تعددت مشكلات النساء داخل سوق العمل، بداية من التمييز ضدهن في الأجور لصالح الرجال حيث يحصلن على أجور أقل داخل منشآت القطاع الخاص، أو معاناتهن في الحصول على حقهن في الترقي داخل مواقع العمل، وصولًا إلى حرمانهن من الحق في التقدم لوظائف بعينها، كما هو الحال في مصر فيما يتعلق بالنيابة العامة، كمثال، وتفضيل المنشآت الصناعية والخدمية لتوظيف الرجال للتهرب من الالتزامات القانونية تجاه العاملات الأُمهات، لكن أبرز القضايا ذات الارتباطات المُتشعبة بالأنماط الاجتماعية والاقتصادية في مصر، هي قضية عمل المرأة دون أجر في مشروعات الأسرة داخل نطاق الاقتصاد غير الرسمي.

وترى دراسة أجرتها الدكتورة سلوى العنتري، الخبيرة الاقتصادية، والباحثة نفيسة دسوقي، عام 2016، تحت عنوان ” عمل النساء في السوق بدون أجر العمل لدى الأسرة في الاقتصاد غير الرسمي بمصر”، أن نمط الاقتصاد الرأسمالي في مصر والذي ركز الاستثمارات في المشـروعات كثيفة رأس المال وكثيفة الاستخدام للطاقـة، بمـا يتناقـض مـع الخصائـص الرئيسـية للمجتمـع المصري، والذي يتمتع بوفرة الأيدي العاملة، وارتفاع معدلات البطالة، إضافة لتطبيق شروط صندوق النقد الدولي من تقليص التشغيل والاتجاه للخصخصة وتسريح العمال، أدى إلى توسع الاقتصاد غير الرسمي، والذي تتركز فيه ظاهرة العمالة غير مدفوعة الأجر.

وتُعرف منظمة العمل الدولية، الاقتصاد غير الرسمي بأنه “مشـروعات تجارية خاصة غير منظمة بصـورة  قانونية وغيـر مسـجلة وفقـًا لأي شـكل مـن الأشكال المحـددة للتشـريع الوطني”، وتتألف العمالة غير النظامية من العمل الحر في مشروعات غير نظامية والعمل بأجر في وظائف غير نظامية، ويشمل العمل الحر في مشروعات غير نظاميـة الأشـخاص العاملين لحسابهم الخاص في مشروعات صغيرة غير مسجلة أو غير ذات صفة اعتبارية، بما فيهم أصحاب العمل  والعاملون لحسابهم وعمال وأفراد الأسرة المساهمون الذي لا يتلقون أجورًا، وطبقًا للتقارير الرسمية فإن العمالة غير مدفوعة الأجر تبلغ نحو 34% من حجم العمالة داخل الاقتصاد غير الرسمي، 80% منها من النساء.

6 ساعات عمل

سناء علي، 33 سنة، “مؤهل متوسط” متزوجة ولديها طفلتين، مقيمة بإحدى قرى مركز البدرشين، بالجيزة، تقول، إنها كانت تعمل قبل زواجها في محل للملابس الجاهزة بالمركز، وكانت تتقاضى 700 جنيه شهريًا، تساعد بجزء منها والديها، وتشتري احتياجاتها بالجزء الآخر بما في ذلك مستلزمات جهازها بعد خطبتها، لكن بعد الزواج رفض زوجها الاستمرار في العمل.

وتضيف سناء: “جوزي شغال بالمجلس المحلي، ومع زيادة مصروفات البيت فكر في استغلال خبرتي في بيع الملابس، وفتح محل صغير بالقرية لبيع الملابس، وخلاني أقف فيه، وكان بيسافر يجيب البضاعة من القاهرة وبور سعيد”.

تتابع سناء: “كل يوم أقوم من النوم بدري أخلص شغل البيت، والبنت الكبيرة تروح المدرسة والصغيرة أخدها معايا واروح افتح المحل”.

“انتي بتعملي إيه”

وعن طريقة توزيع أرباح المحل تقول سناء: “أنا ما باخدش حاجة، يعني مش بمسك فلوس في إيدي رغم اننا بقينا بنكسب كويس والمحل كبر، ومكنتش متضايقة، بس لما جوزي اشترى المحل اللي كنا مأجرينه، قولتله بهزار المفروض نصه يتكتب باسمي، عمل خناقة كبيرة، وهزأني، وقالي انتي بتعملي إيه، فلوس البضاعة فلوسي انا”.

كلام الزوج ترك أثرًا سيئًا داخل نفسية سناء، فهي كما تقول ليست خادمة تعمل في المنزل والمحل بطعامها، مضيفة: “في النهاية لو أخدت حاجة هصرفها على البيت والبنات، واجيب اللي محتاجاه، بس ده حقي أنا بفضل واقفة على رجليا 6 ساعات في المحل غير شغل البيت”.

الوعي بالأزمة

تعلم سناء، أن من حقها نسبة في الربح، تكون حرة التصرف فيها، لكنها لا تعلم ماذا تفعل، فالطلاق يمكن أن يكون مصيرها إذا أثارت الموضوع أو رفضت العمل، مؤكدة أن وضعها الاقتصادي كان أفضل عندما كانت تعمل في محل الغريب.

وعي سناء بحقها، ليس حالة سائدة، فعلى ما يبدو أن هذا الوعي انطلق من صدفة صدامها مع زوجها بشأن حقها في مردود المشروع التجاري التي تعمل فيه لـ 5 ساعات يوميًا، هذه الصدفة التي بدأت بمزحة، وانتهت بأزمة عند سناء خلفت وعيًا ما بحقها، لكن هذا الوعي لا يُشترط أن تتوصل إليه أُخريات في نفس ظروفها، بل ربما هو نفسه عند سناء وعيًا لحظيًا سيزول بمرور السنوات، لأن المنظومة الاجتماعية بشكل عام لا تعطي فرصة لنمو هذا الوعي، ولا التمرد على وضع عملهن، فهن حتى لا يدركن طبيعة كونهن عاملات أصلًا ضمن التعريف العام للكلمة، فلو سألت سناء مثلًا ماذا تعملين، سترد بأنها لا تعمل أو أنها ربة منزل، ولن تذكر كونها بائعة في محل زوجها، ليس من منطلق تجميل صورتها الاجتماعية بل من منطلق جهلها بكونها عاملة.

النسبة الأكبر في الريف

توصلت  الدراسة المشار إليها، إلى تركز عمل النساء غير مدفوع الأجر لدى الأسرة في الأقاليم وخاصة في صعيد مصر، كمـا تتركز النسبة الأكبر على مسـتوى الأقاليم في الريف، ويستحوذ صعيد مصر على 62.7% والوجه البحري على 35.4% مقابـل 9.1 % للقاهـرة الكبـرى والإسكندرية وإقليـم القنـاة، فيما يمثل النشاط الزراعي، المتمثل في المساهمة في زراعة المحاصيل وتربية  الماشية، ومنتجات الألبان، المجال الرئيسي لعمل النساء في السوق لدى الأسرة بدون أجـر بنسبة تصل إلى 83.7% ، يليه بفارق كبير تجارة التجزئة بنسبة 12.4% ثم النشاط الصناعي بنسبة 3.1%، وتقسم النسبة الضئيلة الباقية بين الأنشطة القانونية والمحاسبية والتعليم والأنشطة الإدارية.

وتقول هبة. ص، 40 سنة، متزوجة، وليس لديها أبناء، والمقيمة بإحدى قرى مركز سنورس بمحافظة الفيوم، إن زوجها لديه “كارة” لتربية الماشية، بها أكثر من 20 رأس، تقوم على تربيتهم، من تقديم العلف والماء، وتنظيف الكارة وتجميع مخلفات الماشية يوميًا حتى يأتي زوجها لنقل المخلفات، إضافة حلب 3 من الجاموس وصنع الجبن والزبد أو بيع اللبن أحيانًا للتجار الذين يمرون على المنازل، مشيرة إلى أن زوجها متزوجًا من أخرى بسبب عدم إنجابها للأطفال.

وتضيف هبة: “بشتغل طول اليوم في البيت، صحيح بتعب أوي بس الحمد لله، هاروح فين ماليش حد غير جوزي، وما اتعلمتش في مدارس، هو طيب مش بيزعلني يعني، أنا راضية ستات البلد كلها كده بس يمكن لو معايا عيال كنت حسيت إن تعبي رايح ليهم”.

وعن مردود بيع منتجاتها من الألبان وما إذا كانت تحصل على شيء، تقول هبة: الـ 3 جاموس بيجيبوا حوالي 20 كيلو لبن في اليوم بـ 200 جنيه، غير مكسب باقي المواشي اللي بنبيعهم للجزار، ما باخدشي غير مصاريف الأكل والشرب للبيت، ولما بحتاج لبس بطلب من جوزي”.

أشكال الرفض

تشير الدراسة، إلى وجود أشكال لمقاومة النساء ورفضهن العمل  وعدم رضائهن التام عن عملهن دون أجر، بسعيهن للحصول على دخل نقدي مستقل، دون علم الزوج، ومنها سـعى النسـاء الريفيـات للعمل مع بعض الصديقات في تجارة الطيور، أو بيع جزءً من مخزون المنزل من الحبوب، وتستشهد الدراسة، برؤية بينـا آجاروال، أستاذة اقتصاديات التنمية والبيئة بجامعة مانشستر، والتي ترى “أنه إذا كانـت النسـاء ينفقـن هـذه النقـود علـى الأبناء فـإن هـذا لا يعـد دليلًا علـى وعيهـن الخاطـئ بمصالحهـن، بـل علـى العكـس قد يشـير إلى استثمارهن في توفير الحماية الاجتماعية لهن في شـيخوختهن”.

تغير النمط الاقتصادي والاجتماعي

قضية عمل المرأة دون أجر في مشروعات الأسرة ضمن الاقتصاد غير الرسمي، هي عملية عنف مستتر ضد المرأة، وترتبط في الأساس بنظام الاقتصاد في مصر، وقطاعات تركز الاستثمار، وفرص المرأة داخل سوق العمل ووضعها وحقوقها داخل مواقع العمل، وهو ليس مفصولًا عن ارتباط القضية  بالنظام الاجتماعي العام ووضع المرأة داخل الأسرة المصرية خاصة في الريف، وقيمتها كعضو فاعل في الأسرة، له الحق بالمشاركة في اتخاذ القرار، والتخطيط لمستقبل الأسرة، والحق في الحصول على جزء من عائد مشروعات الأسرة الاقتصادية، وحريتها في إنفاق هذا العائد فيما تريد، طالما تساهم في العمل في تلك المشروعات.