اكتشف الإنسان الزراعة قبل 10 آلاف عام، وكان القمح هو أول المحاصيل التي تمت زراعتها من قِبل البشر خلال العصر الحجري الأول، وهو ما أدي إلى نشأة الحضارة الإنسانية وبناء القُرى والمدن حول مناطق استقرار الزراعة الرئيسية في الهلال الخصيب في العراق وحول دلتا نهر النيل في مصر، وتم اكتشاف القمح في المقابر الفرعونية منذ 3 آلاف سنة، وبسبب القمح المصري أُطلق عليها في العصر الروماني “سلة غلال الإمبراطورية”.

يُعتبر القمح، أهم مكون غذائي على مستوي العالم، ليس فقط في الطعام بل يدخل في صناعة الكثير من العلاجات والمواد الطبية، كطعام يُستخدم في صناعة الخبز الغني بمادة “الجلوتين”، والتي تجعل العجين مرنًا وتعطيه مذاقًا جيدًا، والمكرونة التي تًصنع من حبوب القمح الخشنة والأقل جودة، كما يستخدم كمكون ضمن صناعة أعلاف الحيوانات.

ويستخدم كذلك في مجال الطب، حيث تحتوي براعم القمح على الكثير من الفيتامينات ومضادات الأكسدة، وغنية بعناصر الكالسيوم والمغنيسيوم والحديد، واحتوائه على فيتامين “أ ود” يجعله عنصر أساسي في صناعة المستحضرات اللازمة للحفاظ على البشرة والشعر.

وكانت دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو قد قدرت حجم الفاقد من القمح في مصر خلال مراحل الزراعة والحصاد والتخزين والاستهلاك عام 2014  بنحو  4 ملايين طن سنويا، وهو ما يعادل نصف إنتاج مصر من القمح في نفس العام، وعملت مصر منذ ذلك الوقت علي تقليل الفاقد من محصول القمح عبر تقديم إرشادات للمزارعين لطرق الري الحديثة، واستخدام وسائل الحصاد الميكانيكية، بالإضافة إلى إنشاء عدد من الصوامع الجديدة للتخزين وفق معايير علمية تراعي مقادير الرطوبة والتهوية المطلوبة للحفاظ علي محصول القمح المصري لفترة أطول.

استيراد القمح في ظل أزمة “كورونا”

استوردت مصر احتياجاتها من القمح في عام 2019 من كبار المُنتجين العالميين، وهم روسيا وأوكرانيا ورومانيا، وبلغت واردات مصر من القمح الروسي 49% من جملة الإستيراد، بينما ساهمت أوكرانيا بنسبة 26% من واردات مصر، بالإضافة الي 10% من القمح من رومانيا، و7% من الولايات المتحدة الامريكية، و6% من فرنسا.

وانتهت فترة توريد القمح المحلي في 15 يوليو الجاري، وأعلن وزير التموين والتجارة الداخلية عن توريد 3.5 مليون طن من القمح المحلي، بالإضافة إلى استيراد ما يقارب 5 مليون طن منذ بداية العام ، بانخفاض نسبته 16.6% عن الفترة نفسها من العام الماضي، والتي بلغ الاستيراد فيها 6 ملايين طن.

واستوردت مصر هذا العام 2.35 مليون طن من القمح الروسي بنسبة 46.5% من جملة واردات مصر، بالإضافة الي 1.27 مليون طن من القمح الاوكراني بنسبة 25%، و620 ألف طن من فرنسا بنسبة 12%، و538 ألف طن من رومانيا بنسبة 10.5% من جملة وأردت مصر من القمح، مع كميات أقل من كل من إستراليا وبلغاريا وكندا، وهو ما يؤمن احتياجات مصر حتى نهاية العام من القمح.

وكانت مخاوف عالمية من تراجع توريدات الغذاء على مستوي العالم قد جعلت كبار منتجي القمح يضعون بعض القيود على تصديره لرغبة الدول المنتجة في تعزيز مخزوناتها نتيجة أزمة “فيروس كورونا”، كما حذر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة من حدوث نقص في إمدادات الحبوب على مستوي العالم بسبب القيود على التصدير، والذي قد يسبب نقصًا في المعروض منها في السوق العالمي.

إشادة دولية بإدارة مصر لقطاع الحبوب

أشادت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزارعة “الفاو” في تقرير مشترك لها مع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، بإدارة مصر لملف قطاع الحبوب، وكفاءتها في الحفاظ علي أمنها الغذائي خلال فترة “جائحة كورونا”، وارتكز التقرير علي كفاءة عمليات الفحص الصحي للحبوب، وعمليات النقل والتخزين ومراقبة الجودة، مما سمح لمصر بإدارة وارداتها الكبيرة من الحبوب بكفاءة كبيرة، مؤكدا  أهمية رغيف الخبز كمكون رئيسي ضمن النظام الغذائي للمصريين، واهتمام الدولة بتوفيره ودعم ثمنه الذي يسمح حسب التقرير للمصريين بشراء 358 رغيفا بقيمة دولار واحد.

خطة مصر المستقبلية لتأمين احتياجاتها من القمح

قدرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”، احتياجات مصر المستقبلية بـ 15 مليون طن من القمح بحلول عام 2028، لكن مصر تخطط لتحقيق طفرة في زراعة وإنتاج القمح خلال السنوات المقبلة، من خلال عدد من المشروعات، منها تحويل منطقة الوادي الجديد لسلة غذائية جديدة كما كانت في عصور مصر القديمة.

الخطة  تشمل تحويل 3 ملايين فدان في الوادي الجديد لزراعة القمح، عبر تشجيع المستثمرين بتخفيض ثمن الأراضي بنسبة 50% في حالة زراعتها بالقمح، مع تسهيل إجراءات التخصيص واستخراج تصاريح حفر الآبار وغيرها من الإجراءات، وهو ما نجح جزئيًا حتى الآن بزيادة مساحات القمح بالمحافظة من 193 ألف فدان العام الماضي إلى 300 ألف فدان هذا العام في مناطق شرق العوينات وواحة الفرافرة.

وزارة الزراعة المصرية أكدت أنها ستعمل على استخدام أصناف من القمح مناسبة للتربة الرملية وذات إنتاجية كبيرة مثل: مصر1، وجيزة 168، وسدس 14 والقمح الفرعوني، وهي أصناف تتحمل ملوحة الأرض الصحراوية وتستخدم مياه أقل من باقي الأصناف، وتعطي إنتاجية عالية للفدان، بالإضافة  إلى علاج مشكلة تكاليف النقل نتيجة تباعد المسافات بين واحات ومراكز المحافظة، من خلال طرح منظومة جديدة لتوريد القمح تساهم فيها الجمعيات الزراعية المنتشرة بالواحات، بحيث يتم التسليم في أقرب مكان مناسب للفلاح، مع سرعة صرف مستحقاته وفقا للأسعار المعلنة للتسليم دون تأخير.

 إنتاج وإستهلاك القمح في مصر

انتجت مصر ما يقارب 9 ملايين طن من القمح خلال موسم 2018-2019 بما يزيد عن مليون طن عن الموسم السابق، بينما تتوقع وزارة الزراعة إنتاج ما يقارب 9 ملايين طن في الموسم الزراعي الحالي 2019-2020، ويبلغ استهلاك مصر السنوي ما يقارب 22 مليون طن، يغطي الفارق من الإستيراد حيث تتصدر مصر دول العالم في استيراد القمح بـ 13 مليون طن خلال عام 2019 وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء.

وتؤمن وزارة التموين احتياجات مصر من الخبز البلدي، وهو مكون رئيسي في مائدة الأسرة المصرية، من خلال توريدات القمح المحلي من المزارعين والتي تقدر في المتوسط بـ 3.5 مليون طن، وهي السعة التخزينية لصوامع التخزين الحكومية، بالإضافة إلى استيراد ما يقارب 7 ملايين طن سنويًا، لإنتاج ما يقارب 270 مليون رغيف سنويا تصرف على بطاقات التموين ويستفيد منها 71 مليون مواطن.

بينما يؤمن القطاع الخاص احتياجات السوق المحلية من القمح اللازم لباقي أنواع الخبز غير المدعم وإنتاج المكرونة وغيرها من المخبوزات، من خلال شراء باقي الإنتاج المحلي من المزارعين، والاستيراد أيضًا من السوق العالمي، حيث بلغ استيراد القطاع الخاص في مصر 6 ملايين طن في العام الماضي، لتكون مصر أكبر مستورد للقمح في العالم.

موسم القمح العالمي هذا العام

كانت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” في تقرير حديث قد غيرت توقعاتها من انخفاض إنتاج القمح هذا العام  إلى الزيادة بمقدار 3.2 مليون طن عن العام الماضي، بعد إعلان أرقام الإنتاج الفعلية في الدول المنتجة، حيث بلغ الناتج العالمي 761.5 مليون طن.

تحققت الزيادة بسبب ارتفاع إنتاج القمح في استراليا بزيادة قدرها 5.5 مليون طن، وزيادة في محصول القمح الهندي بلغت 2.2 مليون طن، وارتفاع إنتاج روسيا من القمح 2 مليون طن بسبب وفرة الأمطار هذا العام والظروف المناخية المواتية، والتي ربما كان سببها توقف النشاط الصناعي لعدة أشهر وما صاحبة من تقليل نسب التلوث وتحسن حالة الطقس، وتعوض هذه الزيادة في الإنتاج تراجع الإنتاج في دول الاتحاد الأوروبي والذي بلغ 5.5 مليون طن هذا العام.

كما كشفت عن تراجع الاستخدام للقمح خلال فترة أزمة كورونا بنسبة 1.2% وهو ما تحقق في مصر أيضا، حيث أكد هشام أبو الذهب، عضو مجلس إدارة الغرف التجارية، أن هناك انخفاض ملحوظ في نسبة استهلاك الدقيق الأبيض ، مؤكدًا أن هذا التراجع في الاستهلاك يُقدر بنسبة تتراوح ما بين 30 إلى 40%، وأكد ذلك أيضًا دكتور “نادر نور الدين” أستاذ الزراعة بجامعة القاهرة ومستشار وزير التموين الأسبق، الذي كشف أن استهلاك السوق المصرية من الغذاء بما تراجع بما يقارب 50% عما قبل كورونا بسبب اغلاق المدارس والكثير من الأنشطة التجارية والسياحية.