“آيا صوفيا” كنيسة كبيرة فريدة الطراز، تعد الأكثر عراقة وتميزا في التاريخ، كلف الإمبراطور جستنيان في عام 532 ميلاديًا ببنائها، استغرق إنشاؤها خمس سنوات تقريبًا من العمل الجاد والدؤوب للعمال والمهندسين، ليحولها الفتح العثماني إلى مسجد، وبعدها تتحول إلى متحف، ويفاجئ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العالم بتوقيع مرسوم ينص على تحويلها إلى مسجد مرة أخرى.
أثار قرار أردوغان غضب الأقباط حول العالم، خاصة عقب إقرار مجلس الدولة التركي، والذي يعتبر أعلى محكمة إدارية في تركيا، بإبطال وضع آيا صوفيا كمتحف، وكانت قد سجلت وفقًا لقرار حكومي في عام 1934.
افتتاح مسجد آيا صوفيا
نشرت الجريدة الرسمية التركية قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، الجمعة الماضية، بحسب وكالة الأناضول التركية، القرار نص أيضا على تحويل إدارته للجنة الشئون الدينية، لتكون الجهة المسؤولة عنها على أن يرفع أول أذان وتقام أول صلاة فيها 24 يوليو المقبل.
وذكرت وكالة الأناضول أن قرار التحويل جاء عقب إلغاء الغرفة العاشرة في المحكمة الإدارية العليا، للقرار الذي صدر عام 1934 من مجلس الوزراء بتحويل مسجد “آيا صوفيا” إلى متحف، لتسجل إدارة المتحف في رئاسة الشؤون الدينية التركية وفقًا للمادة 35 من القانون رقم 633 الخاص بمهام الشؤون الدينية.
تحويل الكنائس لمساجد في تركيا
لم تكن المرة الأولى التي تتحول فيها كنيسة إلى مسجد بتركيا، فعلى مر التاريخ بدءًا من الدولة العثمانية بدخول محمد الفاتح إلى البلاد، تعرضت دور العبادة المسيحية إلى الانتهاك، بتحويل بعضها إلى مساجد، باستيلاء السلاطين عليها دون وجه حق.
حاول السلاطين على مر العصور إخفاء جريمة الاستيلاء على الكنائس لتحويلها إلى مساجد، بزعم أن الرهبان وافقوا، وتم شراء دور العبادة، وتحول بعضها على متاحف بعد قيام الجمهورية التركية على يد مصطفى كامل أتاتورك.
كنيسة خورا بإسطنبول
تعبر كنيسة خورا البيزنطية في إسطنبول من أهم معالم الأثار على مر التاريخ، عرفت منذ بنائها حتى القرن السادس عشر باسم كنيسة المخلص، نسبة إلى المسيح، لكن حولها الفتح الإسلامي للقسطنطينية إلى مسجد، ومحيت كل المعالم والنقوس والأيقونات المسيحية التي زينت جدارها لسنوات طوال وتحولت إلى مسجد.
في عام 1948، تحول المسجد إلى متحف إنساني، عرف باسم “تشورا”، ينقسم المتحف إلى ثلاث، الجزء الأول هو مدخل القاعة، ثم الجزء الرئيسي للكنيسة، ثم المصلى الجانبي.
دير القديس أندرو
شيد دير القديس أندرو في القرن الثامن، ورغم أن المكان يحمل رفات العديد من القديسين، الذين استشهدوا في عهد قسطنطين الخامس، إلا أنه تحول إلى مسجد، تحت اسم “مسجد كوجا مصطفى باشا”.“
ردود أفعال المسيحين في تركيا
سادت حالة من الغضب لدى المسيحين داخل تركيا، واعترضوا على قرار تحويل المتحف إلى كنيسة، واعتبروا القرار انتهاكًا لحقوقهم داخل البلاد، وامتد الغضب إلى المسيحين في الخارج، راغبين في إعادته إلى متحف مرة أخرى، ووفقًا لما قاله خبير الشؤون الدينية، فالتر فاليك، فإن المسيحين في تركيا لا يتمتعون بحقوقهم كاملة خاصة فيما يتعلق بالحريات الدينية، نظرًا لكون أعدادهم لم تتعدى 1% من إجمالي سكان البلاد.
ويبلغ عدد المسيحين في تركيا حوالي 120 ألف مسيحي، من إجمالي عدد سكان 80 مليون نسمة تقريبًا، بينما كانت نسبتهم في عام 1914 في السلطنة العثمانية بتركيا لا تقل عن 25 في المائة من إجمالي نسبة السكان في البلاد، ووصلت إلى 1 في المائة عقب اندلاع أولى حروب القرن العشرين.
ردود أفعال غاضبة
عقب الإعلان عن تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، خرجت اليونان برد الفعل الأقوى دوليًا، حيث ندد رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس بأشد العبارات القرار التركي بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد.
وأطلق الاتحاد الأوروبي على رئيس تركيا، رجب الطيب أردوغان لقب صاحب القرارات المؤسفة، لما تسببه قرارته من أزمات في الداخل والخارج، وكذا أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان-إيف لودريان، عن أسف بلاده عقب إصدار السلطات التركية لقرار تحويل المتحف إلى مسجد.
كما أشار وزير الخارجية الفرنسي إلى قراري أردوغان والمحكمة الخاص بتحويل أيا صوفيا إلى مسجد بكونهما يشككان في أحد أكثر الإجراءات رمزية لتركيا العصرية والعلمانية.
وذكرت وكالة الأنباء الروسية “إنترفاكس” نقلًا عن المتحدث باسم الكنيسة فلاديمير ليجويدا الذي قال إن أردوغان لم يصغي إلى مخاوف ملايين المسيحيين في كل البلاد، وأكدت على عدم قانونية تحويل متخف آيا صوفيا إلى مسجد، وما سيحدثه من انقسامات بالداخل والخارج.
قرار سياسي
من جانبه، قال عمرو فاروق، الباحث في الإسلام السياسي، إن قرار تحويل متحف “أيا صوفيا” إلى مسجد يسعى في مجمله لتحقيق أهداف سياسية في رداء ديني، وأحد أدلة اللهث وراء مشروع الدولة العثمانية الجديدة لاستعمار وغزو الدول العربية والإسلامية وورقة تمرد على إرث كمال أتاتورك وقرارته وتوجهاته في تأسيس تركيا الحديثة، ليس من باب الانقلاب على المشروع العلماني، لكن من قبيل القضاء على أسطورة أتاتورك، ومناطحته تاريخيا وسياسيا.
وأضاف “فاروق” أن “أيا صوفيا” ورقة معاداة واضحة لتنظيم “أرجنكون”، الموصوف في تركيا بـ”الدولة العميقة”، وكذا الأحزاب العلمانية التي تعتبر خصم سياسي لنظام أردوغان، بالإضافة إلى كونه خديعة سياسية تمنح أردوغان مشروعية استكمال القضاء على أنصار حركة ” فتح الله كولن”، وتحمل توجهات ورؤية دينية تعبر عن الإسلام الحداثي، ويعمل أردوغان على إبادتهم سياسيا وشعبيا، تحت لافته تورطهم بالتخطيط للانقلاب المزعومة في 15 يوليو 2016.
وأكد أن قرار التحويل جاء كفاتورة انتخابية لمغازلة مسلمي تركيا في ظل انخفاض وتدهور شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية سياسيا وشعبيا، والقضاء مبكرا على البديل والخصم الجاهز في المعركة الانتخابية المقبلة، أحمد داود أوغلو، الذي يفضح أسرار أردوغان بالأدلة وقرار سياسي لإلهاء الداخل التركي عن التدهور الاقتصادي والسياسي في ظل سيطرة حزب “العدالة والتنمية” على رأس الدولة.