ناقشت سيلفيا كواتريني، منسقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة حقوق الأقليات الدولية، قضية الأقليات الدينية وتشابك العِرق مع الدين في تونس، ، من خلال ورقة بحثية، نشرها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.

وتناول جزء كبير من الورقة البحثية، وضع التونسيين السود، الذين تم نبذهم بالكامل من الخطاب الرسمي التونسي؛ وذلك لتُظهر كيف يمكن أن تتشابك قضايا العرق والدين، وتؤدي لتحدي وإثارة الجدل حول مفهوم الهوية الوطنية التونسية باعتبارها كيان عربي مسلم فحسب.

وأكدت الورقة، أنه في نهاية المطاف، ينبغي أن نأخذ في الاعتبار التغيير الديموغرافي، بالإضافة إلى التنوع العرقي والديني طويل الأمد في تونس، كما يتضح أن الوقت والجهد اللذان يبذلهما المعنيين بشكل مباشر هو ما يمثّل الزخم الرئيسي في سبيل اكتساب جميع التونسيين لحقوق المواطنة الكاملة.

قضية العرق في تونس

أكدت “سيلفيا”، أن قضية العرق في تونس تتمتع بحساسية خاصة، ويُمكن تلخيصها في إشكاليتين رئيسيتين: الأولى، أن الحكومة لا يبدو أنها تمانع في الاعتراف بالأصول المختلطة للبلاد؛ حيث يتم ذكر الأمازيغ والبيزنطيين والعثمانيين عند مناقشة الماضي.

أما الإشكالية الثانية، تتعلق بالتونسيين السود، إذا كانت المجتمعات الأمازيغية والعربية يمكن لها أن تختلط بالآخرين في الوقت الحاضر دون أن تكون ملحوظة، فلا مفر أمام التونسيين السود من مواجهة السؤال العرقي؛ لأنه يمكن تمييزهم بسهولة.

إقرار بالتجانس العرقي مع عدم الاعتراف بالأصول الأفريقية

تقول الباحثة، إن الحكومة التونسية تعتبر أن السكان الآن “متجانسين عرقيًا”، وهذا يُعزز الخطاب الذي يفترض أن 99% من التونسيين هم عرب مسلمون، مع تناول الأمازيغ باعتبارهم أشخاص من الماضي ولا صلة لهم بالحاضر.

ووفقًا لمعيار الباحثة، فإن الخطاب المُعلن منذ الاستقلال، وحتى بعد الثورة، يربط تاريخ تونس بالحقبة العربية فقط، ويحجب الحلقات الأخرى من التاريخ وما تحويه من ثراء وتنوع موجود بالفعل مثل “اليهودية والمسيحية والمسلمين غير السُنّة والتاريخ الأمازيغي.. الخ”.

وتتابع سيلفيا، أنه على الرغم من أن تونس أصدرت في أكتوبر 2018 قانونًا ضد التمييز العنصري؛ إلا أن الحكومة تبدو غير متحمسة بالقدر الكافي للاعتراف بالأصول الأفريقية للبلاد.

تاريخ السكان السود وتجارة الرقيق

تؤكد سيلفيا، أن تاريخ السكان السود مرتبط غالبًا بتاريخ تجارة الرقيق عبر الصحراء خلال العهد الحسيني 1705-1881، بالإضافة إلى مجموعات أصغر جاءت كمهاجرين لأسباب اقتصادية أو لدراسة الدين في جامعة الزيتونة.

وتحدثت عن صعوبة العثورعلى أرقام دقيقة بشأن السود في تونس، لكون الحكومة لا تجمع بيانات مصنّفة، ولكن تُشير المنظمات المجتمعية إلى أن نحو من 10% إلى 15% من تعداد السكان هم من السود.

وكنتيجة للإخفاء، بحسب وصفها، فإن التونسيين السود معرضون للعنصرية وأحيانًا حتى للمعاملة باعتبارهم غير تونسيين، على الأقل من قِبَل أولئك الذين لا يعرفونهم بشكل شخصي، إذ ربما يفترض المرء أنهم من جنوب الصحراء الكبرى حتى يسمعهم يتحدثون العربية باللهجة التونسية، بحسب ما ذكرت الباحثة.

“السطمبالي”.. سمات جنوب الصحراء وشمال أفريقيا

وتستعرض الباحثة، السطمبالي، والذي تعرفه بأنه مزيج مركب من مرجعيات تنتمي إلى جنوب الصحراء والإسلام وتونس والعثمانيين، ولا يمكن العثور على هذا المزيج سوى في تونس، ولم تنشأ في أي بلد في جنوب الصحراء.

والسطمبالي، هي كلمة تونسية تُستخدم للإشارة إلى مجموعة من العادات والممارسات، بما يشمل موسيقى حلقات الزار، وهي تُمثّل ظاهرة التوفيق بين السمات التي تُميز كل من جنوب الصحراء وشمال أفريقيا، مثل التبرّك بالأولياء من السود والبيض.

وبحسب الباحثة، لا يمكن اعتبار السطمبالي أقلية دينية بالمعنى الدقيق فحتى وقت قريب نسبيًا، كانوا يُمثلون مجموعة اجتماعية تتألف من أشخاص اعتمدت العلاقة المتبادلة بينهم على شعور معين بالانسجام والترابط، ومن ثم، فإن مصطلح “طائفة” لن يكون غير ملائم بقدر ما يتم تطبيقه على مجموعات الأفراد الذين يشتركون فيما بينهم في السمات الثقافية واللغوية المشتركة، والتضامن الاجتماعي وخصائص التنظيم الهرمي.

وتشير سيلفيا، إلى أن السطمبالي، قد تعرض للانتقاد من قِبَل بعض العلماء المسلمين؛ بسبب التبرّك بالأولياء وإدخال الممارسات الروحانية، وقد لاحظت الباحثة أمرين:

الأول: يعتبر السطمبالي أنفسهم مسلمون، حيث إن ديانتهم هي الإسلام، وسيُعد اعتبارهم أقلية دينية بمثابة إهانة.

والثاني: كما أن المنتمين للسطمبالي هم تونسيون مسلمون “وأحيانًا يهود”، ويمكن أن يعزى عدم التناقض في ذلك بالنسبة لمعظم التونسيين إلى تاريخ التصوف والاحترام العام للتبرّك بالأولياء والتوجه الإسلامي المعتدل المعروف في البلاد.

الهجرة بسبب العنصرية في تونس

تؤكد سيلفيا، أنه في مستهل العقد الأول من القرن الـ21 تزايد عدد المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى، بل وتزايد أكثر بعد الثورة، موضحة أنه لا يمكن اعتبار تونس بلد عبور، ولكنها في الوقت الحاضر بمثابة وجهة للدراسة والعمل والفرص.

وتنوه، إلى أنه برغم ذلك، وبسبب تفشي العنصرية، أكدت رابطة الطلاب والمتدربين الأفارقة في تونس أن نحو نصف عدد الطلاب من جنوب الصحراء الكبرى، والبالغ عددهم 12 ألف طالب، غادروا في السنوات الأخيرة بسبب تعرضهم للإذلال في المجال العام وللاعتداءات اللفظية والبدنية.

وفيما يتعلق بالمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى، فتتمحور مخاوفهم، حول قضايا مرتبطة بالتمييز العنصري، بحسب ما أكده واحد ممن أُجريت معهم سليفيا مقابلة والذي قال: “أنا أسمع طوال الوقت أشخاصًا تعرضوا للتمييز لأنهم سود، ولأنهم أجانب، لكني لم أسمع قط حوادث ذات صلة بالانتماء الديني”.

مشاركة الأقليات الدينية في الحياة العامة

أوضحت سيلفيا، أنه خلال الفترة من مارس إلى مايو 2020، تم دمج العديد من المبادرات الموجودة بين الأديان، حيث شارك قادة دينيين وممثلين لطوائف مختلفة وجهات فاعلة في المجتمع المدني تنشط في المجال الديني في اجتماعات عبر الإنترنت؛ لمناقشة كيفية التأقلم مع الوضع الحالي ولتنسيق المبادرات لدعم من يحتاجون المساندة.

وتابع: “على الرغم من ذلك، فإن ظهور الأقليات الدينية في المجال العام لا يزال ضئيلًا؛ لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمشاركة السياسية، إذ أن الأشخاص المعروفين يمكن عدهم على أصابع اليد الواحدة”.