تجديد الخطاب الديني، تلك القضية التي أشعلت جدلًا واسعًا دام لسنوات عديدة بين المؤسسات الدينية على رأسها الأزهر الشريف وبين المنادين بالتجديد من الباحثين والمُثقفين، وكانت أبرز مطالبهم بحث مناهج الأزهر وتنقيحها من الفتاوى والأحكام المُتشددة.

في استجابة لتلك المطالب، أقدم الأزهر على خطوات غير مسبوقة، حيث تم تعديل 95% من المناهج التي تُدرس في كافة المراحل التعليمية، إلا أنه مازال هناك بعض الفتاوى والأحكام المُتشددة، التي لم يثبت ورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبرزها إجبار الفتاة على الزواج من قِبل ولي أمرها.

إجبار على الزواج

يدرس طلاب الصف الثاني الإعدادي الأزهري، في كتاب تيسير التقريب في الفقة الشافعي، في فصل الخطبة صفحة 67، أنه يجوز لولي الأمر سواء الأب أو الجد حال عدم وجود الأب أو عدم أهليته، إجبار الفتاة على الزواج، ونص الكتاب على: “النساء على ضربين: ثيبات وأبكارا، فالثيب هي من سبق لها الزواج، والبكر خلافها، فالبكر يجوز للأب والجد عند عدم وجود الأب أصلًا أو عدم أهليته، إجبارها على النكاح إن وُجدت شروط الإجبار، ولا يجوز لغيرهما من باقي الأولياء الإجبار”.

الحكم الشرعي

يوضح الشيخ على فخر أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن إجبار الفتاة على الزواج ممن لا ترضاه حرام شرعًا.

ويشير أمين الفتوى بدار الإفتاء، إلى أن التحايل على الفتاة او الضغط عليها للموافقة على الزواج حرام أيضًا، لأنه سيؤدي إلى فساد الحياة الزوجية، كما سيؤثر على نفسية الفتاة بشكل سيئ.

واضعو المناهج وغياب الوعي

الدكتورة آمنة نُصير، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، تقول إنه لا يجوز مُطلقًا إجبار الفتاة على الزواج ممن لا ترضاه، وإن حدث ذلك فيعد العقد باطلًا، لأن الرضا بين الزوجين شرط من شروط صحة عقد الزواج، وهو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف متعددة.

وتُضيف نُصير: “لابد أن يلتزم القائمون على وضع المناهج التعليمية بقدر من الوعي، خاصة في ظل الظروف التي نعيشها، لأن تلك الأحكام تسببت في انتشار التطرف والتشدد بين الطلاب”.

وتُتابع نصير: “كيف لعلماء وفُقهاء الأزهر أن يوافقوا على وجود مثل تلك الأحكام المتطرفة والمغلوطة في مناهج أطفال الأزهر؟،وسط كل ما نقوم بمحاولات لتجديد الخطاب الديني ونبذ التشدد”.

إجبار الفتاة على الزواج في عهد النبي

واستشهدت نُصير، بما روي عن السيدة عَائِشَةَ: “أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ وَأَنَا كَارِهَةٌ، قَالَتْ: اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا فَدَعَاهُ، فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ أَلِلنِّسَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ”.

تعقب نُصير، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، حين أخبرته الفتاة بأن والدها أجبرها على الزواج، خيرها بين أن تتركه أو تستمر معه، فوافقت على الاستمرار مع الزوج برغبتها، وقالت إني فعلت ذلك لكي يعلم الناس أنه ليس لأحد إجبار المرأة على الزواج إلا بموافقتها ورضاها.

شيخ الأزهر يحرم ما حللته مناهج الأزهر

يقول فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن الإسلام يُحرم إجبار الفتاة على الزواج، وإن وقع فإنه باطل، كما أبطله النبي في أكثر من مرة بتخيير الزوجة، لافتًا إلى أنه تم الانفصال في بعض الحالت.

ويُتابع الطيب، أن الإجبار أمرًا ليس أخلاقيًا، ويُشبه الإعدام على حياة الفتاة، مُعقبًا: “ما أقسى أن تُضطر الفتاة إلى أن تعيش فيمن لا يرغب أن يعيش معه، إنه نوع من العذاب المُحرم شرعًا وخلقًا”.

ويُعقب الطيب: “كنت أتمنى أن تتضمن قوانين الأحوال الشخصية علاجًا لهذه الحالات لأن حُرية الزواج حق شرعي ومدني، كما تدخل النبي في إنقاذ الفتيات من هذا الزواج”.

بطلان الزواج بسبب الإجبار

وروى النسائي عن جابر: “أن رجلاً زوَّج ابنته وهي بكر من غير أمرها، فأتت النبي – صلى الله عليه وسلم – ففرق بينهما”، وهو دليل واضح على تحريم الغصب في الزواج، وإبطاله للعقد.

وورد أيضًا عن ابن عباس: “أن جارية بكرًا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني – وهي كارهة – فرد النبي – صلى الله عليه وسلم – نكاحها”.