ظلت الستينية “هانم عطية”، لمدة 4 ساعات كاملة، تنتظر بتلهف أن ينادي موظف البنك الحكومي الذي تتعامل معه لحل مشكلة تلف بطاقة الصراف الآلي الخاصة بها، قبل أن تفاجئ به ينبه الجميع بأن نظام الحاسب الآلي توقف عن العمل قائلًا: “السيستم وقع”.
تلقت المرأة الخبر كالصدمة، ففي الماضي كان الحضور مجددًا للبنك لا يمثل مشكلة بالنسبة لها، لكن بعد كورونا تغير الأمر 180 درجة مع اضطرار العملاء للجلوس في الخارج أمام باب فروع البنوك لساعات، فلا يسمح إلا بدخول عدد محدود من العملاء تحاشياً للعدوى.
تقول المرأة، إن تكرار الذهاب للبنك يعني ارتداء كمامة لساعات طويلة رغم معاناتها من مشاكل في الصدر، والانتظار في درجات الحرارة المرتفعة وسط صخب الشارع وتكدس المارة، وربما يتكرر الأمر مجددًا ويسقط “السيستم” مجددًا فتعيد الأمر مرة تلو الأخرى.
تتنافي تلك المشكلات مع سعي الدولة لتعزيز ثقافة “الشمول المالي”، تيسير إجراءات المعاملات المصرفية بكافة أشكالها، وجذب الفئات التي لا يوجد لديها تعاملات بنكية، من خلال ابتكار منتجات مالية جديدة تعتمد على الادخار والتأمين ووسائل الدفع وليس فقط على الإقراض والتمويل.
المحافظ الإلكترونية
يقول أحمد قورة، رئيس البنك الوطني المصري سابقًا، إن المشكلة تفاقمت مع الزياد الكبيرة في المحافظ الإلكترونية والتوسع في خدمات الانترنت بانكنج التي زادت من الضغط على برامج تشغيل بعض البنوك، وقصور بعض العاملين في أقسام التكنولوجيا داخلها وعدم تعاطيهم السريع مع الأعطال فور حدوثها.
في آخر إحصائية رسمية (حتى منتصف مارس 2020)، سجلت المحافظ الإلكترونية في البنوك ارتفاعًا بنحو 1.5 مليون محفظة إلكترونية، ليبلغ إجمالي عددها نحو 15 مليونا مقابل 13.5 مليون بنهاية يونيو 2019، بينما تؤكد إحصائية رسمية أن 36% يستخدمون الحسابات المصرفية يقدمون عليها فقط لإتمام عمليات المدفوعات الأساسية كالكهرباء وخدمات شحن المحمول.
ولا يزيد عدد المتعاملين مع القطاع المصرفي بمصر عن 35% من إجمالي عدد السكان، لكنها تعتبر من الدول شديدة الارتفاع في كثافة أعداد البشر المتعاملين مع البنوك، فإجمالي عدد فروع الـ 38 بنكًا العاملة بالسوق المصرية تصل إلى 4365 فرعا، ما يجعل حصة الواحد منها من المواطنين تقدر بنحو 23 ألف عميل مقابل 4200 في أمريكا على سبيل المثال.
يقول “قورة”، إن مشكلة سقوط السيستم مزمنة ليس في القطاع المصرفي ولكن في المعاملات المالية والنقدية في كثير من الجهات الحكومية، والتي لا يمكن حلها إلا بتأهيل العنصر البشري أولا، فهو المتحكم في المنظومة ومهما تطورت سيظل عليه العبء الأساسي في التعاطي معها.
وتمتلك مصر بنية جيدة من ناحية الأجهزة والمستلزمات “الهارد وير” لكن تتعلق المشكلة دائمًا ببرامج السوفت وير” القديمة التي يتم التعامل معها وتثير مشاكل فيما يعلق بالضغط الكبير أثناء التشغيل، وعدم امتلاك موظفي خدمات التعهيد بمرونة مع الأعطال أو بطريقة شبيهة بما يحدث في شركات الاتصالات.
مكاتب البريد
وتتكرر المشكلة ذاتها في تعاملات المواطنين مع التعاطي مع مكاتب البريد، التي قد يتعرض بعضها للإغلاق بصورة شبه جماعية في مدينة واحدة دون لحجة المشكلات التقنية أيضاً في أوقات شديدة الأهمية، كما حدث أثناء صرف منحة العمالة غير المنتظمة.
يمكن أن تحدث المشكلات التقنية في غالبية دول العالم، لكن الإشكالية في المعدل الزمني لتكرارها، الوقت اللازم لحلها، والمدى الزمني لإجراء الخدمة في الفرع، دون الحاجة إلى كم كبير من الموافقات الكتابية، ومدة الاحتياج إلى التوجه من البنوك في الأساس.
تتيح البنوك الأمريكية على سبيل المثال لعملائها من المصريين أن يضاعفوا الحد الائتماني لكارت الائتمان الخاص في دقيقتين اثنتين فقط عبر الهاتف المحمول ومن مصر، لكن في الأمر يتطلب الأمر زيارة الفرع لتدوين البيانات الشخصية الخاصة به وتعبئة طلب وإرفاق صورة بطاقة الرقم القومي، وإيصال مرافق ومفردات الراتب الشهري من جهة العمل.
بطاقات التموين
لا تخلو صرف المقررات التموينية من المشكلات ذاتها، رغم شكاوى التجار من المشكلة ونشوب مشاجرات مع المواطن الذي يفاجئ بعدم تسجيل بطاقاته أي صرف للخبز طوال الشهر بسبب مشكلات “السيستم”، ما يهدد بحرمان صرف حصته من “فروق الخبز”.
يضطر بعد بدالي التموين إلى صرف مقررات التموينية للمواطنين بدفتر ورقي لديه وإجبارهم على ترك بطاقاتهم لإعادة إدخالها في ماكينات الصرف في اليوم التالي بسبب مشكلات وقوع السيستم المستمرة التي تصل إلى ثلاثة مرات في اليوم الواحد خلال أوقات الذروة.
شبكات الانترنت
ووعدت وزارة الاتصالات بإنفاق 6 مليارات جنيه، لتعزيز شبكات الإنترنت، والقضاء على مقولة ” السيستم واقع”، معتبرة أن ضمان جودة الخدمات وسرعتها، أهم أهداف الوزارة في الوقت الحالي، لكن تبدو لا يبدو أن الأمر سهلاُ في ظل تعرض السنترالات التابعة للوزارة ذاتها من الوقوع أثناء سداد فواتير الاتصالات والإنترنت.
يقول النائب أحمد زيدان، أمين سر لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إن مشكلة سقوط السيستم ستختفي في ظل دعم الاستثمار في مجال الانترنت وتكنولوجيا المعلومات الذي تجاوز 1.6 مليار دولار، وتغيير شبكات الاتصالات من النحاسية إلى الألياف الضوئية “فايبر”، وتطوير مكاتب البريد وتأدية الخدمات.
ويؤكد وزير الاتصالات عمرو طلعت، في تصريحات صحفية، الأمر ذاته، معتبرًا أن كافة الجهات الحكومية أصبحت مربوطة بكابلات “فايبر”، وبالتالي لا يمكن أن يتعطل السيستم، مضيفا: “الموظف اللي يقول السيستم واقع متصدقوش”.
لكن خبراء اتصالات يرون أن بطء الانترنت ليس السبب الوحيد لمشكلات سقوط السيستم، التي ترجع إلى ثلاثة مشكلات رئيسية من بينها وجود خطأ تكويدي في البرنامج ذاته وهو أمر غير شائع، أو وجود عيوب بالبرمجة تتسبب في تلقي عدد من العمليات الإلكترونية المتزامنة والمتنافرة ما يصيب النظام التشغيلي بالتوقف، أو افتقاد نظم حماية قوية تجعلها في مرمى القرصنة.
وقال مسئول بوزارة الاتصالات، رفض ذكر إن ما يقصده الوزير نوع واحد فقط من أسباب تعطل السيستم يتعلق بعدم قدرة شبكة التشغيل على تحمل ضغط البيانات التي يتم إدخالها إليها ما يؤدي لبطء التشغيل.
ويقول المصدر إن الحل الأمثل هو استحداث نظام تشغيل احتياطي جاهز للعمل كبديل فوري، وتدريب الموظفين على سرعة التعاطي مع المشكلة والقدرة على التحرك السريع لتشغيل البدائل ومعالجة النظام الأصلي والقدرة على اكتشاف الثغرات باستمرار لتحاشي تعرضه للاختراق.