العمالة غير المنتظمة، تلك الأزمة التي تُعاني منها مصر على مدار السنوات الماضية، وجاء انتشار فيروس كورونا المُستجد ليُزيد من معاناة العديد من المواطنين، حيث تسبب في غلق العديد من الشركات والمُنشآت الصناعية، واضطر بعضها على تقليل عدد العاملين بها.
وبعد أن خسر هؤلاء الأشخاص وظائفهم لجأوا للتحايل على الحياة لكسب أقوات يومهم، فلجأ العديد منهم إلى العمل كبائع متجول على الأرصفة أو داخل عربات المترو، وسط تهديدات عدة حيث الملاحقات الأمنية لعدم تقنين أوضاعهم كعمالة غير منتظمة
أكل العيش
في محيط ميدان المنيب، بالقرب من محطة المترو، يقف شابًا في الثلاثين من عمره، حاملًا حقيبة في يده، تظهر عليه علامات الخوف والارتباك، يحاول الترويج لبضاعته إلا أن الكلمات تخرج من فمه بصعوبة بالغة، وكأنه يفعل ذلك لأول مرة.
“أحمد مصطفى”، الذي يعمل بائعًا متجولًا داخل عربات المترو، بعد أن كان يعمل في إحدى الشركات الخاصة قبل أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، يقول أحمد “أنا متزوج ولدي طفلين، وهذا لم يجعل أمامي خيار آخر حيث قلصت الشركة من عملها واستغنت عن عدد كبير من العاملين بها، لذلك لجأت إلى الانتشار بين الباعة الجائلين محاولة في قوت أولادي”.
يؤكد “أحمد”، أنه يعرف العديد من النماذج التي أقدمت على العمل وسط الباعة الجائلين، حتى أن كل المواطنين يمكنهم ملاحظة تزايد أعداد الباعة في الشوارع خلال الفترة السابقة، وذلك بسبب لجوء كل من فقد عمله إلى الشارع كحل بديل.
ويؤكد محمد يوسف، أحد الباعة الجائلين في ميدان العتبة، أن أعداد الباعة الجائلين زادت بشكل كبير خلال الفترة الماضية، وتنوعت المُستلزمات حيث تتناسب مع الوضع الحالي واحتياجات الجمهور من كمامات وقفازات وغيرها من المستلزمات الطبية.
وبسؤال “يوسف” للوافدين الجدد على الأسواق تبين أنهم فقدوا وظائفهم، بسبب إما تخفيض العمالة، أو إغلاق بعض الشركات عقب تعرضها لضائقة مالية أثرت على استمراريتها، لكنهم يعانون من أزمات بسبب عدم تقنين أوضاعهم، ومنهم من يخسر بضاعته وتحرر ضده العديد من المحاضر.
أسعار مخفضة
يعتبر البعض، وجود الباعة الجائلين مهمًا لمحدودي الدخل، نظرًا لتدهور الحالة الاقتصادية، حيث تتوفر لدى بائعي الشارع كافة الأشياء بأسعار مخفضة عن المحلات وغيرها، تقول “أمنية محمود”، من حي الظاهر، إنها تلجأ دائمًا للأسواق الشعبية والباعة الجائلين.
وتُضيف أمنية محمود: ” نضطر لذلك بسبب الأسعار المُخفضة لدى الباعة الجائلين، والتي تتناسب مع الحالة الاقتصادية، كما أنهم يوفرون كافة المستلزمات التي نحتاج إليها”.
خسائر الدولة الاقتصادية
الخبير الاقتصادي إبراهيم المناسترلي، يؤكد أن أزمة العمالة غير المنتظمة انتشرت بشكل واضح على مدار السنوات الماضية، وتأكد ذلك من خلال إحصائيات العمالة غير المنتظمة التي أشارت إلى أن عددهم وصل لـ6 مليون تقريبًا، لافتًا إلى أن أزمة فيروس كورونا أضافت إليهم العديد من المواطنين.
ويوضح المانسترلي، أن معظم الفئات التي فقدت وظائفها بشكل أو بأخر تتجه للأسواق الشعبية ولمهنة الباعة الجائلين، نظرًا لأن شكلهم يعتبر غير حضاري، بالإضافة إلى تربحهم دون أي التزامات ضريبية، بالإضافة إلى عدم وجود أي رقابة على بضائعهم، فعلى الدولة أن تقنن أوضاعهم، وتخصص أماكن لهم ويحددون لهم ضرائب.
حلول بديلة
وعن آلية الدولة لمواجهة تضخم العمالة غير المنتظمة، يقول الدكتور علي الإدريسي أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية لعلوم التكنولوجيا والنقل البحري، إنه يجب تسهيل التراخيص للباعة الجائلين، بالإضافة إلى توفير أماكن الباعة الجائلين لتتحول إلى أسواق منظمة.
ويُضيف الإدريسي، أنه لضمان نجاح مشروع تقنين أوضاع الباعة الجائلين فيجب استمرار تقديم مساعدات مالية، خاصة في الوضع الحالي الذي تمر به البلاد، في ظل تداعيات فيروس كورونا، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة بيانات يسجل فيها الخبرة الفنية والبيانات الشخصية والمهارات المهنية لكل عامل خسر عمله، مع تقسيمها حسب نوع القطاع الصناعي.
وأشارت هالة السعيد وزيرة التخطيط، خلال الاجتماع الأول لمجموعة العمل الخاصة بالاستراتيجية الوطنية للتعامل مع العمالة غير المنتظمة، إلى أنه يتم الحصر الدقيق لأعداد العمالة غير المنتظمة ل تدريب بعضهم، أو إجراء تدريبات تحويلية للبعض الآخر وتشغيل بشكل مباشر في المشروعات المختلفة، وذلك بعد نهاية الأشهر الثلاثة الخاصة بمنحة العمالة غير المنتظمة.