بانت سعاد فقلبي اليوم متبول.. مُتيم إثرها لم يفد مكبول

وما سعاد غداة البين إذا رحلوا.. إلا أغن غضيض الطرف مكحول

لم يُنكر النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك الغزل على كعب بن زُهير، في قصيدته التي ألقاها على الرسول في باحة مسجده الشريف، والتي تُعد خير دليل على وجود الاختلاط بين الرجال والنساء في عهد النبي، فلو كان مُحرمًا لأنكره النبي على كعب.

الاختلاط بين المرأة والرجل، تلك القضية التي لم يرد نص قرآني ولا فعلًا عن النبي بتحريمها، إلا أن بعض من وصفوا أنفسهم برجال الدين خرجوا يحرمونها بأقوال وأدلة ضعيفة مُختزلة، فحرموا خروج المراة للعلم والعمل وغيرها من الأعمال التي حث الإسلام عليها، بل وورد في السيرة النبوية أن النساء كانت تخالط الرجال في المساجد وفي الغزوات وغيرها من الأمور الدينية.

الاختلاط في عهد النبي

كانت عائشة أم المُؤمنين، تُشارك في كثير من أحداث الأُمة وبدأتها بالهجرة إلى المدينة المنورة للحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيها أبو بكر الصديق، كما شاركت في الغزوات منها غزوة أُحد فكانت تنقل الماء بالقرب ثم تفرغه في أفواه الصحابة المنهكين من القتال والعطش.

وكان لأم المؤمنين، تلاميذ كُثر من التابعين الذين أخذوا العلم عنها ونشروه في الأمصار الإسلامية، فصاروا أئمة يُقتدى بهم في العلم والعمل ومن أشهر هؤلاء عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، ومسروق بن الأجدع، وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية.

كما جاء في السيرة النبوية، أن أم عطية، حضرت مع الرسول والصحابة سبع غزوات، كانت خلالها تُعد الطعام، وتداوى الجرح من الرجال المُحاربين، وتقوم على مساعدة المرضى منهم.

وهذه هند بنت عُتبة زوجة أبو سُفيان، والتي اشتهرت بشجاعتها وجرأتها، حيث أخذت تُشجِع المسلمين على القتال في معركة اليرموك، وعلى خوض المعركة الهائلة ضد مائتي ألف رومي، فكانت من أسباب النصر العظيمة في ذلك اليوم.

وروى البخاري، عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما تنقزان القرب -تنقزان: تسرعان المشي كالهرولة، وقال غيره: تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم”.

 

تجارة النساء في عهد النبي

كانت النساء في عهد النبي يعملن ويخرجن للتجارة، وأشهرها تجارة أم المؤمنين السيدة خديجة أول من آمنت من النساء، والشفاء بنت عبدالله العدوية، وهى من فضليات النساء وأوائل الذين آمنوا بالإسلام وكانت تعرف القراءة والكتابة وكانت تطبب الناس بالرقي في الجاهلية فلما أسلمت عرضت ما كانت تفعله على رسول الله فأقرها عليه فكانت في الإسلام تطبب الرجال والنساء على سواء، وولاها عهد عمر بن الخطاب رئاسة السوق.

لو كان الاختلاط حرامًا لكان النبي أولى من ينهي عن ذلك في مسجده

الاختلاط في المسجد النبوي

وكانت النساء تصلي خلف الرجال في مسجد النبي، في صفوف متراصة دون ساتر ولا حاجب، ولم ينكر رسول الله ذلك الاجتماع بينهم، فلو كان الاختلاط حرامًا لكان النبي أولى من ينهي عن ذلك في مسجده.

السلفية وتحريم الاختلاط

قرر الداعية السلفي أبو إسحاق الحويني، تحريم الاختلاط بين الذكور والإناث في الجامعات، معتبرًا أن دراسة الفتيات في الكليات التي فيها اختلاط حرام، وأن كل الفتيات الذين يذهبن إلى الكليات هم يرتكبون أشياء محرمة، معقبًا: “لسنا في حاجة إلى النساء في هذا الكلام، فالرجال لديها المواهب، ويجب تأسيس أقسام للفتيات منفصلة عن الطلاب، وتأسيس كليات طب خاصة بالفتيات، ومواصلات خاصة لهن”.

الاختلاط بين الرجال والنساء ليس حرامًا.. “أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية”

الاختلاط على مواقع التواصل

نظرة فابتسامة فسلام، فكلام فموعد فلقاء، هكذا استدل الداعية السلفي مسعد أنور بكلمات الشاعر أحمد شوقي، ليُحرم الاختلاط بين الرجال والنساء، لافتًا إلى أن كل ما قاله شوقي سيحدُث إذا تحدثت المرأة مع الرجل في “الشات” على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويقول أنور: “حكم الصداقة والدردشة عبر الشبكة العنكبوتية، من باب الخير والتواصل والبر بين الرجل والمرأة حرام”، مشيرا إلى أن هذا يجوز فقط عندما تتواصل السيدة مع شيخ لسؤاله عن أمر ما فقط.

 

تفنيد فتاوى المتشددين

ويرد الشيخ محمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على فتاوى السلفيين مؤكدًا، أن الاختلاط بين الرجال والنساء ليس حرامًا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب النساء ويعظهن ويتحدث إليهن كما ورد في السيرة النبوية.

ويوضح وسام، أن الاختلاط المحرم هو التلامس والتلاصق وكشف ما حرم الله كشفه، لافتًا إلى أن مجرد وجود الرجل والمرأة في مكان واحد ليس حرامًا إلا إذا كان خلوة بأن يغلق عليهما بابًا واحدًا.

روى الإمام أحمد بن حنبل: أن ست نسوة من نساء المؤمنين كن مع الجيش الذي حاصر خيبر: يتناولن السهام، ويسقين السويق، ويداوين الجرحى، ويغزلن الشعر، ويُعن في سبيل الله، وقد أعطاهن النبي -صلى الله عليه وسلم- نصيبًا من الغنيمة.

الإفتاء وإباحة الاختلاط

وتوضح دار الإفتاء المصرية، أن الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس والجامعات والعمل وغيرها لا مانع منه شرعاً إذا كان ذلك في حدود الآداب والتعاليم الإسلامية، ولم تكن هناك خلوة محرمة.

وتستشهد الإفتاء، بما ورد عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ؟ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ: سَلْمَانُ قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “صَدَقَ سَلْمَانُ” أخرجه البخاري في صحيحه.

المرأة كانت تشارك في الحروب وتحضر الأعياد وتخرج إلى الصلوات في عهد النبي.. “مركز الأزهر للفتوى”

الأزهر وحكم الاختلاط

يؤكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن الإسلام أباح الاختلاط بين الرجال والنساء، بضوابط مشروطة حين تدعو إليه الحاجة أو الضرورة، فالإسلام يسعى لغلق أبواب الفتن، وعدم إشاعة الفواحش.

وقال المركز: “حين نطالع التاريخ الإسلامي، ونرى المجتمع النبوي كيف كان يعيش؟ فإننا سنرى أننا أمام مجتمع طاهر نقى لا تزاحم فيه النساء الرجال، ومع هذا فلهن كامل الحقوق التي يتمتع بها الرجال، فالنساء شقائق الرجال”.

ويشير المركز، إلى أن المرأة كانت تشارك في الحروب، وتحضر الأعياد، وتخرج إلى الصلوات، لكن مع التأدب بآداب الشريعة، ففي الصلوات مثلا يكُنَّ آخر الصفوف، لا تختلط صفوف الرجال بصفوف النساء، ولا يدخلن أو يخرجن مع الرجال، أما في الحج فيسير على النهج نفسه، لا مخالطة ولا تداخل بين الرجال والنساء، بل كانت الرجال تخرج من البيت الحرام لتدخل النساء فيطفن بالبيت من غير مزاحمة الرجال لهن.

إباحة الاختلاط حكمة من الله

يقول الدكتور محمد راتب النابلسي، عضو رابطة علماء الشام، إن الاختلاط بين الرجال والنساء مباح ما دام وفق الشرع وكان للضرورة كالدراسة أو العمل أو غيرها من ضرورات الحياة.

ويضيف النابلسي، أن الله عز وجل واجب الوجود، وما سواه ممكن الوجود، فالكون ما سوى الله، وهو قادر على أن يجعل النساء في كوكب والرجال في كوكب آخر إذا أراد عدم الاختلاط، لكن شاءت حكمة الله أن يكون في الأرض ذكر وأنثى، وأن يكون هناك تجاذب بين الجنسين، ويكون هناك شرع سمح بعلاقة طاهرة نقية رائعة ممتعة، وعلاقة لا ترضي الله، ليمتحن عباده، فالإنسان مخلوق في الدنيا كي يمتحن، وإلا ما كان هناك فرق بين الإنسان والكائن الآخر الذي هو أدنى منه بكثير، فالغرائز تحرك الحيوان، بينما المبادئ والقيم تحرك الإنسان.