سلط معهد “دراسات الأمن القومي” الإسرائيلي، الصادر بالإنجليزية، المختص بشؤون الأمن القومي والشؤون الاستراتيجية في الشرق الأوسط، الضوء علي سياسات الدول العربية تجاه اليهود والمعتقدات اليهودية ببلادهم، وهو ما اعتبره ازدواجية في السياسات بسبب العداء التاريخي للشعوب العربية لإسرائيل، متوقعًا في نفس الوقت أن يساعد ما اسماه “التطبيع غير السياسي” في إقامة علاقات دافئة بين شعوب ودول المنطقة وإسرائيل في المستقبل.
ويشير المعهد، في تقريره، إلى أن الأنظمة في مصر ودول الخليج تحاول إيصال صورة من التسامح تجاه الديانة اليهودية للعالم الخارجي، وهو ما يظهر في تصريحات بعض رجال الدين في المنطقة، وبعض الاعمال الدرامية التي تم عرضها رمضان الماضي علي الشاشات العربية، بجانب تجديد بعض المعابد اليهودية وإعادة فتحها .
وتعكس عبارات وأعمال التسامح من قبل الأنظمة العربية نهجًا جديدًا في التعامل مع قيم الانفتاح علي الثقافات الأخرى والتعديدية، بحسب التقرير، رغم العداء التاريخي لشعوب المنطقة تجاه إسرائيل، وما يمثله من ازدواجية، وصفها بـ”الإيجابية” تجاه اليهود واعتبارهم جزء من النسيج المجتمعي للبلاد .
“كنيس إلياهو” بمصر
واتساقًا مع السياسية السابقة، تم تجديد كنيس “الياهو” بالإسكندرية في يناير 2020، قد حضر الافتتاح وزير الأثار، خالد العناني، وبعض المسئولين المصريين والأجانب وقيادات المجتمع اليهودي، ولم تتم دعوة أحد مسئولي السفارة الإسرائيلية الي الاحتفال، ولكنهم شاركوا في القداس الذي أقيم في الكنيس الشهر التالي.
وفي نفس الشهر، أعلنت السفارة الأمريكية بالقاهرة مشروعا للحفاظ على تراث مقابر اليهود بمنطقة البساتين، التي تضم عددا من أقدم مقابر اليهود في العالم، بتمويل من صندوق سفراء الولايات المتحدة للحفاظ علي التراث الثقافي، بالتعاون مع جمعيات يهودية بمصر، وموازيًا لذلك تصدرت بعض الاخبار في الصحافة عن اقتراحات بإقامة متحف لحفظ التراث اليهودي والمقتنيات اليهودية المصرية، وهو ما لاقي ترحيب من بعض المسئولين والأثريين آنذاك .
“بيت العائلة الإبراهيمية” في الامارات
وهناك سياسيات مماثلة في بعض دول الخليج، كالإمارات العربية المتحدة، التي تعمل علي افتتاح بيت العائلة الإبراهيمية في عام 2022، في العاصمة أبوظبي، والذي يضم مسجد وكنيسة وكنيس في مكان واحد، بينما في مدينة دبي فالكنيس ومركز الجالية اليهودي اكثر تفاعلاً من أي دولة بالمنطقة، حيث يخدمان رجال الاعمال الأجانب في المدينة، ومنذ أواخر عام 2018 تم فتح الكنيس اليهودي بالبلاد بشكل علني مع بعض التحفظات الأمنية، خشيًا من انتقادات المسلمين، رغم ذلك أطلق مركز الجالية في شهر مايو الماضي، وبموافقة الحكومة، حسابًا علي “تويتر” يتضمن معلومات عن الكتب الدينية وأطعمة الكوشر اليهودية .
ولا يُعد بيت العائلة الإبراهيمية أو فتح الكنيس اليهودي أول خطوة تتخذها الإمارات فيما يتعلق بمجال تعزيز قيم التسامح، إذ تم وضع حجر الأساس في أول معبد هندوسي في أبوظبي في أبريل في عام2019، تحت ما يعرف بـ”عام التسامح” في الإمارات .
وعلي نفس الموال، تتبع البحرين سياسة التسامح مع الأقلية اليهودية علي مدار سنوات، والتي تنتمي جذورها إلى العراق، حيث تقلد بعضهم بعض المناصب الرفيعة في البلاد، كما يتم الاحتفال بالأعياد والمهرجات اليهودية .
مسلسل “أم هارون”
بينما في مايو 2020، واجهت شبكة “ام بي سي” مصر بعد عرض مسلسل “أم هارون”، الذي يصور الصعوبات التي تواجه الأقلية اليهودية في الكويت قبل قيام دولة إسرائيل، انتقادات، حيث رأي الكثيرين إن عرض هذا العمل في شهر رمضان الكريم هو إضفاء شرعية علي سياسة التطبيع مع إسرائيل في الوطن العربي.
التسامح الديني” كسياسة
ويري المعهد أن سياسة التسامح والتعامل مع اليهود كجزء منفصل عن الكيان الإسرائيلي، ليس بجديد في المنطقة، فعلي مر السنوات حافظ القادة والسفراء وممثلون آخرون لمصر ودول الخليج والمغرب العربي على اتصالاتهم مع القادة الدينيين الأمريكيين اليهود والمنظمات اليهودية، ففي مصر، التقى كبار المسؤولين الحكوميين في السنوات الأخيرة برئيس المؤتمر اليهودي العالمي رونالد رولر، وأعضاء من المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة وكندا.
كما التقى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في عام 2018 بممثلي الجالية اليهودية الأمريكية، وفي فبراير 2020، التقى الحاخام ديفيد روزين، المدير الدولي لشؤون الأديان عن اللجنة اليهودية الأمريكية بالملك سلمان بن عبد العزيز، كما استقبلت المملكة زيارة وفد مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية، التي تعتبر المبادرة الأولى للهيئة التي تجمع كبرى المنظمات اليهودية، كما أنها أول زيارة رسمية للمملكة من قبل منظمة يهودية أمريكية منذ العام 1993.
وشملت الزيارة اجتماعات مع كبار المسؤولين السعوديين، إضافة إلى اللقاء بمحمد العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، الذي سبق وأن ترأس وفدا إلى معسكر أوشفيتز، والذي يُنظر إليه على أنه أحد المقربين من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وفي عام 2017 ، أجرى العيسى مقابلة مع صحيفة “معاريف” الاسرائيلية، وفي عام 2019 ، زار المتحف الأمريكي التذكاري للهولوكوست في واشنطن ونشر مقالًا في صحيفة واشنطن بوست أدان فيه الجرائم النازية.
أهداف خفية
ويرجع التقرير انفتاح دول المنطقة تجاه اليهود لعدة أهداف، أبرزها تحسين صورتها أمام الراي العام العالمي كرمز للتسامح وتقبل الثقافات الأخرى، حيث أكدت الحكومة المصرية أن تجديد “كنيس الياهو” وقتها ينقل رسالة بأن الدولة لا تميز بين المواقع ودار العبادة للمسلمين والمسيحين واليهود، فيقع موقع “الكنيس” اليهودي بجوار كنيسة ومسجد لهما مكانة تاريخية، تأكيدًا بأن مصر مكان التقاء الأديان منذ القدم ورمز للتعايش، وهو ما سعت إليه الإمارات أيضًا بمشروع بيت العائلة الإبراهيمية وتخصيصها عام 2019 لعام التسامح، كتعزيز منها أنها بلد الحريات الدينية، وفق قوله .
بالإضافة لذلك، فأن سياسة التسامح مع اليهود والمعتقدات اليهودية يصل صداه للوبي اليهودي في واشنطن، وهو ما يعزز من قوة دول المنطقة لدي الإدارة الأمريكية، ويكسبها نقاط قوة في صراعاتها الأيدولوجية والعسكرية في حربها ضد التطرف والإرهاب وكسب دعم مالي وسياسي ودبلوماسي، ذلك بجانب تسحين الصورة أمام الغرب الليبرالي ايضًا .
بينما في دول الخليج، بشكل خاض، فهناك محاولة واضحة للترويج لما يعرف بـ “الإسلام المعتدل”، والذي يتضمن زيادة الانفتاح – ليس فقط تجاه اليهودية ولكن أيضًا وبشكل رئيسي تجاه المسيحية والأقليات في البلاد .
اما من الناحية الاقتصادية، فتعمل دول المنطقة، وعلي مقدمتها مصر والخليج، علي تنشيط صناعة السياحة كواحدة من اهم مصادر الدخل القومي للبلاد، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية، وتنشيط حركة السياحة لاسيما بعد ازمة كورونا والركود الاقتصادي الذي ضرب العالم.
ورغم ما سبق، لفت التقرير أن تجديد المعابد اليهودية وافتتاح اخرين، لا يعني تطبيع صريح مع الكيان الإسرائيلي، والدليل علي ذلك عدم دعوة أي من المسئولين الإسرائيليين لهذه الافتتاحات، فضلاً عن أن الخطاب السياسي للدول العربية حول الصراع العربي الإسرائيلي متناقض- فهم يفضلون التسامح مع اليهود علي التطبيع الرسمي مع إسرائيل حتي يتجنبوا الانتقادات- في وسط الرسائل التسامح السابقة تكون رسائل رفض اكبر للتعامل مع إسرائيل في الاعمال الدرامية والصحف والكتب المدرسية، كما شوهد في مسلسل “النهاية” للممثل يوسف الشريف، الذي يتنبأ بتدمير إسرائيل .
واختتم المعهد، تقريره، بأن رغم أن التسامح تجاه اليهودية لا يمس إسرائيل بشكل مباشر، إلا أنه له تأثيرًا إيجابي و غير مباشر على “إضفاء الشرعية على الدولة اليهودية”، حيث يشجع علي ترسيخ صورة التعايش السلمي لليهود والعرب علي مر السنين في أذهان المواطنين العرب بدلا من الصورة الشيطنية التي رسمت لإسرائيل، وهو ما يجب علي الأخيرة استغلاله والتعامل معه جيدًا ، بحسب زعمه.