“زوجي هو مغتصبي”.. بتلك الجملة الصادمة، تصدرت قصة عارضة الأزياء الكويتية الشهيرة روان بن حسين، مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية، وبالتزامن مع الجدل الدائر حول قضايا التحرش والاغتصاب.
“روان”، سردت قصتها الصادمة مع زوجها رجل الأعمال الليبي يوسف المقريف، مؤكدة عزمها الطلاق منه، حيث روت قصة زواجها منه بعدما أقدم على اغتصابها، الأمر الذي عاد إلى الأذهان قضية زواج الضحية من المغتصب، والتي تسببت في كثير من الجدل خلال السنوات الماضية، فالقوانين في الدول العربية بشأن هذا الأمر متفاوتة في الأحكام، فكثيرًا من تلك الدول لا تُعاقب المغتصب على فعلته بمجرد الزواج من المغتصبة، لكن هناك بعض الدول تظل العقوبة قائمة حتى وإن تم الزواج.
تعود أصول قوانين زواج الضحية من المغتصب، إلى مزيج من التقاليد العربية المحلية الموجودة، والفقه الإسلامي “المدرسة الحنفية”، وقوانين الإمبراطورية العثمانية، والقوانين الأوروبية “الفرنسية والبريطانية” خلال الفترة الاستعمارية.
وكانت تلك القوانين، شائعة في جميع أنحاء العالم حتى سبعينات القرن العشرين، وبدأ تحد وإلغاء هذا النوع من القوانين منذ أواخر القرن العشرين في عدد من البلدان العربية والغربية.
زواج الضحية من المغتصب
من المثير للانتباه والدهشة أنّ تونس التي تُعد سابقة في تاريخ الحقوق النسوية، لم تلغ المادة 227 من قانون العقوبات الذي شرعن زواج المغتصب من ضحيته في مقابل الإعفاء من العقوبة، وحاولت منظمة العفو الدولية تمرير بيان يتضمن توصية بإلغاء البند الذي يعفي من العقاب، إلا أن 32 حزباً سياسياً فقط من أصل 100 وافقت على المقترح، حيث لم يتم اعتماده.
أما القانون العراقي، فيعاقب بالحبس المؤبد: “كل من جامع أنثى بغير رضاها” طبقاً للمادة 393، ولكن المادة 398 توقف كل الإجراءات العقابية من ملاحقة وتحريك الدعوى أو التحقيق فيها، حال إتمام الزواج بين المعتدي والضحية.
تحكم جرائم هتك العرض والاغتصاب في مملكة البحرين المادة 353 من قانون العقوبات، التي يرى بعض القانونيين، أنها: “تساعد الجاني على الإفلات من العقوبة، في حال ارتضى عقد زواجه بالمجني عليها”، وفي المادة 344 تكون العقوبة لمن واقع أنثى بغير رضاها السجن، والسجن المؤبد إذا واقع الجاني المجني عليها وهي دون السادسة عشرة من العمر، طبقاً للمادة 345.
أما القانون السوري، فينص على معاقبة كل من أكره غير زوجه، بالعنف أو بالتهديد على الجماع بالأشغال الشاقة 15 عاماً وفق المادة 489، والمادة عينها تعفي الجاني من الملاحقة، في حال تزوج المعتدى عليها.
وفي ليبيا، تسقط المادة 424 جريمة الاغتصاب وتوقف تنفيذها إذا تزوج الجاني المعتدى عليها. ويترتب على هذا الزواج إيقاف الإجراءات الجنائية أو إيقاف تنفيذ الحكم لمدة 3 سنوات، ويزول الإيقاف قبل مضي 3 سنوات من تاريخ الجريمة حال طلاق الزوجة “المعتدى عليها”، من دون سبب وجيه أو بصدور حكم بالطلاق لمصلحة الزوجة المعتدى عليها.
وفى لبنان تم إلغاء مادة مشابهة وهي المادة 522 من قانون العقوبات في العام 2017، لكن الحقوقيين هناك اعتبروا إلغاء المادة إنجازاً منقوصاً؛ لأنّ هنالك مادة أخرى (505) تُخيّر المغتصب ما بين الزواج من ضحيته والسجن حال كانت الضحية قاصرة. وتناضل حقوقيات وناشطات في مجال حقوق المرأة في عدة بلدان عربية منذ سنوات للمطالبة بتعديل التشريعات في القوانين الجنائية، والتي تسمح بإسقاط الملاحقة القانونية عن الرجل إذا ما تزوج من ضحيته.
وفي القانون الجزائري تنص المادة 336 على “المعاقبة بالسجن من 5 إلى 10 سنوات، لكل من ارتكب جناية الاغتصاب”. كما إنه “إذا وقع الاغتصاب على قاصر لم تكمل 18 سنة، فتقتضي العقوبة بالسجن من 10 إلى 20 سنة”. ويوفر القانون الجزائري للمغتصب فرصة الإفلات من العقاب إذا تزوج ضحيته في حال كانت دون سن الـ18 “. منظمات حقوقية جزائرية تطالب دوماً بإلغاء هذا البند، حيث تجبر النساء الضحايا على الزواج من الجاني للإفلات من العقاب
دول تعاقب المغتصب رغم زواجه من الضحية
قامت عدة دول عربية بإلغاء قانون تبرئة المغتصب في حال زواجه من الضحية، كانت أول تلك الدول هي مصر التي بدورها ألغت المادة 291 من قانون العقوبات في العام 1999 بمقتضى مرسوم رئاسي.
كما ألغت الأردن قانوناً مماثلاً حين أدلى مجلس النواب الأردني بشطب المادة 308 من قانون العقوبات.
أما فلسطين والتي تتصاعد فيها وتيرة حقوق المرأة، فقامت بإلغاء قانون تبرئة المغتصب حال زواجه من ضحيته (المادة 308) في الضفة الغربية حسب مرسوم رئاسي في العام 2018، لكنه يظل غير نافذ المفعول في غزة في مناطق سيطرة حركة حماس.
تشريعات مختلفة والضحية عرضة للعقاب
الأمر نفسه مختلفا بعض الشيء في المملكة العربية السعودية، فلا يوجد بالمملكة قانون عقوبات، والقانون المطبق في هذه الحالات هو القانون الإسلامي. وليس هناك من صياغة قانونية تجرم الاغتصاب تحديدا، ولكن معاقبة الجاني تختلف بين الجلد والإعدام. وتعاقب الفتاة أيضا في حال ثبوت عملية الاغتصاب في وضع الخلوة غير الشرعية. وتواجه السعودية دائما انتقادات بخصوص أوضاع النساء في المملكة، خاصة من قبل منظمات حقوقية عالمية.
أما بالنسبة إلى اليمن، فإن القانون لم يضع تعريفاً صريحاً وواضحاً للجريمة، ولم يذكر عقوبات تناسب خطورة واقعة الاغتصاب”، ووفقا للمادة 269 ففي ظروف معينة تصل عقوبة الاغتصاب إلى الإعدام، لكنها تسقط وتتحول إلى جريمة زنى أو هتك عرض أو فعل فاضح، في حال عدم وجود أدلة.
أما في السودان فحين تتقدم المرأة أو الفتاة ببلاغ لتعرضها للاغتصاب فقد تعرّض نفسها بذلك لاحتمال الملاحقة القضائية. ويجب على الضحية أن تؤكد براءتها عبر الإثبات بأن اللقاء لم يتم بموافقتها، وإذا لم تنجح في ذلك، فقد تكون عرضة للمحاكمة بتهمة الزنا.
أما موريتانيا فلا يعاقب القانون الموريتاني مرتكبي جرائم الاغتصاب، كما أنه يهدر حق الضحايا بسبب نواقصه، بحسب منظمات حقوقية دولية، إذ تجدر الإشارة إلى وجود صعوبة إثبات ارتكاب الجريمة أمام القضاء، فمن الضروري أن يقر الشخص نفسه بفعلته، أو من خلال تطابق شهادة أربعة رجال بشأن وقوع الجريمة.
خلاف فقهي في زواج المغتصب من الضحية
لا يتفق العلماء والفقهاء، في أمر زواج المغتصب من ضحيته، فهناك خلاف حول معاملة المغتصبة معاملة البكر أم الثيب؟، وهو الخلاف الذي ورد في دراسة بعنوان “أثر الاغتصاب في أحكام زواج المغتصبة: دراسة مقارنة” من إعداد الأستاذ المساعد في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، فادي سعود الجبور، ويقول فيها: “حكم إجبار المغتصبة على الزواج من مغتصبها يتطلب بيان نظرة الشرع إلى المغتصبة بعد اغتصابها، هل تعد ثيباً أم تبقى في حكم الأبكار؟، فعلى قول أنّها ثيب لا يجوز إجبارها على الزواج، وأما على قول أن المغتصبة في مقام البكر، فهناك خلاف بين العلماء بين جواز إجبارها على الزواج من المغتصب.
أما الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أكد أن زواج المغتصب من ضحيته جريمة ولا مسمى لها غير ذلك، وهذا أمر مؤلم ومحزن ويبعث على الآسي والأسف، لأن المغتصب يضاجع الفتاة إكراهًا ثم يتزوجها تحت دعاوى الستر، متسائلًا: “عن أي ستر تتحدثون!!”.
وأضاف كريمة: أن الستر ما هو إلا مكافئة للجاني للإفلات من العقوبة عن طريق زواجه من ضحيته، وأن الاسلام أكد على العقوبة التي يستحقها هؤلاء من الذئاب البشرية”، مشيرًا إلى أن كل ما يُتداول عن آراء الفقهاء التراثيون في هذا الأمر مغلوط وغير صحيح، وأنه لا صحة لموافقة الشرع على زواج الضحية للمغتصب.
حماية الشرف الأبوي هو الدافع
ترى الهام عيداروس، الناشطة النسوية وعضو اللجنة التحضيرية لحزب العيش والحرية، أن الطرق التي تتناول بها الأنظمة في البلاد العربية المختلفة لقضايا اغتصاب المرأة وإقدام بعضهم على تزويجها من الضحية قائمة على حماية الشرف الأبوي أكثر من حماية الكرامة الإنسانية للمغتصب، وهذا له انعكاسات كبيرة على المستوى النفسي والجسدي.
وترى أن تغيير هذا يبدأ من تعريف الاغتصاب في القوانين المتنوعة، ففي مصر رغم أنها ألغت تزويج المغتصب من ضحيته، إلا أن تعريف الاغتصاب لازال منقوصًا، حيث يعرف في القانون المصري بمواقعة الأنثى بغير رضاها “بالإكراه المادي أو المعنوي”، وتعريف المواقعة إيلاج العضو الذكري في المهبل. أما ما عدا ذلك فيعتبر هتك عرض فقط!، بالإضافة إلى تعامل الطب الشرعي وأقسام الشرطة مع الضحية، فتمنع الضحية من تناول الأدوية أو الاستحمام قبل فحصها، وهذا يعد أمر مهدرا للكرامة، لأنه على الأولى أن يتم الاطمئنان على سلامتها الصحية والنفسية قبل بدأ التحقيقات والفحص الطبي.