تعرض سيلفيا كوتريني، منسقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة حقوق الأقليات الدولية، في ورقتها البحثية، تاريخ الأقليات الدينية بشكل عام في تونس باعتباره متشابكًا مع قضايا الهوية والعرق، مُتناولة الاعتراف القانوني قبل وبعد الثورة.

وخلصت الورقة البحثية، المقدرة بـ6 آلاف كلمة، والتي نشرتها مجلة رواق عربي الصادرة عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إلى أن طوائف اليهود والمسيحيين والبهائيين في تونس جميعها تناضل وتفاوض باستخدام تصور معين لهويتها في مقابل تصور أحادي لمفهوم المواطن التونسي، الذي يُتوقع أن يكون عربيًا مسلمًا، من خلال مقابلات مستهدفة مع أعضاء في ثلاث طوائف.

تصنيف الأقليات في تونس

في مقدمة الورقة أشارت الباحثة، إلى أن الأرقام الواردة عن الأقليات في تونس هي تقديرات تستند إلى منظمات غير حكومية ومنظمات مجتمع مدني وأبحاث مستقلة، بما فيها أبحاث المؤلفة، لأن الحكومة التونسية لا تقوم بجمع بيانات تعداد سكانها حسب تصنيفات الدين أو العرق، حيث تُعامل الأقليات بمثابة مواطنين ثانويين، أو ضيوف شرف.

ويبلغ عدد سكان تونس، نحو 11 مليون و700 ألف نسمة، وعادةً ما يتم تناول سكان تونس باعتبارهم متجانسين دينيًا وعرقيًا، وذلك بالمقارنة مع دول أخرى في المنطقة، وتروج الحكومة التونسية لهذه الصورة، منذ الاستقلال في عام 1956.

اليهودية والمسيحية في تونس

شكّل اليهود والمسيحيون، الأقليتان الدينيتان الرئيسيتان في تونس، وعلى الرغم من أن الطائفة اليهودية التونسية تُعرف بأنها أحد أقدم الطوائف اليهودية في العالم، إلا أن عدد المُنتمين لها انخفض بشكل هائل على مدار القرن الماضي.

كان يُعتقد في نهاية القرن التاسع عشر، أن عدد اليهود بلغ 20 ألف مواطنًا، وهو الرقم الذي ازداد أثناء النصف الأول من القرن العشرين، حيث ذكرت بعض التقارير أن عدد اليهود بلغ 100 ألف بعد الحرب العالمية الثانية، وفي الوقت الحاضر، لم يتبقى سوى ما بين 1500 إلى 3 آلاف يهودي في تونس، يعيش غالبيتهم في جزيرة جربة، وبعض المناطق في العاصمة تونس.

ويتضح اعتراف الدولة، بالطائفة اليهودية لوجودها طويل الأمد، في أن الحاخام الرئيسي يتلقى راتبه مباشرةً من الحكومة، التي توفر الأمن لجميع المعابد اليهودية.

بالنسبة للمسيحيين، فوفقًا لمصادر مختلفة استندت لها الورقة البحثية، يوجد ما يقرب من 25 ألف مسيحيًا في تونس، غالبيتهم من الكاثوليك، وهؤلاء يتألفون بشكل رئيسي من 3 مجموعات: أجانب يعيشون في تونس، معظمهم من دول جنوب الصحراء الكبرى وأوروبا، والتونسيين المنحدرين من أصول أوروبية والذين استقروا في البلاد خلال فترات مختلفة، غالبيتهم من إيطاليا وفرنسا ومالطا، بالإضافة إلى التونسيين من أصول مسلمة الذين اعتنقوا المسيحية.

رغم عدم وجود إحصائيات رسمية، إلا أنه يُعتقد أن الأجانب يمثلون أكثر من 90% من هذا الرقم، وفقًا لجمعية التلاقي، التي أسسها مجموعة من الشباب المسيحي في 2016.

البهائية ومعركة الاعتراف

لم تستند الباحثة، إلى رقم دقيق يخص “البهائيين” في تونس، نظرًا لصعوبة الأمر، مؤكدة أن البهائيين ظهروا في تونس عام 1921 مع محي الدين الكردي، وتم الاعتراف بها في 2008، والبعض يقول إن عددهم بالمئات أو ربما بضع آلاف، ولكن ممثلي الطائفة البهائية مترددون للغاية في تأكيد ذلك. وذكرت أن هناك صفحة رسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تحظى بإعجاب نحو 16 ألف شخصًا، وقد يشهد ذلك على الاهتمام المتزايد بالطائفة البهائية، إلا أنه لا يمكن استخدامها لتقديم تقديرات بشأن عدد المؤمنين الحقيقي بالطائفة.

وأوضحت أن البهائية، قادت المعركة القانونية الرئيسية للحصول على الاعتراف، حيث تم رفع 3 قضايا بعد الثورة للتسجيل كمنظمة مدنية، ومنذ عام 2012، حاولت التسجيل تحت اسم “الجمعية البهائية التونسية”، ورفض رئيس الوزراء الطلب، بحجة أن المنظمات المدنية لا يُفترض أن تكون دينية بطبيعتها، برغم وجود العديد من المنظمات المدنية الإسلامية.

خطوات البهائيين للاعتراف بهم داخل تونس

لجأ البهائيين، إلى المحكمة الإدارية لاستئناف هذا القرار، لكونها لم تستلم أي رد؛ فقد شرعت أيضًا في اتخاذ إجراءات تخص القضية نفسها أمام المحكمة الابتدائية، وتم رفض القضية على أساس القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء.

في عام 2017، أرسلت الطائفة خطابًا إلى رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء، لإدانة التمييز ضدها وللمطالبة بالاعتراف بعقيدتها، لا سيما الجمعية الروحية الوطنية.

وفي عام 2020، حصلت الطائفة البهائية على قرار إيجابي بشأن الحكم الأول من المحكمة الإدارية، مع ذلك، فإن القرار لم يكن نهائيًا حتى وقت كتابة هذه السطور، على حد تأكيد الباحثة.

الضمانات القانونية للأقليات الدينية

تستعرض الباحثة، حرية الدين والمعتقد في تونس الحديثة، حيث ضمن عهد الأمان الذي منحه محمد بك في عام 1857، المساواة المدنية والدينية بين الجميع؛ وهو ما مثّل نقطة تحول في تاريخ تونس وأقلياتها.

وبعد سنوات قليلة، في عام 1861، كفل الدستور الحماية والمساواة لجميع المواطنين، بغض النظر عن دينهم “المادتين السادسة والثمانين والثامنة والتسعين”.

في عام 1957، تم توحيد النظام القضائي التونسي، مع إبطال المحاكم الشرعية والأحبار اليهودية والفرنسية.

وفي أول دستور جمهوري، عام 1959، نصّت المادة الخامسة على ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية ما لم تخل بالأمن العام.

وتكفل المادة السادسة في الدستور التونسي لعام 2014، حرية الدين أو المعتقد، إلا أن المادة نفسها تنص على أن “الدولة راعية للدين”، وأنها تتولى “حماية المقدسات” دون توضيح ما يستلزمه ذلك.

تمييز مباشر ضد الأقليات

وبحسب الورقة البحثية، فإن هناك تمييز قانوني مباشر تواجهه الأقليات الدينية، منصوص عليه في المادة الرابعة والسبعين من الدستور، حيث تؤكد أن المسلمين وحدهم المؤهلون للترشح لمنصب الرئيس، قبل أي شيء، فإن هذا يمكن اعتباره معيارًا وهميًا.

وتكفل المادة التاسعة والثلاثين من الدستور، الحق في التعليم العمومي المجاني، إلا أنها أضافت أنه ضمن مهام الدولة العمل “على تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية”، ويساهم ذلك في إخفاء التنوع في البلاد على مر السنين.

وسلط البحث، الضوء على أن المولودين بأسماء مسلمة، “أي الجميع باستثناء أولئك المولودين في عائلات يهودية”، وتحولوا لديانات أخرى، مثل البهائية والمسيحية، لا يملكون الحق في الدفن وفقًا لمعتقداتهم، مع استثناء الذين تم تعميدهم وفقًا للتقاليد الكاثوليكية بشكل رسمي.

ولفت البحث، إلى أنه لا توجد في تونس قوانين تُدين الردة صراحة، إلا أن المتحولين عن الإسلام يواجهون ضغوطًا عائلية ومجتمعية، كذلك لا توجد قوانين تدين التجديف، ومع ذلك فمنذ الثورة، تم الاستشهاد في بعض الحالات بمواد النظام العام والآداب العامة في القانون الجنائي؛ لمقاضاة الكلام أو السلوك الذي من شأنه الإساءة إلى المشاعر الدينية.

البيئة التونسية تتسم بالتسامح وليس بحقوق المواطنة

في الختام، يمكن تلخيص رؤية الباحثة، في أن الأقليات الدينية في تونس ليست ضمن الأقليات التي تتمتع بأكبر قدر من التقدم، وذلك فيما يتعلق بالضمانات القانونية للحقوق والحريات الفردية التي جاءت مع ثورة 2011.

وفي الواقع، إن الإطار القانوني شهد تقدمًا طفيفًا بالمقارنة مع الوضع قبل الثورة، حيث كانت غالبية الأقليات الدينية تتمتع بالفعل بمجموعة معينة من الحقوق.

ومن الناحية القانونية أو المجتمعية، تتسم البيئة التونسية بالتسامح وليس بضمان حقوق المواطنة الكاملة.