“يوما ما سيقتلنا البلاستيك.. البلاستيك يقلنا في صمت”، عناوين لتقارير مختلفة حول أضرار استخدام البلاستيك على البيئة والكائنات البحرية والطيور، والذي تسبب في السنوات الأخيرة في نفوق العديد من الكائنات البحرية وظهورها على الشواطئ المصرية.
هاشم مرسي، تخرج من كلية الآداب ولكنه مهتم بكل ما يتعلق بالبيئة، فهو مُحب للطيور ومراقبتها، وعاشق للكائنات البحرية، وفي رحلة استكشافه للطيور والكائنات البحرية، وجد أن البلاستيك هو مصدر الخطر الرئيسي على الكائنات البحرية، فالبحر بمثابة المحطة الأخيرة له، فأصبح الحفاظ على البيئة والكائنات البحرية شغله الشاغل.
وحمل يوم البيئة العالمي في يونيو 2018 عنوان “التغلب على التلوث البلاستيكي”، ودعت الأمم المتحدة وقتها، لتقليل استهلاك البلاستيك وخلق بدائل آمنة له، فاستجاب العديد من الشباب المصري للدعوات العالمية، ودشنوا مبادرات عدة بهدف نشر الوعي بمخاطر البلاستيك، وتشجيع المواطنين على إيجاد بدائل والتخلص منه بطريقة آمنة.
“الأزاولة” في مواجهة البلاستيك
في منتجعه المصغر “هيسا كامب” بمدينة أسوان المصرية، قرر “هاشم” التخلص من البلاستيك عدو البيئة واستبداله بمواد أخرى صديقة للبيئة، وبدأ باستبدال زجاجات المياة المصنوعة من البلاستيك بزجاجات آخرى مصنوعة من الفُخار الذي لا يضر البيئة، والتي يمكن استخدامها لفترات طويلة لأنها تحتفظ بدرجة حرارة المياة المفلترة وأطلق عليها “الأزاولة”، نسبة لـ”القلة المصرية”، التي كانت تستخدم في الماضي لشرب المياه في المنازل.
المنتجع مصمم بمواد تجمع بين الطين والحجر لتقلل درجات الحرارة، وفرض قوانيه على القادمين له، وبدأ في توعيتهم بمخاطر البلاستيك وتأثيرة على الطيور والحيوانات البرية، يقول “هاشم”، إنه من المتوقع في حلول عام 2050 أن يكون عدد المخلفات البلاستيكية بالمحيطات والبحار أكبر من عدد الكائنات البحرية، فاستخدام الأكياس البلاستيكية له مخاطر عدة، لقدرته على السير مع الهواء والرياح لمسافات طويلة، فعند إلقاء كيس بلاستيك في محافظة القاهرة من الممكن أن يصل بسرعة الهواء إلى الصحراء الشرقية فتأكله الطيور وتموت، ليكمل “الكيس” رحلته في الهواء ليصل في النهاية للمياه فتتناوله الكائنات البحرية وتنفق، وحتى عند وجوده في نفس المكان دون طيران فعند تحلله يخرج مواد سامة مضرة للبيئة عند حرقه للتخلص منه.
أضرار البلاستيك
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإنه عند حرق البلاستيك تنتج انبعاثات كيميائية مسرطنة مثل الديوكسين، تتراكم في جسم الإنسان عند استنشاقها، وتنتقل من الأم إلى الجنين عبر المَشيمة، كما تصل المجاري المائية والمحاصيل.
وفي تقرير أصدرته مجلة “نيتشر” البريطانية، وهي دورية طبية أسبوعية، ذكر أن كمية البلاستيك في المحيطات تقدر بنحو 150 مليون طن، تزداد سنويا بمقدار 8 ملايين طن في العام الماضي، وإن لم تؤخذ خطوات لتقليل نفايات البلاستيك سنضطر لمواجهة 250 مليون طن من النفايات بعد 10 سنوات، كما أنه يوجد على الأقل 79 ألف طن من البلاستيك يغطي مساحة 1.6 مليون كم2 مكونا ما يعرف بـ”جزر القمامة” في المحيط الهادي.
بدأ “هاشم”، رحلته في الحفاظ علي البيئة باستبدال زجاجات المياة بالزجاجات الفخارية التي لقبها بـ”أزأوله”، ليستكمل في المرحلة القادمة رحلته في التخلص الكامل من البلاستيك، واستبدال الأكياس بحقائب من القماش متعدد الاستخدامات أو الورق، موضحًا أن ثقافة التخلص من البلاستيك بدأت تنتشر بالفعل في مناطق عدة، فيلتقي بمواطنون عدة من خارج المنتجع، يطلبون شراء الزجاجة الفخارية.
مليون زجاجة بلاستيك كل دقيقة
وبحسب موقع الأمم المتحدة للبيئة، فيتم شراء مليون زجاجة مياه شرب بلاستيكية كل دقيقة عالميا، كما يستخدم تريليون كيس بلاستيك أحادي الاستخدام سنويا، كما ذكرت الأمم المتحدة، في تقرير “حالة البلاستيك” 2018، أن هناك 60 دولة اتخذت قرارات بحظر استخدام البلاستيك كليا أو جزئيا، على أن تبدأ في استحداث بدائل آمنة له.
يروي “هاشم”، أن تكلفة الزجاجة الفخارية مقارنة بالزجاجات البلاستيكية ستوفر الكثير، فسعر الزجاجة الفخارية 40 جنيهًا وأصل تكلفتها 30 جنيهًا، لأنه لا يسعى للربح وهدفه الأساسي الحفاظ على البيئة، وهنا تكون التكلفة قليلة فالزجاجة الفخارية تظل لفترات طويلة مقارنة بالزجاجة البلاستيكية.
وفي العام الماضي ظهرت جثة لدولفين متحلل على شاطئ مدينة جمصة المصرية، وعند تشريحه وجد فريق البحث أن سبب وفاته يرجع إلى ابتلاعه النفايات ما بين شبك الصيد والمخلفات البلاستيكية، حتى ملأت تلك المخلفات تجويف معدته فامتنع عن تناول الغذاء حتى مات.
تجربة هاشم مرسي، في الحفاظ على البيئة ساهمت أيضًا في إنعاش صناعة الفخار من جديد، فالحياة المدنية جعلت صناعة الفخار تتلاشى ليعيدها “هاشم” من جديد بـ”الأزأولة”،فهنا نجح في الحفاظ على البيئة كما نجح في إعادة إحياء صناعة الفخار من جديد بحسب وصفه.
قوانين المنتجع الصغير
ويوضح أن القادم لمنتجعه المصغر أمامه خياران، الأول هو شراء الزجاجة الفخارية واستخدامها، أو إذا كان يحمل زجاجته البلاستيكية فعليه حمله معه عند مغادرة المكان لمنع وجود البلاستيك تمامًا بحسب قوانين المكان، كما أن هناك العديد من المقاهي والمطاعم بالقاهرة بدأت بالتواصل معه لتوفير الزجاجات الفخارية واستخدامها بالفترة المقبلة.
مبادرة “هاشم” لا تقتصر على مدينة أسوان المصرية فقط، بل يسعى في الفترة المقبلة لتعميمها في أماكن ومحافظات عدة والعمل على توفير غطاء لها لتكون محكمة الغلق وسهلة الحمل، والاستعانة بالسيدات النوبيات لصنع أغطية للزجاجات من الخوص، بالإضافة للتخلص من استخدام الأكياس البلاستيكية وإحلالها بأكياس مصنوعة من القماش يمكن استخدامها أكثر من مرة لفترات طويلة.
في محافظة القاهرة بدأت العديد من الأماكن خطوات التخلص من استخدام البلاستيك، ومنها المتاجر الكبرى والتي بدأت في استبدال الأكياس المصنوعة من البلاستيك الضار بأكياس من الورق، كما فعلت العديد من محال الملابس والأحذية أيضا في مناطق عدة بالمحافظة.
وتكمن خطورة البلاستيك في كونه لا يتحلل، إذ يحتاج بين عشرات ومئات السنين حتى يتحول إلى أجزاء دقيقة يطلق عليها “الميكروبلاستيك”، تؤدي إلى نفوق عدد كبير من الكائنات البحرية، أو تصل في النهاية إلى الإنسان عبر السلسلة الغذائية.
وتحتوي بعض عناصر البلاستيك مثل “الستايروفوم” على مواد كيميائية مسرطنة، منها الستايرين والبنزين، وقد تؤدي إلى آثار ضارة على الأجهزة التنفسية والعصبية والتناسلية بانتقالها إلى الأطعمة والمشروبات عند تسخينها، وفق تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.