احتلت المرأة الإيرانية مكانة مرموقة، في إيران منذ القدم، بسبب سعيها الدائم نحو الترقي لحياة أفضل، وتطلعها المستمر للحصول على  المزيد من الحرية، مثبتة جدارتها الفائقة وتفوقها في شتى مناحي الحياة، إلى أن جاءت الثورة الخُمينية، ليتبدل معها وضع  المرأة في المجتمع الإيراني.

الحقوق السياسية

ذاقت المرأة الإيرانية، نكهة السلطة والوصول لسُدة الحكم مرة وحيدة في التاريخ الفارسي، إذ تربعت الملكة “بوران دخت” على العرش الساساني عام 628م، وألقت كلمة تاريخية أثناء توليها الحكم، أشارت فيها لأهمية دور المرأة في المجتمع، وأعتُبر حديثها بيانًا لأول حركة نسائية في تاريخ إيران.

وجاءت في كلمتها أنه لا فرق بين الملك رجلًا أو امرأة، وأنه على الحاكم أن يُحفاظ على أراضي بلاده، وينشر العدل والمساواة بين أفراد شعبه، وأعفت الإيرانيين من دفع الضرائب لعامًا كاملًا، وبادرت بإنهاء الحروب التي تخوضها بلادها من أجل نشر السلام للمجتمع.

أشاد الشاعر الفارسي الكبير أبو قاسم الفردوسي بحكمتها، وحسن إدارتها للبلاد، إذ أغنت الفقراء وخلصت شعبها من الآلام وويلات الحروب.

وظلت المرأة الإيرانية، تحظى بمكانة مميزة وسط المجتمع مع تعاقب الحُكام والسلاطين والملوك، حتى جاءت النقطة المفصلية في التاريخ النسوي الإيراني بوصول العائلة البهلوية لرئاسة السلطة.

ففي عهد أخر ملوك الأسرة البهلوية، التي حكمت إيران بين عامي 1941 حتى 1979، وكان أخر ملوكها محمد رضا البهلوي، حصلت المرأة على حق التصويت في الانتخابات، وعُينت كوزيرة، وقاضية.

وتُعتبر “فرخوا بارسا”، أول وزيرة في الحكومة الإيرانية، وشغلت منصب وزيرة التعليم، وكانت أبرز المناصرات لحقوق المرأة في بلادها.

عقب قيام الثورة الخمينية الإسلامية، تقلص دور المرأة في الحياة السياسية وعُزلت من مناصبها، كما حدث مع المحامية شيرين عبادي الحاصلة على جائزة نوبل في الديمقراطية عام 2003 وكانت أول قاضية إيرانية قبل الثورة، وأُجبرت على الاستقالة بعدها، وزج بها النظام الملالي في السجن، ومُنعت من ممارسة المحاماة، وكذلك فرخو برسا التي أُعدمت رميًا بالرصاص عقب قيام الثورة عام 1980م، وظل التراجع مستمرًا حتى وقتنا الحالي.

وتعقد وضع المرأة الإيرانية، حيث حُرمت من ممارسة بعض المهن، وتقنن تقلدها مناصب قيادية في الدولة، مما جعل تدهور أحوالهن سببًا لا نداع تظاهرات عدة في مدين إيران المتفرقة عام 2017، ضد النظام الملالي الحالي، للمطالبة بتحسين أوضاعهن، أملًا في الحصول على المزيد من الحرية.

أجبرت الثورة الإيرانية النساء على ارتداء الحجاب بمختلف مُعتقداتهم

الحقوق الاجتماعية  

منذ قيام الثورة الإسلامية وحتى الآن، فرضت العديد من القيود على المرأة حتى البسيط منها، مثل ارتداء الملابس، على الرغم من أن الملابس الإيرانية مستوحاة من التراث الملون والمُطعم بالألوان والرسومات المُبهجة، والتي تختلف تبعًا للطبقة الاجتماعية إلا أنها حافظت على تفاصيلها مئات السنين قبل أن تُطيح الثورة بأخر شاه إيراني.

حُظر في عهد الشاه رضا البهلوي ارتداء الحجاب نهائيًا، ومعاقبة من ترتديه، وسمح للسيدات بارتداء التنانير، والملابس المكشوفة دون قيود مطلقًا، متأثرين بالثقافة الغربية.

عكس ما جرى بعد نجاح الثورة الإسلامية عام 1979، فأجبرت النساء على ارتداء الحجاب، بمختلف معتقداتهم، وفرضت عقوبات على من تُخالف ذلك، ومن تُظهر أكثر من وجهها تصل العقوبة إلى حد الجلد 70 جلدة.

التراجع الحقوقي النسوي أجبر الناشطات على إطلاق دعوات للتظاهر ورفع لافتات ضد الحجاب، كانت أبرزهن “فيدا موحد” التي دعت للثورة على النظام الإيراني وقيوده على السيدات، وأعلنت رفضها لارتداء الحجاب، وخلعته في الشارع وأطلقت هاشتاج “داختران خيبان انقلاب”، أي فتيات شارع الثورة منذ عامين.

التحرش

ربما يظن البعض أن الحجاب سيحمي الإيرانيات من حالات التحرش، التي ضربت المجتمع عقب الثورة وارتفاع معدلات الكبت الجنسي هناك، إلا أن ما حدث كان عكس المتوقع.

أستاذ علم الاجتماع الإيراني حسين ظريف، يؤكد ارتفاع نسب التحرش بعد قيام الثورة، ورغم محاولات الدولة الإيرانية التكتم عن هذه الأوضاع وعدم إيضاحها في إحصائيات رسمية حتى لا تتشوه صورة المجتمع أمام الرأي العام، خاصة أن معدلات التحرش في الحقبة البهلوية، لم تكد تذكر بسبب ضآلتها.

أما صحيفة الجارديان البريطانية، فعللت ارتفاع نسبة التحرش في المجتمع الإيراني، إلى القوانين التي تُعد سببًا رئيسيًا في ذلك، إذ تنص على أن السيدة أو الفتاة التي تتعرض للتحرش غالبًا ما تكون غير ملتزمة بالحجاب الذي يحدده القانون، ومن ثم فإن ذلك يُثير غرائز الرجال ويدفعهم للتحرش بهن-بحسب ما جاء في القانوني الإيراني-، وبالتالي فإن العقوبة ستكون حبس السيدات لعدم التزامهن بالزي الرسمي، وهو ما يجعلهن في الأغلب رافضات للإفصاح عن أي محاولات قد يتعرضن لها.

الحقوق الشخصية

ألغت الثورة الإسلامية، قانون الأسرة الذي وضعه “بهلوي” عام 1976، والذي قيد عدد الزوجات، ورفع سن الزواج للفتيات حتى 18 عام، فسعى النظام الملالي إلى تمرير قانون يمسح بزواج الفتيات دون سن الـ 13 عامًا، إلا أن الغالبية لم توافق على ذلك القانون.

وترفض السلطات، إعطاء المرأة حقوقها كاملة في العمل إلا في حالة إثبات عدم قدرة الزوج على العمل.

عقب نجاح الثورة الإيرانية، تراجعت نسبة تعليم النساء ومنعن من الحضور المنتظم للدراسة، ومنع اختلاطهن بالذكور

الحق في التعليم

ظهر التعليم الأكاديمي بإيران في الحقبة البهلوي، وسُمح لكافة النساء بالتعليم والوصول إلى مكانات مرموقة، في الدولة.

ففي بداية ولاية الشاه محمد البهلوي، بلغت نسبة الفتيات المتعلمات 8%، حتى مطلع عام 1933، عندما أقام مؤسسات تعليمة خاصة بالفتيات في طهران، ارتفعت تلك النسبة لتصل في نهاية ولايته إلى 38%، ودعمت الدولة وقتها اغتراب الفتيات داخليًا للترقي الأكاديمي عبر منح دراسية مدعومة أوروبيًا.

وعقب نجاح الثورة الإيرانية، تراجعت نسبة تعليم النساء ومنعن من الحضور المنتظم للدراسة في المدارس، ومنع اختلاطهن بالذكور، على الرغم من تحسن الوضع الحالي للفتيات في التعليم، وبلوغ نسبة المتعلمات إلى ما يقرب من 60% وحصولهن على أعلي الشهادات العلمية.

لازالت السلطات الإيرانية للنساء، تضع المرأة في إطار مهام محددة تتركز على تربية أبناءها وتقديم فروض الولاء والطاعة لزوجها، وكذلك الدراسة حتى درجة معينة وفي تخصصات مختارة مسبقًا من الحكومة.

وكالة “مهر” الفارسية، نقلت ملخص ندوة أُقيمت في العاصمة طهران وحملت عنوان “مكانة المرأة العالمية في إيران والعالم العربي”، والتي اتفقت فيه كل المداخلات والكلمات على أن الدور الرئيسي للمرأة هو تربية الأبناء من خلال ما اكتسبته من علم ومعرفة.

وصنف المنتدى الاقتصادي العالمي، في تقريره عام 2018 حول المساواة بين الرجل والمرأة، إيران في المرتبة 142 من أصل 149عالميًا، ما ينذر باستمرار تراجع دور ومكانة المرأة الإيرانية.