أثارت خطوات المملكة العربية السعودية المتسارعة لخلع رداء الفكر الوهابي المتشدد، خلال السنوات القليلة الماضية، الجدل حول مستقبل الحركات السلفية في الوطن العربي بشكل عام، وفي مصر خاصة، ومدى تأثير قرار المملكة على تلك الحركات في ظل التقارير الإعلامية التي تتحدث عن أن مصر قد تصبح معقل السلفيين بدلًا من السعودية.
السلفية والسعودية
الأحداث السياسية والدينية المتشددة المتسارعة في المنطقة، أعادت إلى الأذهان فترة بزوغ تيار الصحوة الإسلامية في المملكة العربية السعودية في ثمانينيات القرن الماضي، والذي تزامن مع تطور صناعة النفط في البلاد، ودفعت المملكة إلى لعب دور حيوي في نشر الفكر السلفي عمومًا والوهابي خصوصًا في العالم العربي والإسلامي، عبر العديد من المحاور، والتي مكنها في النهاية من أن تصبح “عاصمة السلفيين” في العالم، في ظل الحياة المُتشددة التي كانت تعيشها، من خلال فرض ضوابط “متزمتة” على عموم شعبها وضيوفها، لتجد داعما سياسيا واجتماعيا لها، في كافة المجتمعات المحيطة بها لمواجهة المد الإيراني الذي كانت ولا زالت تخافه، وتسعى إلى كبح جماحة.
التيارات والجمعيات الأهلية السلفية في مصر، كانت من بين الحركات التي تلقى دعمًا معنويًا وماديًا ولوجستيًا، من المملكة قبل بزوغ نجم السلفيين في عدد من البلدان الخليجية لاحقا وتحديدا “الكويت وقطر”، حتى أصبحت “الجمعية الشرعية وجمعية أنصار السنة المحمدية”، من أكبر الجمعيات الموجودة في مصر من خلال امتلاكها قدرات تمويلية فائقة، مكنت التيار من إضافة عناصر جديدة كثيرة إلى قوائمه ليصبح السلفيون ذات قاعدة شعبية كبيرة.
عوامل عديدة أدت إلى تطور وانتشار السلفيين، فقالت مارا ريفكين مساعد مدير مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في مقالة بموقع atlanticcouncil، والتي جاءت بعنوان “تشريح السلفية المصرية”: “الفقر يغذي النزعة المحافظة الدينية بالنسبة لـ40% من المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر، ما جعل يمثل تركيز الحركة السلفية على العدالة الاجتماعية والمساواة بديلاً مقنعًا للرأسمالية المحسوبة المفلسة أخلاقيًا في سنوات حكم الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك.
دعم بالمليارات
وأضافت: “منح التدفق المستمر من التمويل، معظمه من دول الخليج، للمرشحين السلفيين ميزة مالية كبيرة على منافسيهم”، مشيرة إلى التقرير الحكومي الذي صدر في نوفمبر عام 2011 والذي أفاد بأن إحدى الجمعيات السلفية “أنصار السنة المحمدية “، تلقت ما يقرب من 50 مليون دولار من مؤسسات دينية في قطر والكويت، لافتة إلى وجود روابط روحية ومادية بين المؤسسات السلفية السعودية والمصرية.
المقالة السابقة، دعمتها تصريحات شعبان درويش عضو اللجنة العليا لحزب النور، والتي قال فيها: “عندما نحكم سنجلب الكثير من المال”، متابعا: “سيكون لهذا التدفق النقدي الثابت تداعيات كبيرة على جدوى الأجندة السياسية السلفية في البرلمان المقبل وخارجه”، فضلًا عن العديد من التقارير الإعلامية والتي أكدت أن الجمعيات السلفية تلقت مليارات الجنيهات على مدار الأعوام الثلاثة التي لحقت أحداث ثورة 25 يناير 2011، تفوق بكثير ما حصلت عليه قبل ثورة يناير.
وذكر مقال في موقع “middleeastmonitor“، أن السعوديين مولوا ما لا يقل عن 20 قناة تلفزيونية تحظى بشعبية كبيرة في مصر، لعبت دورًا رئيسيًا في نشر الأيديولوجية السلفية بسبب قدرتها على الوصول إلى جمهور أكبر من المساجد المحلية “الطريقة التي يعتمد عليها السلفيون حاليا وسابقا لنشر فكرهم”، مشيرًا إلى أن ميل المملكة العربية السعودية الآن لقمع السلفية في محاولة لتعزيز صورة معتدلة على المسرح الدولي في ظل الحاكم الفعلي ولي العهد محمد بن سلمان، أدى إلى فرار العديد من السلفيين السعوديين إلى معقل الفكر السلفي بمصر.
تراجع السلفية
الباحث في شؤون الحركات الإسلامية سامح عيد، يقول إن مصر في السابق كانت هي بالفعل عاصمة السلفيين، إذ أن أقوى أقطاب السلفية كانوا موجودين في مصر، مثل “محمد حسان وياسر برهامي، ومحمد إسماعيل المقدم، ومحمد عبد المقصود”، فضلا عن امتلاكهم 5 قنوات فضائية في الفترة ما قبل ثورة يناير مكنتهم من نشر فكرهم بين العامة.
وأشار “عيد” إلى أن الأحداث التي وقعت بعد الإطاحة بالرئيس “مبارك” وتولي الإخوان الحكم، جعلت جزءًا كبيرًا من الشعب المصري ينفر من الفكر المتشدد، ما أدى إلى تراجع تواجد السلفيين في الشارع، وعدم قدرتهم على استقطاب الشباب من 20 إلى 30 عامًا إلى صفوفهم، والذي يُعد الدافع لأي فكر يبغى الاستمرار والانتشار، ما أدى إلى ارتفاع أعمارهم حاليًا، وفقدانهم ميزة تتابع الأجيال.
ونوه بأنه خلال عام 2013، كشف فيديو مسرب عن تلقي إحدى الجمعيات السلفية الكبيرة والمنتشرة في كافة ربوع مصر تمويلًا بمليارات الجنيهات من دول خليجية، لافتا إلى أن توقف الدعم السعودي سيكون له تأثير كبير جدًا على الفكر السلفي سيؤدي إلى تراجعه إلى حد كبير.
وأوضح أن ذلك بدا واضحًا بشكل كبير، وأدى إلى اختفاء أقطاب السلفية وحزب النور عن المشهد “الإعلامي والسياسي”، وأن السنوات العشر الماضية أثرت عمومًا في معظم التيارات الإسلامية الموجودة في مصر، لذلك فإنه من الصعب أن تصبح مصر عاصمة السلفيين، خاصة في ظل الانفتاح الموجود حاليًا بين الشباب بسبب “الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي”.
التعليم والأزهر
وشدد على أنه لا بد أن تتخذ الدولة خطوات سريعة وقوية وجادة لملء تلك الفراغات، وأن الدولة ما زالت مقصرة ومترددة في هذا الاتجاه، خاصة مع تراجع التيارات الدينية عمومًا، في ظل قوة التيار السلفي الموجود بالأزهر، ما أدى إلى خلافات كبيرة في الفترة الماضية، لافتًا إلى ضرورة تطوير المناهج التعليمية ووسائل الإعلام في اتجاه التنوير، عوضًا عن المناهج الموجودة حاليًا والتي تُخرج أجيالًا مقتنعة بفكرة الخلافة الإسلامية.
وأكد على أن المؤسسات الدينية والتعليمية في مصر بحاجة إلى ثورة تطوير، خصوصًا مؤسسة الأزهر، متابعا: “الأزهر ما زال يسير بمدرسة النقل، ويحتاج إلى فكر تجديدي، وأكثر ما سيؤثر في الأزهر هو قبول أديان أخرى، وتصبح الدراسة فيه لاهوتية بشكل أكاديمي علمي “.
لا تأثير
وعلى العكس رأى الباحث في الشؤون الإسلامية ماهر فرغلى، أن التيارات الإسلامية في مصر لن تتأثر بالأحداث التي جرت في المملكة، وأن السعودية لم يكن لها تأثير بشكل مباشر على التيارات الموجودة خارج أراضيها، منوها بأن السعودية لم تكن تمول التيارات السلفية في العالم كما يشاع، وأن التيار السلفي ممتد عموما على امتداد التاريخ الإسلامي، وليس مرتبط بالسعودية أو غيرها.
وذكر أن تبني المملكة للفكر الوهابي، وسفر المسلمين إلى هناك سواء للعمل أو الحج والعمرة ساهم في نشر التيار السلفي بالانتقال إلى البلدان العربية والإسلامية، ولكن ليس بدعم لوجستي أو مالي كما يردد أغلب الباحثين، مشددًا على أنه من الظلم اتهام السعودية بأنها سبب انتشار الفكر السلفي، وأن التحديثات الجديدة في المملكة لن تؤثر على وجوده.
وأكد أن مصر لن تكون عاصمة السلفيين أو غيرهم، بسبب طبيعتها السياسية والاجتماعية المختلفة عن كافة البلدان، مؤكدًا أن الجمعيات والحركات السلفية في مصر لا تعتمد على تمويل خارجي، مضيفا: “السلفيون في مصر أغنياء جدًا، ولا يحتاجون إلى تمويل، فإنهم يعتمدون على المشروعات التي ينفذونها، والاشتراكات الشهرية من عناصرهم، والتبرعات التي يجمعونها من الداخل”.