في ظل التحديات التي يفرضها سد النهضة الإثيوبي، على حصة مصر من مياه النيل، رصد معهد التخطيط القومي في سلسلة من الأوراق، تداعيات هذا المشروع على الثروة السمكية في مصر، إلى جانب تفاقم فجوة الأمن الغذائي في ضوء العلاقة الوثيقة بين تحقيقه من الحاصلات الزراعية والحيوانية والسمكية والأمن المائي.
ويستوجب هذا، العمل على زيادة المعروض من المصادر الأخرى للمياه، وهو أمل ليس بالسهل بسبب الظروف المناخية والاستراتيجية.
وتحت عنوان “تداعيات سد النهضة على إنتاج الأسماك في مصر ووسائل التخفيف من آثارها”، تتناول الورقة بشكل تفصيلي مشكلة نقص المياه، وتداعيات سد النهضة المحتملة على مصر، وعلى الإنتاج السمكي من المسطحات والمجاري المائية و المزارع السمكية، وطرق ووسائل التخفيف من هذه التداعيات .
و طبقًا لبيانات وزار ة الري فإن نصيب المواطن المصري يقدر بحوالي 570 متر مكعب في عام 2018، مقارنة بـ 600 متر مكعب في السنوات الخمس السابقة عليه، أي ما يمثل 60 %فقط من مستوى خط الفقر المائي العالمي والمقدر بحوالي 1000 متر مكعب للفرد سنويا، وهو ما يعتبر الأكثر قربا إلى خط الفقر المائي المدقع .
وتكشف هذه الأرقام عن علاقة مختلة بين السكان والمياه، فالسكان يتزايدون بمعدلات تصل إلى 4.2 %سنويًا من جانب، مقابل الثبات النسبي أو التناقص المحتمل للموارد المائية، بسبب التغيرات المناخية والتحديات الخارجية.
ولهذا العجز المائي آثار اقتصادية واجتماعية حيث من الواضح أن الزراعة المصرية – المسؤولة عن 12% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ستكون عرضة للتأثر، وبالتالي سيصاحب ذلك نزوح سكان المناطق الزراعية والريفية من الأحياء الفقيرة المتنامية في ضواحي المدن الرئيسية المكتظة بالفعل.
ارتفاع الملوحة وانهيار السد
وترصد الورقة تداعيات المحتملة لبناء السد على كمية و نوعية المياه، فطبقًا للمخطط الإثيوبي يتمثل تأثير السد على دول المصب في انخفاض توافر المياه، بسبب قصر فترة ملء الخزان من جانب، و معدلات تبخر المياه من جانب آخر، مما سيؤدي إلى خفض دائم في منسوب المياه في بحيرة ناصر، فكلما زادت سعة التخزين وقلت فترة الملء، كلما زاد التأثير السلبي على كمية المياه المتدفقة من النهر، بجانب التأثير على هيدرولوجية النيل الأزرق، حيث لن تحدث ظاهرة الفيضان السنوي نظرًا للتحكم في تدفق المياه .
كذلك زيادة ملوحة مياه نهر النيل، فطبقًا لخبراء مختصين فإن سد النهضة سيزيد من ملوحة مياه النيل التي تبلغ حاليًا عند أسوان 200 جزء في المليون، تتدرج لتسجل عند القاهرة نحو 500 جزء في المليون، وستزداد بشكل كبير لا يستطيع العلماء تحديده الآن، لأن ذلك يتوقف على كميات المياه ومعدلات الجريان.
فضلاً عن حجم ما يسحبه النهر من خزان المياه الجوفية، وأن تلك الظاهرة تنشأ كنتيجة مباشرة الانخفاض منسوب مياه النيل، وبطء جريان المياه داخل المجرى المائي، خاصة مع انعدام موسم فيضان المياه الآتية لمصر، بعد بناء سد النهضة الذى سيمنع الفيضان من القدوم لمصر، خلال مواسمه المعتادة، في أشهر أغسطس وسبتمبر وأكتوبر من كل عام، حيث من المعلوم أنه كلما قل المنصرف من مياه النيل ارتفعت ملوحة النهر، علاوة على مخاطر انهيار السد الذى سيشكل تهديدًا لكل من مصر والسودان.
تغيير الخريطة السمكية لمصر
وفي ضوء ما سبق، فمن المتوقع أن يؤثر انخفاض منسوب مياه النيل وزيادة ملوحة المياه على الخريطة السمكية في مصر، في السنوات المقبلة، إذ ستختفي أنواع إما بفعل عدم صالحية المياه لها، أو بفعل تناقص الإنتاجية نتيجة نقص المياه، وعليه فمن المتوقع أن تتناقص الطاقة الإنتاجية من الأسماك في بحيرة ناصر ونهر النيل وفروعه وغيرها من المسطحات والمجاري المائية والمزارع السمكية التي تعيش وتتربى فيها أسماك المياه العذبة .
وطبقًا لبيانات الهيئة العامة للثروة السمكية عام 2018 ، فإن حوالي 12 نوعا من الأسماك المستوطنة في نهر النيل والبحيرات والمزارع السمكية بالإضافة إلى إستاكوزا المياه العذبة (التي تم توطينها في نهر النيل في السنوات الأخيرة)، معرضة إما للنقص الشديد أو الاختفاء نهائيًا من نهر النيل وفروعه وبحيرة ناصر وغيرها من البحيرات بالإضافة إلى المزارع السمكية، و يقدر إنتاجها بحوالي 5.1مليون طن يمثل حوالي 75 %من إجمالي الإنتاج القومي من الأسماك، بقيمة تقدر بأكثر من 28 مليار جنيها طبقا لأسعار 2018.
ومن أخطر التداعيات هي تلك التي تقع على أسماك البلطي، التي تعتبر السمكة الأولى في مصر، ومن أهم الأسماك المنتجة والأكثر قبولا لدى غالبية المستهلكين في مصر، حيث تسهم بأكثر من 60% من إجمالي الإنتاج السمكي المصري، بقيمة تقدر بحوالي 8.21 مليار جنيه طبقًا لأسعار 2018 .
على جانب آخر، فإن تناقص أو توقف إنتاج أسماك المياه العذبة من المصادر المختلفة، له تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة تتضمن خروج استثمارات كبيرة وأيدي عاملة من النشاط، وكذلك نقص في الإنتاج، وما يترتب عليه في ارتفاع الأسعار وزيادة الاعتماد على الخارج وانكشاف الأمن الغذائي في الأسماك، والتأثير السلبي على الأنشطة المساعدة كمصانع الأعلاف والثلج والعبوات والنقل والخدمات التسويقية .
“الأسواق الإفريقية” هي الحل
وفي ظل التداعيات المحتملة لسد النهضة، فإنه يجب تبني سياسات تهدف إلى التقليل من الآثار المحتملة للسد على إنتاج الأسمالك، وذلك من خلال اتباع آليات غير تقليدية، من حيث إدخال أصناف جديدة تتحمل التغيرات المتوقعة في كميات ونوعية المياه من جانب، وتحقيق أكبر عائد من الأسماك من وحدة المياه، والذى يعني تحسين كفاءة استخدام المياه و الحصول علي أعلي مخرجات من الموارد المائية المتاحة.
بالإضافة إلى التعاون مع الدول الإفريقية في استغلال الموارد السمكية،كإقامة مشروعات بين القطاعين الخاص و الحكومي في التعاون في مجال المصايد الطبيعية والاستزراع السمكي مع الدول الإفريقية التي تتوفر بها المواد المائية مثل غانا وأوغندا وإريتريا وتنزانيا.