“ليه سامحته ليه، بالسهولة دي، مش هسيبهم يتهنوا فيه مليارات ياقوت، مش هسيبهم، سامحته وهو خطاء وأنا اللي غلط غلطة واحدة مش بتسامحنى، هو المخلوق من طين، وأنا الذكي والمتعلم، أنا المخلوق من نار أنا أحسن منه، أنا اللي عبدتك قبله، أنا الأول”، كان هذا الحوار بين “ونوس”، الشيطان والله، في مشهد النهاية من مسلسل “ونوس”، الذي قام ببطولته الفنان يحيى الفخراني، وقدم فيه واحدة من أهم الحوارات التي دارت في الأعمال الفنية مع الله.

لكل شخص جانبه الإيماني الخاص الذي يتمتع به، وهذا الجانب غالبًا ما يكون من المحرمات بالنسبة لأي إنسان أن يتناقش بها، فما بالك أن يناقش هذا الجانب على الشاشة وأن يتم عرض أنماط متعددة ومختلفة لشخصيات من الجانب الديني، وعرض علاقتها مع ربها مع اختلاف الديانات، فذا أمر صعب إلى حد ما وخاصة في مجتمع “متدين بطبعه”، كما يقال عنه في مصر، ولكن الأمر الأصعب من ذلك هو أن تقوم بمحاكاة الله على الشاشة، وأن يقوم صناع عمل فني بعرض العلاقة الخاصة جدًا بين الإنسان وهواجسه مع ربه، فمن منا لم يسأل الله يومًا عن الجنة والنار، وحقيقة وجودهم، أو يحدثه في خلوته عن سبب ما يعانيه في الحياة، أو يطلب منه أن يغفر له لأنه يخشى عذاب الآخرة، جميعها أسئلة مشروعة، ولكن أن تواجه كم هذه التساؤلات على الشاشة في مواجهة صريحة مع النفس.

أفلام حاكت وجود الله

كان المؤلف والمخرج رأفت الميهي من أصحاب طرح الأفكار الجريئة خلال ما قدمه من أعمال فنية، وكان من هذه الأعمال فيلم “تفاحه”، الذي تم عرضه عام 1997، وشارك به ماجد المصري وليلى علوي وعلاء ولي الدين وماجده الخطيب وعلي حسنين.

ناقش الفيلم وجود الله بطريقة مقنعة حتى يهرب من مقص الرقيب الفني والديني معًا، فقدم شخصية راوي الحكايات، علي حسنين، على أنه خالقها، وليس راويها فقط، ليهاجمه أبطال العمل، من خلال مشاهد الفيلم، ويتهمونه بتجاهلهم فيما يتعرضون له من مشكلات، وأنه لم يهتم لآلمهما، وكانت هذه رؤية جريئة منه في طرح علاقة الإنسان بربه، وعرض تساؤلات مثل هذه على الشاشة.

وبعد هذا العمل لم يتطرق أحد إلى مناقشة وجود الله وعلاقته بمعبوده، ليبدأ المخرج خالد يوسف بإعادة البحث في هذه القضية وطرحها على الشاشة من خلال فيلم “الريس عمر حرب”، الذي لاقى العديد من الانتقادات حول “الريس عمر” الذي جسد صورة الآلة الذي وضع قوانين الدنيا “الكازينو”، وكان من أهم الحوارات التي جاءت على لسان الفنان خالد صالح الذي جسد دور “الريس عمر”، “أنا كنت عارف إن قانون الكازينو ظالم، مش حتستحملوا، وحتتمرد عليه، أنا اللي حاطه أصلي! عملته زي المصفى، اللي يعدي منه يبقى مكسور الكبرياء، واللي يرفض يا يطلع بره يا يبقى زيّك، يعني خالد أنا من أول ما شفتك لمحت فيك موهبة، وقررت أنميها، بس زي ما أديك الموهبة، ممكن أخدها منك تاني، أنت مصلحتك معايا، أنا المدير الحقيقي للمكان، أنا مدير كل الموظفين والفاسدين؛ الاثنين! ومش عايز الكل فاسدين، غلط، مش في مصلحتي حتى! بس إذا قررت إنك تبقى فاسد، ما ينفعش ترجع تبقى بريء، اللي يأكل من الشجرة، ما ينفعش يبقى بريء، كبرت؟ عايز تلعب؟ العب، بس تحت إيدي، حتخرج عن الحدود؛ حسحقك، اللي اتعود يبقى إله، ما ينفعش تاني يبقى عبد، … أنا عادل أوي يا خالد، حتى مع أعدائي”.

واجه هذا العمل الكثير من العدائية بسبب اقترابه من المناطق المحظورة، وخاصة في توقيت كان عضد الجهات السلفية الإسلامية به على أشدها، وكانت تؤثر في مساحة كبيرة من الآراء العامة، الذين اعتبروا أن تقديم عمل كهذا يوصل للكفر.

وشارك في فيلم “الريس عمر حرب” خالد صالح وهاني سلامة وسمية الخشاب وغادة عبد الرازق ومن تأليف هاني فوزي.

ليصر المؤلف هاني فوزي بالاشتراك هذه المرة مع شقيقه المخرج أسامه فوزي، على طرح تساؤلات العلاقة بين الإنسان وربه، والتي تبدو بسيطة ولكنها معقدة تشوبها الكثير من الحيرة، بتقديمه فيلم “بالألوان الطبيعية” عام 2009، ليناقش من خلاله تساؤلات الإنسان حول وجود الجنة والنار، وعلاقة الإنسان وربه، واللغة الحوارية بينهما، وكان هذا أيضًا يحمل لغة جريئة في الطرح السينمائي.

وجود الله في المسيحية

“هل لو مفيش جنة ولا نار كنت خفت؟!، أنا معرفكش وكل اللي بتكلموا عنك ميعرفوكش، كل اللي يعرفوه أن طقوس الكنيسة أهم، دول الثواب والعقاب، ودول الخلاص الأعظم وكلنا بتفق في حاجة بس إننا بنتكلم عنك ومنعرفكش، أنا بعترف وبصوم وبصلي لكن مبحبكش.. أنا دايمًا خايف منك.. نفسي أحبك”.. كان هذا أحد مشاهد فيلم “بحب السيما”، وهو حوار بين بطل العمل محمود حميدة، وبين الله، وذلك بعد أن اكتشف أنه يخشى الله ولا يحبه، كما أنه جعل حياة كل من حوله صورة للعذاب والخوف من الله، ليضطر نجله في أحد المشاهد يحادث الله قائلًا: “أنت معندكش غير جنة ونار”.

كان هذا العمل صدام واضح ودخول في عش الدبابير، من المؤلف هاني فوزي وشقيقه المخرج أسامه فوزي، ليواجها الكنيسة التي ترفض أن يؤتى باسم أسرة مسيحية حتى بالأعمال الفنية، إلا في أضيق الحدود، ليقدم صناع العمل، حياة أسرة مسيحية متشددة دينيًا وكيف تقوم علاقتها بالله، وكيف أن هذا التشدد قاد البعض إلى ارتكاب الخطايا.

قدم محمود حميدة من خلال هذا الدور العديد من الحوارات بينه وبين الله، وكيف أنه شخص متشدد، ويخاف الله فقط خوفًا من العقاب والحساب ورغبة في أن يرى الخير في الجنة.

النظرة الإلحادية

لم يستطع أحد الخوض في هذه المسألة الشائكة وعرضها على الشاشة إلا الفنان نور الشريف الذي قدم 6عدد من الأفلام ظهر بهم على أنه شخص ملحد، لا يؤمن بوجود الله، كان على رأس هذه الأفلام “الأخوة الأعداء”، الذي كان من أشهر عباراته” إذا لم يكن الله موجود فكل شيء مباح”، والذي تأكد خلال أحداث الفيلم من وجود الله.

وقد أيضًا، فيلم ” قلب الليل” مع الكاتب نجيب محفوظ والمخرج عاطف الطيب، والذي ناقش خلاله صراع الإنسان وربه، وما تحمله هذه العلاقة من فلسفة حاول نجيب محفوظ طرحها من خلال العمل، والذي لم يكن الأول الذي يقدم بها شخصية الملحد وقد طرحها مرة آخري مع نور الشريف أيضًا من خلال شخصية “كمال” في آخر فصول الثلاثية وهو “السكرية”.

الهروب من الرقابة

وعن نوعية هذه الأعمال قال الناقد طارق الشناوي، دائمًا تقديم نوعية من هذه الأفلام والتي يجسد بعضها وجود الله أو يتم محاكاته فيها بطريقة يعتبرها البعض تطاول على الله، مهما كانت الديانة المقدمة، فهو أمر صعب، وخاصة أننا نعيش في مجتمع أغلب مشاهديه يتحدثون باسم الله، كما وضحت الأعمال.

وأضاف “الشناوي” أن هذه النوعية من الأعمال تحتاج إلى جرأة من القائمين عليها، ودقة في اختيار الحوار والتفاصيل، وهذا ما نجح به كل من أقدم على هذه الأعمال مثل هاني فوزي، الذي يعد من أمهر من لعب في هذه المنطقة. وأوضح، أن الهروب من الرقابة الدينية الموضوعة على المجتمع يصعب إنتاج الكثير من هذه الأعمال الفكرية، والتي تجعل القائمين عليها يلجئون للرمزية مثل المخرج رأفت الميهي.