حازت قضية سد النهضة، على اهتمام كبير خلال الأيام الفائتة، على الصعيدين المحلي والدولي، وذلك بعد تضارب تصريحات الجانب الإثيوبي حول بدء مل خزان السد، ومطالبات وزارة الخارجية المصرية برد رسمي حول الأمر، ثم نفي التلفزيون الرسمي الإثيوبي فيما بعد، ذلك تزامنًا مع حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب مصر بالانسحاب من اتفاقية “إعلان المبادئ”، التي أبرمتها مع دولتي المصب عام 2015، لكن رغم تأكيد مصر أن الرد على إثيوبيا سيكون سياسيًا، إلا أن الحديث ارتفع حول حل عسكري ينهي مفاوضات طالت لسنوات، بينما آخرون يرون أن السد لن يضر مصر في المستقبل القريب.

وأعلن وزير الري الإثيوبي، سيليشي بيكيلي، الأربعاء الماضي، بدء الملء الأولي للسد، لكن الإذاعة الإثيوبية تقدمت باعتذار عما وصفته بـ”سوء التفسير” للتقرير الذي نشرته بشأن البدء في ملء خزان سد النهضة، ونقلت في اعتذارها عن الوزير، قوله إن ملء خزان سد النهضة سيتم وفقا لعملية البناء الطبيعية للسد”.

كما نفى الوزير تقارير نقلت عنه أن الحكومة بدأت في ملء سد النهضة الإثيوبي، وصرح لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، بأن الصور التي نشرتها وكالة “رويترز”، عكست الأمطار الغزيرة وأن التدفق كان أكبر من التدفق الطبيعي، وليست ملء للسد.

ورغم النفي الإثيوبي، إلا أن وزارة الري والموارد المائية السودانية قالت، في بيان، الأربعاء الماضي، «إن هناك انخفاض في مستويات المياه بما يعادل 90 مليون متر مكعب يوميا ما يؤكد إغلاق بوابات سد النهضة».

وكانت صور التقطتها الأقمار الاصطناعية أوضحت ارتفاع مناسيب المياه في خزان سد النهضة على منبع النيل الأرزق، المصدر الرئيسي لمياه نهر النيل، ومن المتوقع في هذه المرحلة أن تخزن إثيوبيا 4.8 مليار متر مكعب خلف السد، في البحيرة التي يفترض أن تسع 74 مليار متر مكعب حال اكتمال بنائه.

ومن المتوقع أن تعقد قمة أفريقية مصغرة، في الأيام المقبلة، برئاسة جنوب إفريقيا، رئيس الاتحاد هذه الدورة، بعد أن أسدلت الستار، الاثنين الماضي، عن جولة مفاوضات استمرت لـ 11 يوما على مستوى الخبراء الفنيين ووزراء مياه الدول الثلاث، بهدف الوصول لاتفاق حول النقاط الخلافية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة.

لا يشكل تهديدًا وجوديًا لمصر

ورغم المخاوف المصرية من أن يشكل سد النهضة تهديدًا على منسوب مياه النيل، الذي يعتمد عليه أكثر من 100 مليون نسمة بشكل كامل، إلا أن خبيرًا واحدًا على الأقل غير مقتنع بأن مصر تواجه تهديدًا “وجوديًا” ، ليس على المدى القريب بأي حل، بحسب شبكة “سي بي إس نيوز” الأمريكية.

ويقول دكتور كيفين ويلر، الباحث في معهد التغير البيئي في جامعة أكسفورد البريطانية، والذي يتابع المفاوضات حول سد النهضة منذ عام 2012، أن القضايا التقنية والتي تسبب الخلاف بين الدول الثلاث قد تم حلها بنسبة كبيرة”، مضيفًا “أود أن أقول في هذا العام ، لا يوجد قلق على الإطلاق من أي نقص في المياه، فهناك الكثير من المياه المخزنة داخل مصر بالفعل”.

لكنه تابع :”إن السنوات القادمة ستكون أكثر قلقًا إذا كان هناك جفاف طويل المدى، فقد يكون هذا سببا للقلق بالنسبة لمصر”،”من الناحية الفنية ، هناك حلول سليمة للغاية ، وفي النهاية إذا كان هناك اتفاق ، يمكن أن يوفر سد النهضة شبكة أمان خلال أوقات الجفاف لمصر ليس العكس كما يعتقد”.

ويؤكد “ويلر”:” أنه رغم ما سبق فوجود توترات وشئ من عدم الثقة بين الطرفين يلزم بإبرام اتفاق واحد على أن يتم تنفيذه على أرض الواقع ويضمن حقوق الجميع”.

بينما يرى ويليام دافيسون ، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية “هذه لحظة مهمة” “إن احتمالات انسحاب دولتي المصب من المحادثات بعد إعلان إثيوبيا بدء ملء السد، يزيد من التوترات بين الدول الثلاث”.

وعقبت الشبكة الأمريكية، في تقريرها، بأن الجانب المصري يريد تأكيدات ملزمة قانونًا بأن إثيوبيا في حالة الجفاف المطول، ستتباطأ أو توقف ملء السد، كما ترغب القاهرة أن يكون لها رأي في تطوير إثيوبيا لأي سدود أخرى على النيل في المستقبل”.

سي بي إس نيوز

تمويل غامض

على جانب آخر، وصفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، تمويل سد النهضة، المثير للجدل، بـ”الغامض”، حيث يمكن إثيوبيا لتصبح قوة فعالة ومؤثرة في القارة في السنوات المقبلة، حيث سيتبقى فائضًا من الكهرباء، التي تولد من السد يمكن تصديرها لجيرانها ودر أرباح وهمية لها، بجانب فرص عمل للمنطقة بأكملها.

ويعتقد أن التكلفة الفعلية للسد تبلغ 3 مليارات جنيه إسترليني، لكن تمويله المعلن يبقى “غامضًا” حتى وقتنا هذا، حيث لم تقدم إثيوبيا طلبًا للحصول على قروض دولية لتمويله، وبدلاً من ذلك اعتمدت على مواطنيها والقروض الخاصة، لاسيما من الصين.

وقد تداول أن حكومة “آبي أحمد”، مارست ضغوطات على كبرى الشركات والمواطنين البسطاء لشراء سندات لتمويل مشروع السد العملاق، حيث كشف مواطنون إثيوبيون يعيشون في الخارج أنهم واجهوا ضغوطًا للشراء سندات أيضًا.

ورغم أن الصين ليست مستثمرة رسميًا ومعلنًا لتمويل المشروع، فإن إثيوبيا هي المستفيد الرئيسي من القروض الصينية، حيث تحصل على ثاني أعلى إجمالي من أي دولة إفريقية عند 2.6 مليار جنيه إسترليني ، كما يزعم بأن تم سداد جميع القروض تقريبًا بعد بدء البناء في السد، بحسب الصحيفة .

شبح الصراع يلوح في الأفق

ستواجه دول المصب مخاطر اذا تم بدء ملء السد، ورغم توقعات بعقد قمة إفريقية مصغرة في الأيام المقبلة، إلا أنه بعد أربع سنوات من فشل المفاوضات، فيزعم البعض بأن أشباح الصراع تلوح في الأفق.

ووصف وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في خطابه أمام مجلس الأمن الدولي ، بالسد بأنه “خطر ذو أبعاد وجودية محتملة”، وتعهد بأن مصر “ستدعم وتحمي المصالح الحيوية لشعبها” ، مضيفاً أن “البقاء ليس مسألة اختيار ، بل ضرورة من الطبيعة”.

في حين، لم يذكر الرئيس عبد الفتاح السيسي، الشهر الماضي، إثيوبيا أو قضية السد على وجه التحديد، لكنه أشار بوضوح إلى أن الجيش المصري على استعداد للدفاع عن أمنه القومي في أي وقت .

وتشير “اندبندتت” البريطانية، إلى أنه رغم العلاقات التاريخية بين مصر والولايات المتحدة، لكن لا يمكن غض الطرف عن أن اثيوبيا تعتبر شريك أساسي للولايات المتحدة أيضًا، وهو ما يدفع بالتساؤل حول عدم اهتمام الأخيرة بالقضية المثارة للجدل حاليًا، الذي أرجعه المحللون إلى فشل “ترامب” بالتوسط في صراعات المنطقة بجانب ضغوطات الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما يمكن أن يدفع مصر للجوء لحل عسكري للفت انتباه المجتمع الدولي نحو قضية السد، بحسب قولها.

وتابعت الصحيفة أنها نفس الاستراتيجية التي استخدمها الرئيس الراحل محمد أنور السادات لكسر الجمود الدبلوماسي حول وضع “لا سلام ، لا حرب” مع إسرائيل في عام 1973، الذي انتهى بتوقيع معاهدة سلام دائمة بين البلدين.

سد النهضة الاثيوبي

أبعاد سياسية

من ناحية أخرى، فإن الخلاف حول سد النهضة لا يتعلق بمسائل تقنية أو فنية فحسب، بل أن الخلاف يمتد لأمور سياسية أيضًا، بحسب “نيويورك تايمز” الأمريكية.

وأشارت الصحيفة، إلى أن السد بالسنبة لـ آبي احمد “قصية وجودية”، حيث أنه وصل إلى السلطة في عام 2018 على أنه الرجل المصلح، وفي العام الذي تلاه فاز بجائزة نوبل للسلام لنجاحه في إقامة السلام مع إريتريا،ـ لكن في الآونة الأخيرة، غرقت بلاده مرة أخرى في اضطرابات عنيفة بعد مقتل المغني والناشط الأورومي، هاشالو هونديسا.

“بالنسبة لآبي أحمد ، الذي تعهد مرارًا وتكرارًا بملء السد هذا الشهر، فإن مشروع السد يمثل قضية وطنية قد تجعل الإثيوبين يلتفون حوله مرة أخرى”، بحسب الصحيفة.