عُرف السكر منذ الألف الثامن قبل الميلاد في جنوب شرق آسيا علي أنه علاج لبعض الأمراض، وعرفه العرب عبر خطوط التجارة مع الشرق ونقلوا زراعته إلى الشرق الأوسط، قبل أن يحمله “الفرسان الصليبيون” إلى أوروبا تحت اسم “الملح الحلو” واصفين إياه بأنه أهم السلع لفوائده لحياة الإنسان وصحته.

اعتبر السكر لآلاف السنين مستحضر علاجي لبعض الأمراض، ولم يتوفر لعموم البشر إلا بعد اكتشاف أمريكا، وتوسع زراعته في أمريكا اللاتينية علي يد المستعمرين الأوروبيين، والتي كانت سببا للتوسع الكبير في تجارة العبيد لاحتياج مزارع السكر لهم، بل وساهمت زارعة قصب السكر اللازم لإنتاجه في تشكيل دول ونشوب حروب طويلة في التاريخ الإنساني.

وأدخل نابليون، صناعة السكر من البنجر لمواجهة سيطرة البريطانيون على زراعة قصب السكر في القارة الأمريكية، حيث تتميز البنجر بعدم الحاجة إلى الأجواء الاستوائية الحارة وإمكانية زراعته في مناطق معتدلة او تميل للبرودة.

عرفت مصر السكر في عصر محمد علي بإنشاء أول مصنع لاستخراج السكر الخام من القصب في ملوي بالمنيا، وتوالي إنشاء المصانع في عصر خلفاء محمد علي، لكن أول مصنع تكرير لإنتاج السكر الأبيض هو مصنع الحوامدية، والذي أنشأ عام 1881 تحت أسم “شركة التكرير المصرية”.

كورونا والسكر.. وفرة في الإنتاج ونقص في الاستهلاك

نجح وباء كورونا فيما فشلت فيه منظمة الصحة العالمية على مر عقود، والتي أوصت دائما بتخفيض استهلاك السكر للفرد إلى ما دون 25 جرام يوميا، وللمرة الأولي منذ 40 سنة يتراجع استهلاك السكر عالميا بسبب إجراءات الإغلاق العام في أغلب دول العالم، ويدخل السكر ضمن تركيبة 80% من الأطعمة اليوم، ويمثل 20% من السعرات الحرارية المستهلكة في جميع أنحاء العالم، وهو ضعف ما توصي به منظمة الصحة العالمية. كما يحتل السكر مكانة بارزة في النظام الغذائي العالمي، مما يؤثر بشكل عام على جميع الطبقات الاجتماعية والبلدان.

وفقًا لتقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة بلغ إنتاج العالم من السكر 174 مليون طن خلال موسم 2019-2020، بانخفاض 5 ملايين طن عن الموسم السابق نتيجة تراجع الإنتاج في الهند ثاني أكبر منتج له في العالم بـ 28 مليون طن، بينما تتصدر البرازيل منتجي السكر عالميا بـ 35 مليون طن، والاتحاد الأوروبي ثالث أكبر المنتجين بقيمة 16 مليون طن سنويا.

ورغم تراجع الإنتاج إلا أن الانخفاض في استهلاك السكر عالميا نتيجة حالة الإغلاق العام والتي استمرت أكثر من 4 أشهر هذا العام بسبب وباء كورونا عوضت جزء من تخفيض الإنتاج لتصل الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج لـ 6 ملايين طن للمرة الأولى منذ سنين، سيتم تعويضها من توجيه جزء أكبر من إنتاج البرازيل لقصب السكر نحو صناعة السكر بدلا من صناعة الميثانول.

إنتاج واستهلاك مصر من السكر

تنتج مصر 2.3 مليون طن من السكر سنويًا، منها مليون طن من قصب السكر و1.3 مليون طن من البنجر، بينما يصل الاستهلاك إلى 3 ملايين طن سنويًا، ويغطي استيراد هيئة السلع التموينية والقطاع الخاص الفجوة باستيراد ما يقارب 700 ألف طن سنويًا، وتستعد مصر لسد تلك الفجوة عام 2021 بافتتاح أكبر مصنع لإنتاج السكر من البنجر، قد يوفر ما يقارب مليار دولار فاتورة استيراد السكر سنويًا.

 إنشاء أكبر مصنع سكر مصري بالتعاون مع الإمارات

تقوم مصر بالتعاون مع دولة الإمارات بإنشاء أكبر مصنع سكر في العالم باستثمار يقدر بنحو مليار دولار في غرب المنيا لإنتاج ما يزيد عن 900 ألف طن سنويًا.

ومن المقرر أن ينتج المصنع نحو 216 ألف طن من لب البنجر و243 ألف طن “مولاس” سنويا، بجانب إنتاج السكر الأبيض، ومن المقرر أن يكون هذا المشروع على رأس أعمال شركة القناة للسكر، وهي مشروع لشركة الخليج للسكر الإماراتية، شركة مساهمة مصرية تتوزع على النحو التالي: “37% لجمال عزيز رجل الأعمال الإماراتي، و33% لشركة موربان إنرجي الإماراتية، أي أن الامارات تمتلك 70% من أسهم الشركة، بينما تمتلك شركة الأهلي كابيتال التابعة للبنك الأهلي المصرية 30% من الأسهم”.

ومن المقرر أن يتم البدء في إنشاء المصنع في أكتوبر/تشرين الأول 2020، ويبدأ الإنتاج في فبراير/شباط 2021، والمصنع سيتيح واردات ثانوية تم تقديرها بنحو 900 مليون دولار، ويُعد المصنع المرتقب إنشاؤه أكبر مشاريع مصر الصناعية منذ عام 1952 حتى الآن.

موسم السكر 2020 في مصر

تقدر وزارة الزراعة المساحات المزروعة بقصب السكر خلال الموسم الحالي ب نحو340 ألف فدان، تنتج 9 ملايين طن من قصب السكر لإنتاج مليون طن من السكر، بينما تراجعت المساحات المزروعة بالبنجر إلى 520 ألف فدان بدلا من 600 ألف خلال الموسم الماضي، وهي تكفي لإنتاج مليون ونصف طن من السكر هذا العام.

وكانت مصر قد واجهت أزمة في عام 2017 بسبب نقص المعروض منه، وهو ما استدعي تدخل عاجل لتوفير تلك السلعة الاستراتيجية عبر تنفيذ توجيه رئيس الجمهورية بضرورة الحفاظ على مخزون كبير من السلع الاستراتيجية يكفي الاستهلاك المحلي لعدة شهور.

تواكب مع ذلك تطوير وتحديث لمصانع إنتاج السكر في مصر باستخدام أحدث التكنولوجيا العالمية في هذا المجال لرفع الكفاءة الإنتاجية لها، مثل مصنع شركة الدلتا للسكر في كفر الشيخ والذي ارتفعت قدرته التشغيلية من 14 ألف طن بنجر الي 20 ألف طن يوميا.

وكشف البنك المركزي عن ارتفاع واردات مصر من السكر خلال الربع الثاني من هذا العام الي 62.7 مليون دولار مقابل 21.7 مليون دولار لنفس الفترة من العام الماضي، وتواكب هذا الارتفاع في الاستيراد، والذي كان تنفيذا لتعاقدات سبقت تصاعد أزمة فيروس كورونا، وما صاحبها من انخفاض كبير في الاستهلاك نتيجة إغلاق المقاهي ومؤسسات الأعمال وفرض حظر التجول لفترات من اليوم، مما إدي لارتفاع المخزون من السكر الي 1.1 مليون طن بخلاف الكميات المستوردة كخام.

ومع تراجع أسعار السكر عالميا لأقل من النصف، أصدرت الحكومة قرارا بوقف الاستيراد وفرض رسوم إغراق على السكر المستورد للحفاظ على سعره في السوق المحلي، بما يقلل من خسائر شركات السكر المصرية نتيجة ارتفاع كلفة الإنتاج بسبب تسعير الدولة لتوريد قصب السكر والبنجر بسعر مناسب لتحقيق ربحا مجزيا للفلاحين.

أزمات تحول بين الاكتفاء الذاتي من السكر

حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين أكد أن السكر المستورد يصل إلى مصر بسعر أقل من المنتج المحلي، وهذا يرجع إلى عدة أسباب على رأسها سياسات الدول المنتجة التي تعتمد على دعم الزراعات السكرية من تسهيلات في القروض وتوفير ماكينات حديثة تقلل التكلفة على الفلاح، بينما الدعم الحكومة في مصر للفلاح يكاد لا يتجاوز سعر السماد.

وأضاف “أبو صدام” أن السكر المحلى يُباع بـ 720 جنيه للطن، ورغم القيام بفرض رسوم الإغراق على السكر لنحو ثلاث أشهر إلا أن الخوف يتمثل فيما بعد انتهاء هذه المدة لأن المنتج المحلى بالفعل معرض للخطر والمنافسة الغير عادلة مع المنتج المستورد.

وعن إمكانية مساهمة مصنع المنيا المرتقب افتتاحه في تحقيق اكتفاء ذاتي لمصر من السكر، أكد نقيب الفلاحين إن الأزمة أكبر من وجود المصنع فالزراعة نفسها مهددة نتيجة صدور قرار بعدم زيادة المساحات المزروعة من القصب، والتي تُقدر بنحو 365 ألف فدان في الوجه القبلي “من المنيا لأسوان”، فضلا عن الاعتماد على الزراعة بالتنقيط بدلا من الغمر بالمياه في المناطق الصحراوية، مشيرا إلى أنه يتوقع تقليل الفجوة بين الاحتياج المحلى والإنتاج، ولكن الاكتفاء الذاتي صعب في ظل الظروف الراهنة والأمر ليس مرتبط بالسكر وحده ولكن في أغلب الزراعات الاستراتيجية.

انهيار أسعار السكر عالميا بسبب النفط

تستخدم البرازيل جزء كبير من محصول قصب السكر لإنتاج الميثانول المستخدم كبديل للوقود في السيارات وتنتج منه أكثر من مليار لتر سنويا، وبعد انخفاض أسعار النفط بنسبة كبيرة خلال هذا العام ليصبح استخدامه أكثر اقتصادية من الميثانول، تراجع انتاج البرازيل منه وتوجه جزء كبير من محصول البرازيل لقصب السكر هذا العام نحو انتاج السكر مما ادي لانهيار أسعاره عالميا إلى ما دون النصف من سعره عام 2019.

  تحذير.. السكر موجود في كل شيء

يتوافر السكر في أغلب الأطعمة دون وعي من يتناولها، فالسكر كمادة كربوهيدراتية يتوفر في الفشار بنسب كبيرة تصل الي 140 جرام في عبوة متوسطة منه، كما يحتوي الكاتشب علي مقدار أربعة جرامات من السكر في الملعقة الصغيرة، أما المياه الغازية الصغيرة 300 مليجرام فتحتوي علي 40 جرام من السكر، وتستخدم بعض الشركات العالمية كميات من السكر تعادل استخدام دول بأكملها، فشركة كوكا كولا تستخدم سنويا 5 ملايين طن من السكر، وهو ما يعادل استخدام روسيا منه، كما تستهلك شركة نستلة 1.25 مليون طن سنويا أي ما يعادل ربع استخدام مصر من السكر رغم أن مصر هي عاشر دولة في استخدام السكر عالميا، وكشفت نتائج دراسة الأمريكية أن “إدمان استهلاك السكر ثمانية أضعاف إدمان مادة الكوكايين”.