لطالما التصقت صفة الحظ المبالغ فيه للنجم الفرنسي الكبير زين الدين زيدان خاصة وهو مدرب لريال مدريد، فكثيرون استكثروا عليه كل هذا النجاح المهول الذي حققه في ولايته الأولى مع الفريق الملكي، حيث حصد 3 بطولات متتالية في دوري أبطال أوروبا وهو الرقم القياسي والتاريخي المحفور باسمه فقط في تاريخ الكأس ذات الأذنين، بالإضافة لفوزه بلقب الدوري وكأس السوبر المحلي والأوروبي ومونديال الأندية، وقد نعته الأغلبية بأنه محظوظ، وهناك من وصفوه بـ”الدجال” أو “الدرويش” أو المتدين الذي يفوز بالسبحة.
ومع تولي زيدان مسؤولية الريال الفنية في ولاية ثانية أثناء مرور الفريق الأبيض بأسوأ مواسمه على الإطلاق في العقد الأخير عقب رحيله الأول، أكد أغلب المحللين والنقاد وكذلك الجماهير، أن هذه المهمة الأصعب لزيدان وستكون هي الاختبار الحقيقي لإصلاح حال الريال والعودة به إلى الواجهة ثانية رغم كل المشاكل الفنية والمعنوية المتردية التي يمر بها وكذلك أغلب نجومه.
نجح زيدان، مع الوقت في إعادة الاتزان والتوازن للفريق، وسرعان ما اكتسب بريقه الفني المفقود رغم عدم وجود كريستيانو رونالدو، والذي كان يمثل أكثر من نصف قوة الفريق، خاصة في الجانب الهجومي، وأعاد لكبار نجوم الريال الذين ظهروا بأداء مترهل ومتواضع طيلة الموسم الماضي، مستواهم المفقود، وألهب حماس الجميع ممن تشبعوا بالبطولات وبردت مشاعر الحماس والطاقة والشغف لديهم، لدرجة وصلت إلى أنهم كانوا يرفضون خوض بعض التدريبات اليومية وفقرات الإحماء كذلك.
ما قام به زيدان، وصولاً للفوز ببطولة الدوري الإسباني هذا العام بعد منافسة غريمه التقليدي برشلونة، وكذلك الفوز من قبل بلقب السوبر الإسباني مع مطلع العام الحالي، أشبه بالسحر، مع فريق عانى قبل شهور قليلة من كل هذه المشاكل الفنية والمعنوية والإدارية، ينفي عنه تمامًا تهمة “الحظ” الذي يقوده دائمًا للفوز والبطولات، فكيف صنع ذلك؟
ثورة الريال بعد موسم كارثي
لعب زيدان عدة مباريات في الليجا قبل نهايتها، وبدء موسم جديد، حيث وضع يده على كافة نقاط ضعف الفريق، وبدأ العمل على تحسينها في إعداده للموسم الحالي، وقام بعدة صفقات جيدة في الميركاتو الصيفي بضم نجوم على رأسها إيدين هازارد، إيدير ميليتاو، فريلاند ميندي، ولوكا يوفيتش.
ساهمت تلك الصفقات بشكل أو بأخر في سد نواقص الريال، رغم إصابة هازارد كثيرًا وعدم الاستفادة منه بالشكل المناسب، وكذلك عمد توفيق يوفيتش في أول مواسمه، لكن ميندي وميليتاو تألقا في الفترة التي احتاجهما فيها زيدان خاصة الظهير الفرنسي والذي أصبح أحد أهم مكاسب الميرينجي هذا العام.
وبعد سد النواقص، عمل الفرنسي، على تحسين الجانب البدني المتواضع بشدة للفريق خلال فترة الإعداد، كما عمل على الجانب الفني كثيرًا، واستنفر جهود النجوم الكبار، مثل راموس، مودريتش، كروس، مارسيلو، كورتوا، حتى جاريث بيل غير المكترث نفسه شهد عودة لبعض مستواه السابق، ليكمل ثورته الفنية بالفريق، حتى انسجم الجميع وتجمعت تلك العوامل مع بعضها البعض وبدأت تُجني ثمارها.
استطاع زيزو، الفوز على برشلونة في الكلاسيكو بالبرنابيو، وتعادل معهم في الكامب نو، وتصدر الجدول قبل جولة واحدة من التوقف بسبب كورونا، قبل أن يتعثر ويرتقي برشلونة لقمة الترتيب بفارق نقطتين، ولكن مع عودة المسابقة استطاع الفوز في 10 مباريات بشكل متوالٍ، ساهموا في حصد اللقب للريال وتتويج كل عمل ومجهود زيدان بالبطولة الأهم في إسبانيا والغائبة عن الفريق منذ 3 أعوام.
تجديد دماء الفريق
نجح زيدان، في المخاطرة التي قام بها لإحياء النجوم الكبار مرة أخرى، حيث أجلسهم جميعًا على دكة البدلاء لفترة ليست بالقصيرة، واعتمد على بعض النجوم الشباب، حتى يوصل لهم رسالة مفادها أنه لا أحد يضمن مركزه بالفريق، وبالفعل أشعل نار المنافسة بين الجميع ثانية، وعاد الكبار لمستواهم واكتسب الشباب الخبرة والتجربة ودعم الجماهير، وصنع توليفته النموذجية بين الكبار والشباب حتى بات الريال فريقًا متجانسَا ومجدد لدمائه ثانية بعد فترة ركود.
وكان أبرز هؤلاء النجوم الواعدة، فالفيردي، رودريجو، فينيسيوس جونيور، مع عودة ماركو أسينسيو من الإصابة، الذين أصبحوا أحد الأعمدة الرئيسية للفريق وتألقوا بشكل لافت، كما قلل متوسط عمر الفريق مما ساعده في الفوز باللقب والاحتفاظ بطاقة ونشاط اللاعبين، تلك المداورة خلقت شيئًا من السحر داخل الفريق واستطاع توسيع رقعة اختياراته في كل المسابقات التي يلعب بها، حتى فاز بكأس السوبر المحلي والدوري الإسباني، ووصل لثمن نهائي دوري الأبطال.
تحسن تكتيكي كبير
اعترف زيدان، من قبل أنه غير متمرس في الجانب التكتيكي بشكل متعمق مثل بعض مدربي الصفوة، ولكنه أكد أنه يجيد بعض الجوانب الفنية والمعنوية الأخرى، التي تعوضه فقدان ذلك الجزء ولو بشكل بسيط، ولكن ما حدث هذا الموسم من ثورة جعلته يتفوق تكتيكًا أيضًا بشكل مميز، حيث مع تجاربه في الفريق أجبر على تجربة عديد الخطط والتكتيكات ليستخدم كل عناصر الفريق ويستفيد منهم خاصة أمام فرق معينة وخصوم صعبة مثل برشلونة وأتلتيكو محليًا، وباريس سان جيرمان ومانشستر سيتي أوروبيًا.
هذه المرونة التكتيكية التي امتاز بها الفريق مع زيدان، وتطور هو بها كثيرًا على المستوى الشخصي كمدرب عن فترة ولايته الأولى، جعلت الفريق أكثر قوة وتماسك وندية مع أكبر الفرق في العالم وإسبانيا التي تجيد هذا الشق ومتمكنة فيه، وفتح أمامه عديد الاختيارات للعب بها مما أظهره بشكل مغاير كذلك.
الحظ لمن يستحقه
بعد حل جميع المشاكل الفنية والمعنوية والخططية بالفريق من قبل المدرب المتوهج زيدان، كان لوجود الحظ بجانبه أثرًا كبيرًا، فالحظ دائمًا مع المُجتهد.
والحظ هنا بمعنى إحرازه لهدف في الدقائق الأخيرة من مباراة صعبة، أو مثلاً يحصل على ركلة جزاء بها شكوك ويفوز بها فريقه مثلما حدث في مواجهة غرناطة التي حسم بعدها اللقب الثمين، أو أن يصاب أحد أهم نجوم خصمه المُقبل مثلما حدث مع نيمار عند ملاقاة باريس سان جيرمان، أو تجلب له القرعة في أي بطولة فريقًا متوسط المستوى، وخلافه من هذه الأمور التي تجعل الناس يرددون نغمة “بركات سبحتك يا زيدان” أو أنه رجل محظوظ دائمًا.