“عالم بياكل في عالم جعان، وريحة خيانة في جو المكان، مخطط خيانة مع الأمريكان”، إنه ليس مجرد هتاف، هذا تقرير موجز عن حال مصر، وصف دقيق لأزماتها، لمعاناة طبقاتها الشعبية، وانتهاك حقوق أبنائها، تحليل لوضع سياسي لحقبة جديدة من تاريخ البلاد، تضع مصائرها في يد “نيكسون بابا بتاع الووتر جيت” وصديقهم العزيز “كارتر”.
لا يزال الهتاف الشهير “عالم بياكل في عالم جعان” للمحامي الحقوقي أمير سالم، والذي زلزل لسنوات، حرم جامعة عين شمس، خلال حقبة السبعينيات، يرن في آذان وقلوب رفاق الطريق الطويل وشركاء حلمه بالحرية والعدالة الاجتماعية، والحق في الحياة كما يجب أن يحياها صُناعها، حتى أنك تستطيع أن تسمعه للتو في أناتهم وتراه بين حروف رثائهم لرفيقهم النبيل.
أمير سالم، والذي رحل أمس السبت، عن 67 عامًا، بعد دخوله في غيبوبة سببتها له عدة جلطات في القلب، كان من أوائل الحقوقيين والمدافعين عن الحريات، وأحد قيادات المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، ومؤسس مركز المعلومات القانونية لحقوق الإنسان، والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان.
كان “سالم” أحد القيادات البارزة في الحركة الطلابية في السبعينيات، وقيادي بحزب العمال الشيوعي، واعتقل عدة مرات، منها عقب “انتفاضة الخبز” في 18 و19 يناير 1977 وعلى خلفية إضراب الحديد والصلب عام 1989.
شارك “سالم” بدور مهم مع المنظمة العربية لحقوق الإنسان، في ملف ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين في عام 1995، المتورطين في قتل الأسرى المصريين خلال عامي 1956 و1967، كما شارك في الحملات المطالبة بحماية دولية لحقوق الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بحسب نعي “المنظمة”.
ترافع الحقوقي الكبير، كمدعِ بالحق المدني في قضية قتل المتظاهرين في أحداث ثورة 25 يناير، وفي قضية شيماء الصباغ، وترافع في العديد من القضايا الحقوقية والعمالية، وكان من أبرز المطالبين بتشديد العقوبات على المتورطين في قضايا التعذيب ووضع ضمانات لعدم إفلاتهم من المحاكمة، كما شن حملات ضد المتورطين في الاستيلاء على أراضي الدولة.
ونعى “سالم” العديد من الحقوقيين والسياسيين، ورفاق جيله، فكتب المهندس والسياسي اليساري كمال خليل على صفحته على “فيس بوك”: “وداعا رفيق النضال أخى الحبيب أمير سالم، ألف رحمة ونور على روحك الطاهرة”.
وأكمل: “بدأ أمير سالم تاريخ كفاحه وهو طالب بالثانوية العامة وجاء ليشارك في اعتصام طلاب جامعة القاهرة في القاعة الكبرى عام 72 وكان بعد ذلك من قيادات الحركة الطلابية في جامعة عين شمس وكا رفيق الزنزانة في حبسات عديدة من أهمها انتفاضة 18 و19 يناير عام 1977 وحبسة عمال الحديد والصلب عام 1989، وكان قائدًا ومحرضًا جماهيريًا من طراز فريد، وكان ينتمي لحزب العمال الشيوعي المصري، والتقيت به كرفيق في حزب واحد عام 89 حزب العمال الموحد، وكان أيضا رفيق مظاهرات كثيرة، وحينما كان يشدو بهتافه الشهير عالم بياكل في عالم جعان، وريحة خيانة في جو المكان، مخطط خيانة مع الأمريكان، كنت تلمح في عينيه مستقبلًا قادمًا نحلم به جميعًا، مستقبل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، سيظل نضالك يا صاحبي محفورًا في ذاكرة جيلك ورفاقك، وداعًا يا صديقي، كل العزاء لرفاقك، كل العزاء لأسرتك الكريمة وأولادك”.
وشارك المحامي الحقوقي، خالد علي، على صفحته على “فيس بوك” صورة لـ”سالم”، بالروب الأسود، مرفقة، بجملة قصيرة: “وداعًا المحامي الكبير الأستاذ أمير سالم”.
وكتب نور فرحات، أستاذ فلسفة وتاريخ القانون، والحاصل على جائزة الدولة التقديرية: “الأستاذ أمير سالم، وداعًا ، رحمك الله وأجزل لك المثوبة، ورحمنا ورحم أصدقاءك ورفاق دربك، تمضي و حلمك لن يمضي بوطن حر” .
وكتب الدكتور أحمد سيد النجار، الخبير الاقتصادي، ورئيس مجلس إداراة الأهرام السابق، ” في كل المواقف الوطنية والحقوقية كان حاضرًا ومبادرًا ومقاتلًا وجميلًا، لم يدخل أي معركة قانونية إلا وطرح رؤيته عن البعد السياسي لها، المحامي الكبير وأحد الرموز النضالية النبيلة لجيل السبعينيات الصديق الجميل أمير سالم، كان محبًا للصحبة والصحاب ولكنه ولوجع قلوبنا يرحل بلا وداع يليق بجيش أصدقائه ومحبيه، لكنه سيبقى غاليًا وخالدًا في ضمائرنا وفي ضمير الوطن”.
رحل أمير سالم، تاركًا وراءه تاريخًا من النضال السياسي والحقوقي، رحل كما شهد رفاقه “مقاتلًا وجميلًا”، مضى وبقي حلمه، مستندًا على أسس قانونية وحقوقية ساهم في ترسيخها خلال ما يقرب من 40 عامًا من حياته السياسية والحقوقية، فوداعًا فارس الحقوق النبيل.