أثارت قصة مقتل الفتاة أحلام الأردنية، على يد والدها ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تصدر “هاشتاج “صرخات أحلام” قائمة الهاشتاجات الأكثر رواجًا في الأردن على موقع التدوينات المُصغرة “تويتر”، وأعادت تلك القصة المُفجعة قضية العنف الأسري الذي يعاني منها العالم العربي إلى الأذهان.

لم تكن قضايا العنف الأسري وليدة الأزمة، وإنما هي متجذرة ومتأصلة في مجتمعاتنا العربي وتتفاوت النسب والإحصائيات من دولة إلى أخرى، إلا ان الحكايات متشابهة في كافة الدول، ما يعني أنه قد حان الوقت  لوضع ضوابط وقوانين لإنهاء تلك اللأزمة.

بحسب استطلاع الباروميتر العربي الذي تم في الفترة 2018-2019، هناك  15% من الأسر بالمنطقة العربية تعاني من العنف الأسري، وينتشر بدرجة عالية نسبياً في اليمن 26%، والمغرب 25%، ومصر 23%، في حين أن معدلات الإبلاغ عن وقائع العنف تصل أدناها في كل من ليبيا 7%، والأردن ولبنان وتونس 6% في كل من الدول المذكورة.

ووفقًا للاستطلاع، فإن العنف الأسري يمكن أن يستهدف الرجال أو النساء، وتختلف النسب من بلد إلى بلد، ونسبة تقارير العنف الأسري ضد ضحايا إناث تبلغ 82% في لبنان، و72% في مصر، و71% في المغرب، وتبلغ في الجزائر 66%. في المقابل تبلغ نسبة تقارير العنف الأسري ضد ضحايا إناث في ليبيا 34% وهي 30% في اليمن.

الأردن وصرخات النساء

أظهر استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، أن غالبية الأردنيين وبنسبة 51% تأثروا بشكل سلبي جراء حظر التجوال الذي فُرض للحد من انتشار فيروس كورونا.

وكشف الاستطلاع الذي في إبريل/ نيسان الماضي، أن حظر التجوال أدى إلى خلافات أو عنف داخل الأسرة، لدى أكثر من ثلث الأردنيين، بنسبة 34%، وأبرز أشكاله العنف اللفظي بـ17%، يليه العنف النفسي بـ 9%، ثم الإهمال بـ 6%، وحصلت حالات العنف من 1-3 عند 75% منهم، و19% حصلت عندهم حالات العنف أو الخلافات أو المشاحنات أكثر من 6 مرات خلال فترة حظر التجول.

وأشار إلى أن الأطراف الرئيسية في هذه الخلافات كانت الزوج والزوجة بنسبة 34%، الأب وأحد الإخوة الذكور بنسبة 13%، الإخوة والأخوات بنسبة 11%، الإخوة الذكور بين بعضهم بنسبة 10%.ووفقاً للمصدر نفسه، فإن 25% من الأردنيين يعانون من الخلافات والعنف داخل الأسرة قبل حظر التجول.

العنف الأسري في مصر يرتفع بشكل ملحوظ

شهدت حالات العنف الأسري في مصر، ارتفاعًا ملحوظًا خلال الفترة الماضية، تزامنًا مع فرض الحجر الصحي وحظر التجوال ضمن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة المصرية لمواجهة جائحة كورونا.

في مايو الماضي، كشف المركز المصري لحقوق المرأة، في تقريره الذي ثمن شكاوى مقدمة من النساء اللاتي تعرضن للعنف خلال فترة الحجر الصحي، عن تزايد معدلات العنف الأسري إلى ما يقرب من الضعف خلال أسابيع العزل الماضية، فالزيادة تمثل 85 % من معدلات الشكوى العادية.

وفي نوفمبر الماضي، أي قبل الجائحة بأشهر قليلة، كانت مصر قد جاءت في المرتبة الثالثة عربيًا بنسبة 23% في استطلاع الباروميتر العربي عن العنف الأسري.

ويجرم الدستور المصري، جميع أشكال العنف ضد المرأة وفقا للمادة 11 من الدستور الي تنص على حماية المرأة من جميع أشكال العنف، وناشدالمجلس القومي للمرأة والمؤسسات النسوية في أوقات سابقة،  بضروة إقرار قانون موحد لحماية المرأة من كافة أشكال العنف وحتى الأن لم يتم تشرع ها القانون.

5 آلاف شكوى عنف أسري في العراق

5311  شكوى عنف أسري وصلت إلى الأجهزة الأمنية العراقية خلال الأشهر الستة الماضية، بحسب تقرير أمني رسمي سلّط الضوء على تعرض الزوجات، ومن بعدهن الآباء، للقدر الأكبر من هذا العنف.

تضمنت هذه الشكاوى 3637 اعتداءً من الزوج على الزوجة، و453 من الزوجة على الزوج، و402 بين الإخوة والأخوات، و183 من الآباء على أبنائهم، و617 من الأبناء على آبائهم.

1300 شكوى من هذه الشكاوى تحوّلت إلى قضايا. ففي 16 يوليو/تموز، أفادت مديرية العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية العراقية بأنها سجلت “أكثر من 1300 قضية عنف أسري خلال الأشهر الستّة الماضية في عموم بغداد والمحافظات العراقية”، لافتة إلى صدور أوامر بالقبض على 367 شخصاً.

وعبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماععي “فيسبوك”، فصل سعد معن مدير العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية العراقية في شريط فيديو نتائج التحقيقات في قضايا العنف الأسري، مبيّناً أنها أسفرت عن إدانة 43 محكوماً، والإفراج عن 345، فيما يستمر التحقيق مع 374 شخصاً.

وعلى مدى الأشهر الأخيرة، تعالت الأصوات العراقية المطالبة بسن تشريع يجرّم العنف الأسري في ظل تزايد هذا النوع من الجرائم، وخصوصا مع حالة الحجر لمكافحة انتشار فيروس كورونا. وتبنى ودشن العديد من النشطاء العراقيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة” لتشريع قانون ضد العف الأسري” في العراق.

العنف الأسري في فلسطين بين الاحتلال والظروف الاقتصادية

كشفت أزمة جائحة كورونا عن الواقع المرير الذي تعيشه المرأة الفلسطينية من عنف، حيث كشفت “هبة الزيان” مديرة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في قطاع غزة، أن أزمة كورونا أثرت على النساء والفتيات في فلسطين بشكل أكبر، مشيرة إلى أن العنف الأسري زاد بشكل كبير خلال فترة الإغلاق التي فرضتها الحكومة الفلسطينية.

ووفقًا للداسة التي أعدتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة، والتي هدفت إلى توصيف واقع النساء في فلسطين، ومساعدة صناع القرار في الحكومة ومؤسسات العمل الأهلي في مراعاة النساء، فإن جرائم القتل ضد النساء، ارتفعت بشكل محلوظ، وكلها وما تزال في فترة كورونا، فالأرقام متضاربة ولكن المتوسط هناك ما بين 15-17 امرأة وفتاة فقدن حياتهن في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإن كان الرقم غير دقيق، لأسباب مختلفة منها عنف جسدي، ومنها ما ادعي أنه قتل على خلفية الشرف، ومنها بسبب الميراث أو أسباب اقتصادية.

يذكر أن فلسطين ليس لديها قوانين تحد من العنف الأسري، ولا زال مشروع قانون حماية الأسرة من العنف تحت الدراسة من قبل الحكومة الفلسطينية،  وفي يونيه الماضي، نشر وكيل وزارة التنمية الاجتماعية داوود الديك عبر حسابة على الفيس بوك جملة من الملاحظات حول مسودة قانون حماية الاسرة من العنف.

وبدأ الحديث عن قانون حماية الأسرة من العنف عام 2004، أي قبل 10 أعوام من انضمام دولة فلسطين إلى اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، وتم طرح أكثر من مسودة على مدار الحكومات المتعاقبة وحتى الأن لم يتم إار القانون رغم تزايد ضحايا العنف الأسري.

تزايد العنف تونس

في تصريحات صحفية عبرت وزيرة المرأة والأسرة التونسية أسماء السحيري، لصحيفة “مونت كارلو الدولية”، عن قلقها، بسبب تضاعف معدلات العنف المسلط تجاه النساء سبع مرات مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ولك في ظل تلقي الوزارة شكاوى من نساء معنفات وأطفالهن.

ووفقًا لتصريحات الوزيرة، فإنه تم التنسيق مع وزارة العدل من أجل تفعيل الفصل 26 من قانون 58 لسنة 2017، والمتعلق بالقاء عل العنف ضد الرأة والذي يمكن النيابة العمومية من  إجبار المعتدي على إخلاء المنزل لفائدة المرأة ضحية العنف وأبنائها.

تويتر يضج بآلام المرأة السعودية

لا يوجد إحصائيات رسمية على العنف الأسري الموجود بين عائلات المملكةالعربية السعودية، لكن على مدار السنوات الماضية كانت هناك شواهد كثيرة تدل على التعنيف الذي يطول الفتيات والنساء داخل منازلهن، تمثلت تلك المأساة في رهف القنون التي تمكنت من الهروب من أسرتها العام الماضي 2019 ومنحتها كندا حق اللجوء بسبب ما تعرضت له من تعنيف أسري دون حماية قانونية.

وفي إبريل/نيسان الماضي، تصدر هاشتاج #ليش_ما_بلغت، “تويتر”، وبدأت السعوديات في توثيق شهادتهن عن العنف الأسري الذي يتعرضن له، بالإضافة إلى ذكرهن أسباب عدم تبليغهن عن تلك الوقائع ما يفسر غياب الاحصائيات.

وتناولت الروايات أنواعا من العنف الأسري تنوعت بين اللفظي والنفسي والجسدي وصولا للتحرش الجنسي والاغتصاب، وتنوعت إجابات المغردات المشاركات في الهاشتاج التي تشرح الأسباب التي تمنعهن من إبلاغ السلطات عن العنف الذي يتعرّضن له داخل الأسرة وتتضمنت :” عدم الثقة في السلطات المكلفة بمتابعة حالات العنف الأسري، بالإضافة إلى الخوف من دار الرعاية الذي يوضع فيه الفتيات المعنفات”.

الجدير بالذكر أن دار الرعاية الاجتماعية للفتيات في الأصل مؤسسة تودع فيها كل فتاة بين سن السابعة وسن الثلاثين تنفيذا لحكم قضائي أو”منحرفة” أو “قابلة للانحراف بسبب ظروف معينة، بالإضافة إلى ذلك، تأوي هذه الدور فتيات أجبرن على الإقامة فيها من طرف أولياء أمورهنّ حتى “تصلح أحوالهن”، وهو الأمر الذي يحوّل هذه الدور في نظر الكثيرات إلى سجن مخصص للنساء.

يذكر أنه في أغسطس من عام 2013 أقرت السلطات السعودية قانونا لمناهضة العنف الأسري، ووفقًا للقانون يمنع كافة أشكال العنف الجنسي والبدني سواء داخل المنزل أو في مكان العمل. وتتضمن العقوبات عقوبة السجن لمدة عام وغرامة تصل إلى ما قيمته 13 ألف دولار.

القتل على خلفية العنف الأسري في زمن كورونا

وفقًا للاستطلاع الذي أجراه الباروميتر العربي في الفترة 2018-2019، فإن أغلب النساء ضحايا العنف بالمنطقة 88% منهن يلجأن إلى قريبات أو أقارب لهن طلباً للمساعدة، وهناك قلة قليلة من النساء بالمنطقة 12% يفكرن في تقديم الشكوى للشرطة المحلية بسبب هذا العنف.

ويختلف لبنان هنا، فنحو نصف النساء ضحايا العنف إنهن يبلغن الشرطة المحلية بالعنف الأسري (49%). وهذا يؤشر بأنه تى في حالة توافر القوانين فإنها ليست نافذة مما يتيح للجناة الإفلات من العقاب على أفعالهم. كما أن قلة من النساء المعرضات للتعنيف (6%) في المنطقة يلجأن للمستشفيات لطلب النجدة، وبحسب الاستطلاع لقد سلطت جائحة كوفيد-19 الضوء على قصور التدابير الداعمة التي تستعين بها السلطات العربية في حماية الناجيات من العنف، حتى من قبل انتشار الوباء.

وكانت هيئة الأمم المتحدة للمرأة، قد أشارت في بيان لها صادر عن المديرة التنفيذية فومزيل ملامبو-نجوكا، في 20 مارس الماضي، إلى أن الآثار السلبية التي سيحدثها فيروس كورونا المستجد، لن تتوقف عند ما يتعلق بالصحة العامة ووقوع الوفيات، وقرارات العزل المنزلي، ولكنه تطرق إلى التأثيرات المتعلقة بأوضاع النساء الاجتماعية، وكان الخوف الأكبر هو “العنف الأسري”.

وأوضحت الأمم المتحدة للمرأة، أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، التي جاءت نتيجة العزل المنزلي والصحي لفترات طويلة مع مخاوف الأمن والصحة وظروف المعيشة، من الممكن أن تساهم في ارتفاع حالات العنف الأسري المنزلي والاستغلال الجنسي، فهناك 137 امرأة يتم قتلها يوميا على يد أحد أفراد أسرتها، وفي البلاد التي طبقت العزل الاجتماعي كانت حالات العنف المنزلي التي تم الإبلاغ عنها قد تزايدت 3 أضعاف وأكثر من ذلك.

وأشارت تقارير الأمم المتحدة كذلك إلى أنّ دولة واحدة من بين كلّ أربع دول حول العالم لا تتوفّر فيها أيّ قوانين تحمي النساء، كما أوحت أن نسبة 40 في المائة فقط من النساء اللواتي يتعرضن لعنف أسري يتقدمن بطلب مساعدة، وأقلّ من 10 في المائة من النساء اللواتي يطلبن المساعدة يتقدّمنَ ببلاغ لدى الشرطة ضد من اعتدى عليهنّ.

من جانبها ترى الهام عيداروس الناشطة النشوية ووكيل مؤسسي حزب العريش والحرية، أن الضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها الرجال في مجتمعاتنا العربية يدفع ثمنها النساء والأطفال باعتبارهما الحلقة الأضعف في المجتمع، وينتج ها من انتفاع الرجال في المجتمع العربي بالسلطة الأبوية والهيمنة الذكورية الذي منحتها له تلك المجتمعات.

وترى أن المجتمعات العربة تبقى  فيها ملايين النساء رهائن للتسلط الأبوي باعتبارهن رمزا لشرف الرجل وكرامته يتكلم عنه رجل الدين ويتباهي به شيخ العشيرة ويعاقب عليه القانون، وما زالت الطبقات المهيمنة على الثروة والسلطة حريصة على جعل النساء قاعدة عظيمة للرجعية  حتي تجد من تتكأ عليه لبقائها.