«أنا ملتزم بالدرجة الجهادية، والميديا كانت عامل كبير فى قدومى لسوريا لمساعدة المسلمين»

«كنا عبيد لدى داعش ومصير من يفكر فى الرحيل القتل»

« الإخوان يحاربون الإنسانية، ويكتبون الأكاذيب ويزدرون الأديان ويستبيحون الدماء»

«الجماعة السلفية تعمل لتحقيق مصالحها حتى إذا خالفت الشرع بحجة صنم العجوة المسمى المصالح والمفاسد»

ما سبق هو أجزاء من اعترافات منشقين عن جماعات متطرفة، إخوان وسلفية وجهاد وداعش، وجميعها اتفقت على أمر واحد، وهو أن تلك الجماعات لا يوجد بها سوى القتل وسفك الدماء واغتصاب الضعيفات ونهب الأموال واستغلال الدين والكذب تحت لوائه.

ورغم كل مشاهد الظلم والوحشية، التي كشفتها عناصر كانت تنتمي لها يومًا، ورغم تحذيرات قادة وعلماء الخطاب الديني الرسمي من هذه الكيانات، وتحذيرات وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، إلا أن تلك الكيانات المتطرفة، لاتزال قادرة على استقطاب متعاطفين، ومؤيدين لها، وإن كانت تراجعت بعض الشيء، إلا أن خطابها العنيف لايزال يجد من يستمع إليه، في مقابل استمرار عدم قدرة الخطاب الرسمي على الصمود أو جذب متجاوبين معه.

وتشير التقارير الدولية، إلى تراجع قوة الجماعات المتطرفة، وتعرضها لخسائر كبيرة قللت من خطورتها مثل تنظيم “داعش” والذي فقد الكثير من قوته خلال 2019، سواء في سوريا أو العراق، وقتل زعيمه أبو بكر البغدادي، هذا بخلاف نفور العديد من الشباب من الانضمام له بعد انتشار اعترافات الهاربين منه، وحديثهم عن وحشية التنظيم.

فيما كشف التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، عن تراجع أعمال الإرهاب بنسبة 23%، فيما حذرت من أن عناصر “داعش” و”القاعدة” استطاعت التأقلم مع الوضع الحالي.

جماعة الإخوان كذلك تعرضت لهزة كبرى عقب انتهاء حكمها في مصر، وسجن معظم قادتها، واعتبارها جماعة إرهابية في عدد من الدول، واعترافات المنشقين عنها حول تغليبها مصلحة قادتها على أي شيء آخر، وتخليها عن الشباب الهاربين في دول عدة مثل تركيا والسودان وعدم دعمهم.

التيار السلفي أيضًا تعرض لانتقادات كبيرة، عقب تراجع قادته عن مواقفهم التي تتعارض مع فتاواهم الشرعية المتشددة، وسعيهم وراء المناصب وتحقيق المصالح الشخصية وتغليبها على مصلحة القواعد.

وفى عام 2019 اعتمدت المفوضية الأوروبية عددًا من الإجراءات لمكافحة الإرهاب، وكان على رأسها التصدي لعمليات التجنيد التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية.

وفى مصر تم اتخاذ العديد من الإجراءات لمنع الكيانات المتطرفة من استقطاب قواعد شعبية جديدة، ومنها اقتصار الخطاب الديني على الكيانات الرسمية مثل الأزهر والأوقاف، ومنع الخطابة على غير الأزهريين، ومنع التجمعات في الأماكن الدينية وقصرها على الصلاة فقط، وتعقب الاتصالات التي تتم بين المنتمين للجماعات المتطرفة في مصر وخارجها، بخلاف إطلاق مرصد الفتاوى التكفيرية للرد وتفنيد أي فتوى متشددة.

ورغم كل هذه الإجراءات وكشف القناع عن الجماعات المتشددة، إلا أن خطرها لايزال قائمًا، ولا يزال خطابها أكثر تأثيرًا في العامة، فيما لايزال الخطاب الوسطى المستنير، عاجزًا عن جذب الشباب إليه.

لا تلوموا الشباب

بهذه الكلمات تحدث الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه والشريعة بجامعة الأزهر، عن نفور الشباب من الخطاب الديني الرسمي، وانجذابهم للخطاب المتشدد المتطرف، مؤكدًا أن الخطاب السياسي أيًا كان، له تأثير على الخطاب الدعوى.

وتابع: “لو شاهدنا عصر ثورة 1952، فقد شهدت لقاءات بين ضباط الثورة وعناصر من جماعة الإخوان منهم الهضيبي، الأمر الذي منحهم شرعية وقتها، حتى وإن حدث خلاف فيما بعد، كذلك الأمر في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والذي أخرج المتشددين من السجون، وفتح الأبواب لتصالحات وندوات ومحاضرات لهم، فظهرت الجماعات التكفيرية المتشددة مثل التكفير والهجرة، والجهاد والجماعة الإسلامية، بخلاف جماعات سلفية جهادية ممتدة حتى اللحظة”.

وأكمل: “كذلك عهد محمد حسنى مبارك، والذي شهد انتشارًا كبيرًا للمتطرفين، فظهرت 22 قناة سلفية، دخلت البيوت والعزب والكفور والنجوع والمناطق الشعبية، مما مكن هذا التيار من عقول هؤلاء، في حين لم يكن هناك قناة أزهرية واحدة تواجه هذا الأمر وتقدم خطابًا معتدلًا، هذا بخلاف تمثيل الإخوان في مجلس النواب بأعداد ليست قليلة”.

وذكر أنه “عقب رحيل نظام مبارك، ظهرت الأحزاب السياسية ذات الطابع الديني المتشدد، مثل السلفية المعارضة للوطنية والديمقراطية”، مضيفًا “أن تلك الكيانات لها تمويل واتباع وداعمين، وكتب ومجالات وقنوات تتحدث باسمها، والخطاب الديني التقليدي أو الرسمي لا يملك هذه المقومات التي تجعله قادرًا على التواجد أمام الخطاب المتشدد”.

وأكد “كريمة” “أن غياب دور بعض المؤسسات ساعد في ابتعاد الشباب عن الخطاب الرسمي، فمثلًا وزارة الثقافة دورها ليس فقط الفنون والرسم والنحت والأوبرا، ولكن دورها النهوض بالفكر، وأيضًا وزارة الشباب والرياضة، دورها لا يقتصر على الأندية الرياضية وخلافاتها، ووزارة الأوقاف ليس دورها جلود الأضاحي”.

واستطرد: “أن كل تلك المؤسسات غاب دورها، وغابت معها النماذج التي تتميز بالكفاءة وتم تهميشها، كل تلك العوامل ساعدت في ابتعاد الشباب عن الخطاب الرسمي”.

جمود الشيوخ

وسط العديد من الأمور المتشابكة، تظل علاقة الشخص العادي ورجل الدين، لها قدسيتها، ما يجعل حديثه مصدقًا ولا مراجعة له، ولكن مؤخرًا بات الأمر انتقائيًا، فكل شخص يستمع لرجل الدين الذي يمنحه ما يريد، خاصة فئة الشباب التي تبحث عن الحرية بعيدًا عن قيود الدين، وهو ما قدمه الخطاب المتطرف لهم، وفقا لما أكده الخبير النفسي “جمال فرويز”,

وقال “فرويز” “إن بعض رجال الدين يبحثون عن نسب مشاهدة ومتابعين لهم، فيختارون الحديث مع الشباب بلغة التشدد والجهاد والقتل والحماس وهو ما يجذبهم، فالشباب الصغير، ميوله تتميز بالحدة والتعصب والعنف والشدة، وهو الأمر الذي يستغله الدعاة المتطرفون في جذب ضحاياهم لأنه يخاطبهم باللغة التي يريدونها”.

وذكر “أن هؤلاء المتشددين، في حال تحدثوا بلغة الوسطية والاستنارة، لن يجدوا من يستمع لهم، وهذا ما ترتكن له الجماعات الجهادية في جذب الشباب، وأذكر شيخًا سعوديًا كان يلتقي بعدد من الشباب وقام بحسب عدد الحور العين التي سيحصل عليها الشهيد منهم، في الوقت الذي ترك نجله يتعلم بالولايات المتحدة الأمريكية، بعيدا عن التشدد الذي يجذب له الآخرين، فهم يقولون ما لا يفعلون”.

وحول مواجهة هذا الأمر، قال “فرويز” “لابد من الاقتراب من الشباب، والتحدث معهم بلغتهم، فمثلا نجد الشيخ الأزهري أو التابع لمؤسسة رسمية عند طرح سؤال عليه يدور في أمور لا تهم السائل يجعله لا يفهم الإجابة، كما أنهم يستخدمون كلمات ومصطلحات أعلى من مستوى الشباب الصغير، وهذا خطأ، ولقد لاحظنا عند ظهور جيل الدعاة الشباب كانت تجربة ناجحة جدًا، لولا ارتكاب بعضهم لأخطاء قارنها الشباب بما يقولون وعزفوا عن متابعتهم، لذا فلابد من التقرب من الشباب أكثر والحديث معهم بلغتهم التي يدركونها جيدًا”.