في مشكلات خاصة بعالم السياسة أو عالم الدين، وهما من المحاذير دائمًا في السينما والدراما ومن المناطق الشائكة.

قضايا سياسية

يأتي على رأس هذه الأفلام التي لصقت هذه العبارة بها كي ترى النور بعد أن واجهت عددًا من المشكلات مع الرقابة على المصنفات الفنية، فيلم “البرئ”، الذي اهتز له نظام الرئيس الراحل حسني مبارك، هل يجوز عرض هذا الفيلم أم لا؟، بعد مناقشة هذا العمل لقضايا التعذيب في السجون في عهد الرئيس أنور السادات، وما أصاب بعد المواطنين بعد مظاهرات 17 و18 يناير 1971.

مع مواجهة هذا العمل للعديد من المشكلات والتي أدت إلى حذف مشهد النهاية وعدم رؤية النسخة الأصلية من الفيلم إلا عام 2005 لأول مرة، حاول المخرج عاطف الطيب أن يفلت من أغلال الرقابة والحصار المقيد به الفيلم ليبدأ التتر بـ”وقائع هذا الفيلم لا تمثل الحاضر”، بتوقيع أسرة الفيلم، وشارك في هذا العمل أحمد زكي ومحمود عبد العزيز ومحمود عبد العليم ومن تأليف وحيد حامد.

كما أنه كان لصاحب مدرسة الواقعية في السينما المصرية صلاح أبو سيف، النصيب الأكبر من كتابة هذه العبارة على أعماله الفنية، لتكون البداية بفيلم “الفتوة” عام 1957، والذي قام ببطولته فريد شوقي وكتب السيناريو والحوار نجيب محفوظ والسيد بدير، ليفاجأ الجمهور بكتابة عبارة” وقعت أحداث القصة أيام كانت فئة قليلة تتحكّم بأرزاق الناس وأقواتهم”، وكان هذا حتى يتخلص من الزج بأن الفيلم إسقاط على الضباط الأحرار.

ولكن لم يستطع المخرج صلاح أبو سيف بأن يتخلص من آرائه السياسية ليخرج بفيلم “البداية” عام 1986، الذي شارك في كتابته مع لينين الرملي، ودارت أحداثه حول مدينة اعتبرها خيالية تدور بها بعض التطورات الديمقراطية والانتخابات وانتقال الحكم، مشيرًا إلى نظام الحكم في ذلك الحين وطريقة إدارته للبلاد، والصراع بين الطبقات الفكرية المصرية والتي لم تتغير حتى الآن، مما يدل على بعد نظر المخرج والمؤلف.

ولكن مع وجود فيلم بهذه الجرأة كان لابد له أن يخرج من قيود الرقابة بعبارة” الفيلم لا صلة له بالواقع بل هو تخريفة من تخريفات المخرجين فإذا لم يعجبكم فأرجو أن تروه مرة ثانية أما إذا أعجبكم فأرجو أن تروه مرة أخرى”.

وكان فيلم “البداية” بطولة أحمد زكي وجميل راتب ويسرا وحمدي أحمد وسعاد نصر.

وفي حالة أخرى بث المؤلف والمخرج رأفت الميهي، عام 1988، في بداية فيلم “سمك لبن تمر هندي”، عبارة بصوت الفنان محمود عبد العزيز “بطل العمل” جاء فيها: “قبل ما نبتدي أحب أحذركم إن إحنا ما عندناش حواديت، وما تحاولوش تفهموا أي حاجة لأننا ما بنقصدش أي حاجة”، لتلحق به بطلة العمل معالي زايد قائلة:” يعني الحكاية تمثيل في تمثيل”.

وجاء ذلك بسبب تناول قصة العمل لرجل يريد الزواج من فتاة يحبها، يسافر والده إلى الخارج بهدف الحصول على أموال وإعانة أبنائه، وبعد رفض والده تقديم جزء من دخله إلى المسئولين عن سفره للخارج، يتعرض لمضايقات منهم ويموت، وبعد نقل جثمانه لمصر، يشك الإنتربول في انتماء أحمد ووالده لتنظيم إرهابي.

كما جاء فيلم “معالي الوزير”، بذات العبارة السابق ذكرها، والذي دارت أحداثه حول تحول أحد الشخصيات إلى وزير بالصدفة، وكم الفساد الذي قام به والعقاب الذي لاقاه، وهو ما قام ببطولته أحمد زكي ولبلبة، من تأليف وحيد حامد وإخراج سمير سيف، وكان هذا عام 2002.

حيلة المضطر

وعن الأفلام السياسية التي اتخذت من عبارة “لا تمت للواقع بصلة”، ملجأ للخروج للنور، قال الناقد عصام زكريا، إن هذه الأعمال لم تجد أي طريق للخروج من قبضة الرقابة إلا بهذه الطريقة، فالرقابة لدينا في مصر ليست فنية ومن الجهات المسئولة عنها فقط، بل أن في هذه الفترات كان الجميع يبدي رأيه في الأعمال الفنية، ومن الممكن أن يجد البطل والمخرج أنفسهما أمام المحكمة بتهمة الخيانة العظمي، كما حدث مع البعض.

وأضاف أن الأفلام التي تحمل تلميحات سياسية دائمًا ما تواجه هذا الدور الرقابي، وخاصة أن مصر تعاني دائمًا من فترات عصيبة لابد فيها من الحفاظ على المسافة المناسبة التي لا يجب ألا يتخطاها صناع الفن.

رقابة دينية

من أشهر الأفلام التي تعرضت للرقابة الدينية والفنية معًا، فيلم “المهاجر”، الذي كان يحاكي بشكل كبير قصة النبي يوسف، والذي كان يحمل اسم “يوسف وأخوته” في البداية، لكن الرقابة الدينية لم تسمح له بذلك ليتم تغييره إلى الاسم الذي طرح به في السينما بعد ذلك، ولكن سبقته عبارة ” أحداث الفيلم لا تمت بصلة إلى أية قصة أو حادثة في التاريخ… إنها رواية سينمائية خاصة مستوحاة من تراث الإنسانية”.

ولجأ يوسف شاهين إلى هذه الحيلة حتى يخرج بالسيناريو الخاص به دون تغيير في محتواه، وخاصة بعد أن صدر حكم ضد الفيلم بحظره من السينما.

الدراما والرقابة المجتمعية

اختلف الوضع إلى حد ما في الدراما، التي كانت ذات عباءة واسعة في الموضوعات التي تقدمها سواء كانت سياسية، مثل مسلسل “سكة الهلالي” للفنان يحيي الفخراني، والذي ناقش بعض قضايا مجلس النواب، أو مسلسل “ابن حلال” الذي تناول مقتل ابنة المطربة ليلى غفران والتي اتهم فيها أحد أبناء رجال الحكومة في عهد “مبارك”، أو مقتل المطربة سوزان تميم في مسلسل “المرافعة” والتي اتهم فيها رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، وقد سبقت كل هذه الأعمال على “التتر” الخاص بها عبارة “هذه الأعمال لا تمت للواقع بصلة”.

ولكن لجأ بعض صناع الأعمال الدرامية إلى هذه العبارة للتخلص من الرقابة المجتمعية، وهي أقوى من الرقابة الفنية في بعض الأحيان، والتي كان منها مسلسل “سجن النسا” الذي لجأت مخرجته كاملة أبو زكري إلى كتابة عبارة “هذا العمل بكامله من وحي خيال المؤلف”، وكان هذا مع بداية الحلقة الـ14، وهذا بعض الغضب الذي أصاب السجانات والسجينات من العمل، باعتبار أنه يقدم أنماطًا سيئة كثيرًا.

وعن هذا قال الناقد الفني طارق الشناوي، إن الرقابة المجتمعية تكون في بعض الأحيان أقوى من الرقابة الفنية، وخاصة في الأعمال الدرامية لأنها أقرب إلى الجمهور، وبالتالي يضطر القائمون على تلك الأعمال، إلى الهروب من هذه الضغوط بعبارات مثل “العمل خيالي” وما شابه، حتى لا يتعرضون للانتقاد المجتمعي.