تُعاني المرأة الإيرانية، منذ قيام الثورة الخمينية الإسلامية وحتى الآن، من التصاعد المتزايد في نسب التحرش، ومُختلف أنواع الاستغلال الجنسي الذي يتزايد في بلاد فارس لأسباب مختلفة، حتى أن الزي الإسلامي الإلزامي المُتمثل في الحجاب والشادور لم يعد حاميًا لها، بل تسبب في الجور على حقوقها.

أسباب الاستغلال الجنسي للمرأة الإيرانية

تُعد قلة الوعي الثقافي والفكري، عاملًا قويًا لارتفاع نسب التحرش في إيران، بالإضافة إلى زيادة معدلات الفقر المؤدية لانخفاض القدرة المادية على الزواج، والتي أنتجت جيلًا من الشباب الذي يعاني من الكبت الجنسي، وكذلك التعدد العرقي والديني الذي يمنع الزواج إلا من الفصيل ذاته، بالإضافة إلى آلية تربية الذكور في المجتمع ذاته التي تسببت في جعل النساء يعانين من الدونية، حيث اقتصر دورهن على تربية الأطفال والاعتناء بالأزواج والانصياع لأمورهم، كما تعتبر حالات التفكك الأسري سببًا قويًا لخلق أجيال غير سوية جنسيًا وأخلاقيًا وحتى دينيًا.

 

 

أوجه التحرش

تتعرض غالبية الفتيات الإيرانيات، يوميًا، إلى التحرش الجنسي في كافة أماكن الدولة، سواء المدارس، أو الشوارع، أو أماكن العمل، فلا يتعرضن للتحرش اللفظي أو حتى المغازلات التي تنتشر في بعض المجتمعات بل يصل الأمر إلى حد المطاردات والإيماءات والإيحاءات الجنسية، ولم تفرق تلك المعاكسات بين المرتديات للزي الشرعي الرسمي في طهران، أو تلك الفتيات التي ترتدي الزي الغربي كما يطلق عليهن.

مديرة مركز دراسات المرأة الإيرانية “شهلا عزازي”، أشارت في تقرير قدمته في مؤتمر “الأمن النسائي” والذي أقيم في ديسمبر الماضي بطهران، إلى تعرض 75 إلى 98 % من النساء الإيرانيات إلى المضايقات والتحرش في بلادهن، خاصة في المدن الكبرى كالعاصمة طهران، وتقل تلك الظاهرة في المدن الصغرى، بسبب بعض القيود الموضوعة من قبل قبائلها.

تنتسب ظاهرة التحرش إلى ملابس الفتيات، ومستحضرات التجميل المُلفتة، التي تثير غرائز الرجل، إلا أن “شهلا”، أوضحت أن التحقيقات التي أجراها المركز كشفت أن المظهر والأناقة بالنسبة للمرأة ليست سببًا للتحرش، حيث أكد عددًا كبيرًا من النساء على تعرضهن للتحرش دون أن يكون للمظهر الخارجي أي دور في ذلك، فالشادور يعد زي كثيرين منهن، وهي ملابس سواد فضفاضة تتشح بها المرأة من رأسها وحتى قدميها.

وتابعت شهلا، أن التعليم أو الطبقة الاجتماعية، لم يمنعا الرجال من التعرض للفتيات، حيث يستخدمون الإهانات والإيماءات الجنسية، التي تصل حد الأذى الجسدي والسباب، والتهديدات أيضًا، وكشفت الدراسة، أنه من بين كل 380 رجل، يوجد 18 فقط لم يتحرشوا بالنساء.

 

 

شهادات نسائية

نساء إيرانيات تحدثن لصحيفة الجارديان البريطانية، مؤكدين أن العاصمة الإيرانية طهران أصبحت ساحة لصيدهن من قبل الرجال، الذين لا يتوقفون عن استخدام التلميحات الجنسية لهن حتى أنهم يقومون بإرسال القبلات لهن في الهواء، ومطارداتهن بالسيارات وتقديم عروض فاحشة ربما تصل حد التحرش.

تري السلطات الإيرانية، أن ملابس النساء سببًا رئيسيًا في إثارة غرائز الرجال

القانون يحمي المتحرشين

موقف السلطات الإيرانية، كان واضحًا في تلك القضية، فبدون الاستماع إلى وجهة نظر الضحية، فإنها مخطئة، لعدم ارتدائها الشادور أو الالتزام بالزي المحتشم، ما جعل تلك القوانين والتشريعات في مهب الانتقادات كلما طفت حالة جديدة على سطح المجتمع الإيراني.

وتري السلطات الإيرانية، أن ملابس النساء سببًا رئيسيًا في إثارة غرائز الرجال، وهو ما يجبرهم على التحرش بالفتيات، ولهذا عملت الدولة الإيرانية على تطبيق عقوبات صارمة على السيدات المخالفات لارتداء الملابس الشرعية أو حتى اللاتي يشتكين من تعرضهن للتحرش أو حتى الاغتصاب، ما أجبر الفتيات على عدم الإفصاح عن أي وقائع تعرضن لها خوفًا من بطش القانون الجائر علهين.

لم يقتصر التحرش في إيران، على الأحرار بل امتد إلى السجينات

إعدام المُغتصبة

أعدمت السلطات الإيرانية، مُصممة الديكور الإيرانية ريحانة جباري، نهاية أكتوبر من عام 2014، إثر اتهامها بقتل مسؤول استخباراتي إيراني سابق، حاول الاعتداء عليها، واغتصابها، في الوقت الذي أقدمت فيه على ذلك كدفاع عن النفس

ورفضت المحكمة، مُبرر ريحانة، وأصدرت حكمًا بإعدامها عام 2007، وظلت حبيسة حتى تنفيذ الحكم، بسبب ضغط الرأي العام المحلي والعالمي على السلطات الإيرانية، كما شككت الأمم المتحدة في نزاهة المحكمة، وجمع 200 ناشط حقوقي ونسوي حول العالم توقيعات لمنع إعدامها “ريحانة” إلا أن السلطات الإيرانية نفذت الحكم غير عابئة بالرفض لتلك المحاكمة غير العادلة للمتهمة.

وكشفت ريحانة، في الوصية التي تركتها لأمها، أنها لاقت عذابات كثيرة ومتنوعة، في السجن، وكان محل سجنها شبيه القبر، وأوصت أمها بالتبرع بأعضائها للجمعيات خيرية.

 

 

مُناجاة من السجن

لم يقتصر التحرش في إيران، على الأحرار بل امتد إلى السجينات، حيث طالبت والدة إحدى السجينات وتدعى “عذراء بذركان” في يوم المرأة العالمي، مارس الماضي، رئيس السلطات القضائية الإيرانية إبراهيم رئيسي، بالنظر إلى أوضاع السجن الذي تُحتجز فيه ابنتها، الناشطة الحقوقية نرجس محمدي، مُعلنة تعرضها إلى التحرش الجنسي من قبل مسجون متهم بقتل شخصان، وأن السجن يتداول فيه مواد مخدرة.

وأشارت إلى أن ابنتها لم تكن في أمان كما تزعم السطات الإيرانية، بأن السجناء السياسيين والحقوقيين أمنيين، وأن الوضع الراهن داخل السجون عكس ذلك، فابنتها تتعرض للتحرش وتسلب من حقوقها بحسب ما نقلته صحيفة “إيران إنترناشونال”.

السلطات الإيرانية أعدمت مُصممة الديكور الإيرانية ريحانة جباري، إثر اتهامها بقتل مسؤول استخباراتي إيراني سابق حاول الاعتداء عليها واغتصابها

انتفاضة الإيرانيات

الأحاديث والأوضاع السابقة، جعلت الإيرانيات مكبلات الأيدي يسعين بكل ما أوتين من قوة لكسر تلك الأسوار التي قيدتهن وسلبت حقوقهن، فهن من يُعتدى عليهن ويُتحرش بهن، ويتم معاقبتهن دون النظر إلى الجاني بفعل القوانين التي سنتها السلطات الإيرانية.

طالبت النساء الإيرانيات، بوضع قانون يحميهن من التحرش ويؤمن عدم محاكمتهن نتيجة لذلك، كما نظمن حملات معلنة عبر صفحات التواصل الاجتماعي لرفض ارتداء الزي الشرعي أو حتى الحجاب مُطالبين بخلعه.

وأقدمت عدة فتيات على خلع الحجاب بصورة معلنة في ضواحي وشوارع العاصمة طهران، وهو ما لقي تضامنًا محليًا وعالميًا، وكانت بداية لإطلاق هاشتاج “دختران خيبان انقلاب”، أي “انقلاب فتيات الشارع”.