أثارت قضايا التغيب، جدلًا واسعًا في المملكة العربية السعودية، بعد رد دعوى تغيّب تقدم بها ولي أمر ضد ابنته، وهو ما فتح قضية المرأة داخل المجتمع السعودي بعد أن حُرمت من العديد من الحريات لسنوات عديدة، فهل استطاعت المرأة السعودية تحقيق انتصارًا جديدًا، بعد تمكنها من القيادة، والسفر خارج البلاد دون الحاجة لإذن من ولي الأمر؟

المرأة السعودية و”التغيب”

مصطلح التغيب معروف في المملكة العربية والسعودية، ويطلق على السيدة التي تترك المنزل، فيقدم ولي أمرها بلاغ تغييب للسطات الأمنية، حتى وإن كانت انتقلت لمكان معلوم للإقامة بمفردها، ولكنه يعتبر أمر مجرم وفقا للقانون السعودي، وهنا تكون العقوية القانونية إما إعادة السيدة لولي أمرها، أو اعتقالها وإيداعها في دار رعاية إصلاحية للنساء، ويكون هذا الأمر للسيدات اللاتي يرفضن العودة لمنزل ولي الأمر، ويطبق هذا مع السيدات فوق الـ21 عاما، والتي تعتبر وفقا للقانون السعودي ليست بقاصر.

إسقاط التغيب

حول إسقاط التغييب والحكم التاريخي، تحدثت وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما قضت محكمة سعودية يوم الثلاثاء، برد دعوى تغيّب تقدم بها ولي أمر ضد ابنته، الذي قال إنها تغيّبت عن البيت مرارًا وسافرت إلى الرياض دون إذنه، مطالبًا بالحكم عليها بعقوبة تعزيرية تزجرها وتردع غيرها.

لكن حكم المحكمة جاء مخالفًا لما طلبه ولي الأمر، ورأت المحكمة أن ما فعلته السيدة ليس جُرمًا شرعًا، كما أنها إمرأة عاقلة ليست بقاصر، يمكنها اختيار المكان الذي ستقيم به، ليمثل هذا الحكم جدلًا كبيرًا عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ومعارض، وتساؤلات هل يطبق هذا الأمر فيما بعد في حالات مشابهة، وهل سيضاف انتصار جديد لانتصارات المرأة السعودية، وأخذ حق جديد من حقوقها.

عبد الرحمن اللاحم، المحامي الذي حصل على الحكم بالقضية، كتب في تغريدة له: “اليوم صدر حكم تاريخي بشأن قضية تغريب، كان لنا الشرف في إدارتها، يؤكد أن استقلال المرأة العاقلة البالغة في منزل مستقل، ليست جريمة تستحق التعزيز.. أنا في غاية السعادة لهذا الحكم الذي ينهي قصص مأساوية للنساء.. تحية للسيدة التي دافعت عن حقها بالقانون”.

حكم تاريخي ولكن

وصف “اللاحم”، الحكم بالتاريخي، لكنه لم يحدد هل سيصبح تشريعًا جديدًا تسير عليه القضايا المشابهة القادمة، أم أنها درجة عادية من الحكم تحتمل الاستئناف كغيره من الأحكام، وهنا يرى المحامي السعودي خالد البابيطن، أن الحكم لا يعد تشريعا جديدا في القانون، إنما هو حكم عادي يمكن الاستئناف عليه، كما يمكن للقضاه أن يصدروا أحكاما مخالفة لها الحكم في القضايا المماثلة القادمة، ويحتاج الأمر لصدور قانون صريح يبيح للمرأة الراشدة تقرير مقر سكنها، حتى تتمكن المرأة من إضافة انتصار جديد حقيقي لانتصاراتها السابقة.

بالرغم من حصول المرأة السعودية على عدة حقوق سابقة، على رأسها الحق في قيادة السيارة، أو السفر دون إذن ولي الأمر، ولكن ما زالت أزمة الحريات وحقوق المرأة السعودية محل خلاف كبير بالمجتمع، فبعد صدور هذا الحكم انقسمن الآراء بين مؤيد ومعارض، من يرى أنه أمر هام وحق من حقوق المرأة، وآخرون يرون أن الأمر يدعو لتفريق الأسر وخراب المجتمع.

ويرى المهتمين بالشأن الحقوقي في المملكة العربية السعودية، أن بلاغات التغيب غير مناسبة للمرحلة الحالية، التي حصلت خلالها المرأة السعودية على العديد من الحقوق، فلا يصح بعد هذا التطور والوصول لنقطة جديدة من الحريات، منع المرأة العاقلة البالغة من تحديد مكان الإقامة الذي ترغب فيه، موضحين أن الأمر يتعارض مع تعديلات نظام الأحوال المدنية المتعلقة بالمرأة، التي أقرها مجلس الوزراء السعودي في 30 يوليو عام 2019، ويبرز التضارب في التعديل الذي يقر السماح للمرأة بالحصول على جواز سفر والسفر إلى الخارج دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من ولي الأمر، فكيف يمنح القضاء المرأة الحق في السفر دون إذن ولي الأمر، ويرفض إقامتها بمفردها.

سيطرة الرجال

تعديل المادة 30 من نظام الأحوال المدنية، يؤكد أن محل إقامة القاصر هو محل إقامة والده أو الوصّي عليه، وتعتبر المرأة راشدة عند بلوغ عامها الواحد والعشرين حسب القانون السعودي، لكن بلاغات التغييب التي تقدم في السيدات اللاتي تخطين هذا السن، يتعامل معاها القانون السعودي لصالح ولي الأمر.

العضوتان في لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في مجلس الشورى السعودي لطيفة الشعلان وموضي الخلف، كانت قد تقدمتا بتوصية تطالب وزارة العدل بالتوقف النهائي عن قبول بلاغ التغيب على من أتمت 21 سنة من العمر باعتبار 21 هو سن رشد المرأة، حسب التعديلات الحديثة في نظامي الأحوال ووثائق السفر.

وأشاد مسؤولون سعوديون بالحقوق الجديدة الممنوحة للنساء في المملكة العربية السعودية، والتي تعزز إنهاء نظام الولاية الذي يتعرض لانتقادات شديدة ووصفوها بأنها تاريخية، لكن ما زال بإمكان الأقارب الذكور إيجاد سُبل لسلب هذه الحريات، وعلى رأسها بلاغات التغيب.

هالة الدوسري خبيرة في شؤون حقوق المرأة السعودية، تقول إن أولياء الأمور في المملكة العربية السعودية ما زال بإمكانهم رفع قضايا النشوز والتغيب عن المنزل على النساء، وتقر الحكومة بأن عصيان الأبناء جريمة، فالجريمة الأولى عقوبتها الجلد، والثانية عقوبتها السجن، فما زال هناك سيطرة من الرجال على استقلالية المرأة.