“ممنوع منعًا باتًا تواجد المربيات بحرم الحمام”، جُملة من عشرات الجمل التي قد تمر عليك عند قراءة لائحة أحد الفنادق أو النوادي الرياضية والنشرات التعريفية لبعض المسابح العامة، ولكنها تحمل في دواخلها تمييز عنصري وطبقي لبعض الفئات “الكادحة” في المجتمع، وهو ما أثارته بعض الوقائع في الفترات الماضية وسلطت الضوء عليه.
أعادت حادثة يارا نعوم، زوجة عماد متعب لاعب النادي الأهلي ومنتخب مصر السابق، التي تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي، أمس الأحد، بعد اتهامها بالعنصرية تجاه عاملة منزل لإحدى الأسر، كانت متواجدة في المنتجع السياحي الذي تقضي فيه إجازتها، الحديث حول “الطبقية في حمامات السباحة” للسطح مرة أخري، ورغم نفيها الرواية التي تم تداولها غير أنها تعرضت لهجوم عنيف من رواد السوشيال ميديا.
نفت يارا نعوم، عبر حسابها الرسمي علي الفيسبوك، تنمرها واتهامها بالعنصرية نحو عاملة منزل، قائلة “أحب أن أوضح أنني و زوجي نحترم كافة أطياف المجتمع، ثانيا، تضامنت مع إدارة المنتجع الذي نقضي فيه العطلة الصيفية عندما وجهوا اللوم لإحدى الأسر نظرا لقيام مربية المنزل بالنزول إلى حمام السباحة بالملابس العادية دون الالتزام بالملابس المخصصة للسيدات سواء المحجبات أو غير المحجبات، حرصا علي السلامة العامة وسط الظروف التي تمر بها البلاد حاليا”.
من جانبه، علق اللاعب المعتزل عماد متعب على الاتهام الموجه لزوجته، موضحًا أن أزمة العاملة كانت بسبب الزي وعدم ارتداء المايوه،”الست دي شهرت بيا أنا وزوجتي، وأنا هتعامل قانونيا معها ومع كل من تطاول على وعلى زوجتي، ونحن في فندق وضع ضوابط، وهذه الملابس لا يصح نزول حمام السباحة بها، والإدارة أخبرت السيدة بهذا، وقامت بلبس المايوه ونزلت مرة أخرى”.
“التميز العنصري”
تعود قصة اتهام يارا نعوم بالعنصرية، إلى نشر إحدى السيدات عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” تفاصيل مشادتها في أحد المنتجعات بالغردقة مع نزيلة اكتفت بكتابة أول حرفين من اسمها واسم زوجها، وعلى الفور خمن الجمهور الاسمين.
وأضافت أنها طلبت من عاملة المنزل لديها أن ترتدي “البوركيني”، ورغم قيامها بذلك إلا أنها وجدت أن النزيلة معترضة على فكرة نزولها لحمام السباحة الذي تنزل فيه، ومن ثم وقعت مشادة وتم تدخل إدارة الفندق، الذي انحاز لصف السيدة، بحسب رواياتها.
ولم تكن حادثة “يارا” الأولي من نوعها، ففي العام الماضي، أثارت واقعة نشرتها صفحة أخبار “سكان مدينة الرحاب” على موقع “فيس بوك”، جدل بين متابعي الصفحة، ونقلت الصفحة عن أحد سكان المدينة اعتراض أحد الملاك على نزول مربية فلبينية مع الأطفال حمام السباحة، بـ”نادي الرحاب” وطالب الأمن بإخراجها واستجاب.
ونقلت الصفحة الرسالة التي وصلتها من أحد سكان الرحاب، حيث روت أنها فوجئت بنزول مربية فلبينية الجنسية مع أحد الأسر حمام السباحة بملابس عادية، مما اضطرها لإبلاغ الأمن والمسئولين بالنادي، وهو ما تم علي أساسه تغير طاقم إشراف حمام السباحة بالكامل، وتم تعليق ورقة مكتوب عليها:” السادة الأعضاء ممنوع نزول المربيات في حمام السباحة”، وهو ما أثار غضب رواد السوشيال ميديا حينها واصفين موقف صاحبة الرسالة بــ”العنصري والطبقي”.
وبحسب ميثاق حقوق الأنسان، فأن “التمييز العنصري” هو أي تمييز أو استثناء يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي ويستهدف تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.
“ممنوع دخول الحيوانات والخادمات”
وفي لبنان، يقر أغلب أصحاب المنتجعات السياحية والمسابح تدابير عنصرية بحق العاملات الأجنبيات، حيث تنص هذه التدابير على حصر السباحة في البحر ومنع العاملات الأثيوبيات من النزول إلى أحواض السباحة، وهو الأمر الذي يتجدد كل موسم صيف، رغم قرار وزارة العمل بمنع اتخاذ مثل هذه السياسة واعتبارها مخالفة.
وفي يوليو من العام الماضي، نشرت الصحفية والباحثة، سحر مندور، المقيمة في بيروت، تدوينة تحدثت فيها عن منع أكاديمية من الجنسية الهندية وابنتها، كانتا في لبنان للمشاركة في مؤتمر، من دخول مسبح نادي “سبورتينج”، بسبب لون بشرتها.
اما في عام 2010 انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة وضعت على مدخل أحد المنتجعات الشهيرة الذي يضم ألعاباً مائية، وهو منتجع “ووتر غيت”، وتشير الصورة إلى تعريفة دخول الزبائن، بينما وضع المنتجع عبارة “متفرقات” مكان العاملات المنزليات، على اعتبار أنهن فئة مختلفة عن النساء اللبنانيات، ويمنع المنتجع نفسه العاملات من ارتداء ملابس السباحة، ويسمح لهنّ فقط بمرافقة الأطفال الصغار.
وفي عام 2018، نشر الفنان اللبناني يوري مرقدي فيديو يكشف فيه عن أنه نزل إلى شاطئ منطقة العقيبة، شمال بيروت، مع كلبه، فجاء عنصران من شرطة وأخبراه أنه ممنوع على الكلاب والسوريين والمحجبات نزول البحر في المنطقة .
وكان قد طلبت وزارة السياحة في لبنان، في عام 2012، من المسابح والحمامات البحرية ومرافئ الاستحمام اعتماد المساواة في استقبال الزبائن دون تميز لجهة العرق أو الجنسية أو الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة المتمتعين بالأهلية القانونية، غير أن عددا من المسابح لم يلتزم بتعميم الوزارة ومازال الأمر يثير جدل حتي وقتنا هذا.
ويقول طه أبو الحسن، أستاذ علم الاجتماع، أن ما يتم تداوله عن عدم سماح المربيات المقيمات في نفس المنزل مع مخدوميهم للنزول إلى حمام السباحة في الأندية والمنتجعات السياحية هو الطبقية في أقسى صورها، وإعادة الحديث عنه في الوقت الحاضر غير مقبول.
وتابع “أن كل هذه التصرفات لا تدل سوى علي العنصرية والتميز وهو ما نرفضه كمجتمع متسامح ومنفتح على الثقافات والجنسيات الأخرى بطبعه”، متسائلاً أيهما أكثر خطورة أن تبقى المربية مع الأطفال في منزل ومحيط ضيق ويؤمن جانبها لذلك أم تتواجد في الهواء الطلق تستمع مع من يعتبرونها من أسرته؟.
وقال “كل ما يتداول هو نبرات كراهية وعنجهية قد انتهى زمانها”، مشيرًا إلى أن هذه القضية تحتاج إلى عمل بحثي وتدقيق للقضاء عليها من جذورها، موضحًا أن المجتمعات العربية بصفة عامه لا تزال تشهد تمييزًا ضد العديد من الفئات، على أسس الخلفية الاجتماعية والجنس، ولون البشرة، وهو ما يجب أن ينتهي.
وأضاف: أن التعامل مع هذه المشكلة متعدد الجبهات، مؤكدًا على ضرورة بدء الأمر من الأسرة التي هي نواة المجتمع وتربية الأطفال على فكرة المساواة حتى لا تخرج لنا أجيال مشوهة فكريًا بهذا الشكل، بالإضافة إلى تجسيد هذه القضايا الهامه ومعالجتها في الدراما، والتأكيد على أننا مجتمع منفتح ولا يحرض على الكراهية، مع وجود برامج توعية من المجتمع المدني، ونشر الثقافة الإيجابية بخصوص أصحاب البشرة والعرقية المختلفة”.