حتى مطلع السبعينات، لم يكن هناك ما يُعرف باسم التيار الناصري، فلم تكن هناك حاجة لإثبات ناصريتك في دولة يرأسها جمال عبد الناصر نفسه وينتمي أغلب ساستها إلى الاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي، وتُسيطر فيها أفكار الاشتراكية والوحدة العربية، حتى مات جمال، وانقلب وريثه أنور السادات على أفكاره، فظهر ما يسمى بالتيار الناصري.
بمجرد استلام السادات، السلطة أعلن انتسابه للمسار الناصري، وخلال السنوات الثلاثة الأولى من حكمه بدا وكأنه يسير على خط ناصر مع الإعداد لحرب تحرير سيناء، وبدت حرب 1973 كاستمرار لمرحلة إزالة آثار العدوان، إلا أن التحولات بدأت مباشرة بعد تلك الحرب مع توجه السادات نحو التقارب نحو الولايات المتحدة الأمريكية بدلًا من الروس، والتراجع التدريجي عن شعارات وعبد الناصر وسياساته.
الانقلاب على ناصر
ارتدى السادات، ثوبًا مغايرًا تمامًا، فدشن عصر الانفتاح الاقتصادي على الرأسمالية العالمية، وألغى قانون الإصلاح الزراعي، وحل الاتحاد الاشتراكي، ما استدعى إعادة الترويج للناصرية من جديد على يد كتاب بارزين مثل عصمت سيف الدولة ومحمد حسنين هيكل، وتشكيل نوادي الفكر الناصري.
ومن المفارقات أيضًا أن السادات هو من ساهم في صك مصطلح الناصرية، حينما هاجم الطلاب المعارضين له بقوله “العيال الشيوعية اللي لابسة قميص عبد الناصر”، فتشكل ما يسمى بالتيار الناصري الذي برز نجمه في دعم انتفاضة العيش 18 و19 يناير 1977 ضمن أعضاء حزب التجمع التقدمي الوحدوي، ضم لفيفًا من اليساريين الماركسيين والقوميين.
مبارك.. والأحزاب
وخلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، تأسس حزبان عن التيار الناصري في مصر، أولهما الحزب العربي الديمقراطي الناصري الذي تأسس 1992، وتبنى الحزب الخطوط العريضة لمبادئ وشعارات ثورة يوليو، وأضاف إليها مقاومة مفرزات عهد السادات، وتبني المطالبة بالديمقراطية والحريات.
وكان الحزب الناصري الآخر، هو الكرامة الذي تأسس عام 1997 ولم يحصل على ترخيصه إلا بعد ثورة 25 يناير 2011، وترأسه في بداياته القيادي الناصري البارز حمدين صباحي، الذي ينظر له في أوساط الناصريين أنه صاحب إحياء المشروع الناصري في مصر الحديثة.
ويوجد في مصر حاليًا 4 أحزاب تحمل الفكر الناصري، هي الحزب العربي الديمقراطي الناصري والكرامة والوفاق والمؤتمر الشعبي، بجانب حركة التيار الشعبي التي سعت في وقت سابق إلى الإشهار كحزب، إلا أنها انضوت في حزب الكرامة ليصبح “تيار الكرامة”.
ولا يوجد حصر حقيقي لأعضاء هذه الأحزاب ومدى تأثيرها في الشارع المصري، خاصة أن الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها تعاني من أزمات كبيرة على مستوى التنظيم والعمل السياسي وغياب الدعم ما سبب في تراجع شعبيتها.
حصار الأحزاب
الأحزاب الناصرية كغيرها من الأحزاب تُعاني من الحصار السياسي، ولا تحصل على حريتها في ممارسة دورها، ولا حساب للأحزاب على برامجها وأفكارها طالما لم تحكم، فمصر تحكمها مؤسسات الحكم منذ عبدالناصر نفسه، كما قال عبدالعزيز الحسيني، نائب رئيس حزب الكرامة عن انحسار الأحزاب الناصرية.
يُبرز “الحسيني”، دور حزبه على مستوى الأفعال السياسية، باعتباره من الداعين لثورتي 25 يناير و30 يونيو ضد حكم مبارك والإخوان، كما كان حاضرًا في دعم القضية الفلسطينية الجوهرية في برامج وأفكار الأحزاب الناصرية من خلال إعداد مؤتمرات واسعة تدعم القدس المحتلة والانتفاضة، وكذلك الدور البارز في المظاهرات الرافضة للغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
يشير “الحسيني”، إلى أن حزبه لا ينفصل عن الواقع ولا يقبع في عباءة التاريخ فهو يرى دائمًا أن إسرائيل عدو استراتيجي لا يتغير بتغيير الأزمنة والحكومات، ويتمسك بتحقيق الأهداف الستة لثورة يوليو والوحدة العربية.
إحياء الحلم الناصري
يرفض “الحسيني”، اتهام الأحزاب الناصرية، بالجمود والوقوف عند مرحلة الستينيات، موضحًا أن الفكرة الناصرية فكرة سياسية ليست مغلقة ولابد من خضوعها للمتغيرات الآنية، وتعي تمامًا أن ما كان يصلح في الستينيات لا يصلح في 2020.
إلا أنه يؤمن بأن الأفكار القومية تثبت صحتها في بعض الملفات مثل سد النهضة الذي كشف غياب الدور الأفريقي لمصر، وهو ما كان يميز دولة عبد الناصر حينذاك، كما تكشف أزمات الدول العربية وتمزيق لبنان وسوريا والعراق عن حاجتها للوحدة العربية التي سعى إليها ناصر في مطلع الستينيات.
ويواصل: “بدون عدالة اجتماعية، أحد مبادئ يوليو، لا يستطيع الشعب عيش حياة سوية، وقضية التعليم المجاني والمستشفيات الحكومية ثوابت لا يمكن أن تتغير مع الوقت”.
يدلل “الحسيني” على استمرار تعلق المصريين بالزعيم برفع صوره في ميادين مصر خلال ثورتي 25 يناير و30 يونيو، حيث كان الرئيس الذي ترفع صوره في مناسبتين مختلفتين من مصريين عاديين وليس ناصريين.
أزمات أخرى تواجه الحزب، بالنسبة للحسيني، وهي معارضة قوى كبيرة في البلد والمنطقة وجود المشروع الناصري، فالسعودية ترى أن ناصر جرف المنطقة العربية وكذلك أمريكا توجست من ثورة يناير لعدم رغبتها في ظهور ناصر آخر.
إحياء الحلم الناصري كان قريبا في السنوات القليلة الأخيرة من خلال المناضل البارز حمدين صباحي الذي كان قاب قوسين أو أدنى من حكم مصر في 2012 خلال الرئاسيات الساخنة بين محمد مرسي وأحمد شفيق.
غير أن “الحسيني” لا يراهن على شخص واحد لإحياء المشروع الناصري، يقول: “نأمل في صنع التغيير على يد المواطنين الأحرار بعد أن بدأ الضباط الأحرار المشوار، الرهان على الجماهير وليس على أشخاص أو أحزاب في إحياء الفكر الناصري”.