الحفاظ على استمرار الثورة وحمايتها، لم تغب عن فكر جمال عبد الناصر وتنظيم الضباط الأحرار، الذي عمل على حماية جميع مُختلف فئات الشعب المصري والقوي السياسية المتنوعة.

ورغم صدور قرار حظر الأحزاب السياسية، غير أن الثورة اتجهت إلى بناء سياسي واحد قائم على التعددية، ضم معظم القوى السياسية، ومر التنظيم الواحد بالعديد من المراحل، اقتصر في بداياتها على النُخبة السياسية، لكن مع صدور الميثاق عام 1962 كأول وثيقة سياسية للثورة، وتم الإعلان عن الاتحاد الاشتراكي الذي ضم في عضويته كل الراغبين في العمل السياسي وبقايا المُنظمات والأحزاب التي تم حلها وتميز بتواجد واسع لعناصر اليسار التي حلت منظماتها قبل الخروج من السجن وقبلت الانضمام للاتحاد الاشتراكي كأفراد وليس منظمات، كما ضم فئات الشعب المختلفة.

ورغم ارتباط الاتحاد الاشتراكي، بالسلطة وهيمنته على الحياة السياسية لسنوات طويلة، فإن الكثير من المحللين السياسيين يعتبره المدرسة التي تعلم فيها أغلب من تصدروا المشهد السياسي في مصر حتى “ثورة يناير 2011″، وحتي ذلك الوقت كان أغلب قادة الأحزاب السياسية ممن دخلوا العمل السياسي عبر الاتحاد الاشتراكي.

 هيئة التحرير

أنشأت ثورة يوليو، هيئة التحرير لتكون منبرًا سياسيًا لها، لتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها ولملء الفراغ الذي تركته الأحزاب السياسية بعد قرار حظرها عام 1953، وإلغاء الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في فبراير من العام نفسه، وتحت شعار “الاتحاد – النظام – العمل” تحددت أهداف هيئة التحرير في التخلص من الاستعمار، وتحقيق مصالح الشعب، وإقامة مجتمع جديد على أساس الإيمان بالله والإخلاص للوطن.

الاتحاد القومي

عام 1954 احتدمت أزمة الديمقراطية، وحدد مجلس “قيادة الثورة” توجهه في رفض الديمقراطية البرلمانية ورؤيته، أن الحزبية تؤدي إلى انقسامات بين قوى الشعب في مرحلة تحتاج فيها مصر لوحدة قوى الشعب العامل في مواجهة التحديات، فأعلن جمال عبد الناصر عن تنظيم سياسي جديد تحت اسم “الاتحاد القومي”.

تأسس الاتحاد عام 1957، وتحددت مهمته في تحقيق “أهداف الثورة” وبناء البلاد من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لتقليص الفوارق بين الطبقات والقضاء على الاقطاع، وتكوين جيش وطني قوي، ومنح سلطات كبيرة في الحياة السياسية، ومنها ما أشار له عبد الناصر في خطابة الذي أعلن فيه تأسيس الاتحاد ومنحه حق مراجعة قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الامة واستبعاد من يراه غير ملائم منها.

 الاتحاد الاشتراكي

بعد قرارات عبد الناصر الاشتراكية، والتي تضمنت تأميم واسع للقطاعات الانتاجية والمصانع، أصبح من الضرورة وجود تنظيم يعكس تلك الرؤية داخل التنظيم السياسي المعبر عنها.

عقد الاجتماع الأول للجنة التحضيرية لمؤتمر “القوى الشعبية”، في نوفمبر 1961، وانعقد في مايو 1962 وخلاله أعلن الرئيس “جمال عبد الناصر” عن ميلاد “الميثاق الوطني” والذي يُعتبر أول وثيقة سياسية تصدرها ثورة يوليو تلتزم فيها بالخط الثوري المبني على أسس “الاشتراكية والقومية”، وتم خلال المؤتمر اختيار القيادات العمالية والطلابية المرشحة لقيادة “الاتحاد الاشتراكي العربي” كما أعلن عنه الرئيس في خطابه، ليكون بديلا للاتحاد القومي.

وصدر القانون رقم 1 لسنة 1962 للنص على أن الاتحاد الاشتراكي العربي هو تنظيم الطليعة الاشتراكية التي تقود الجماهير وتعبِّر عن إرادتها وتوجِّه العمل الوطني، وتقوم بالرقابة الفعّالة على سيره وخطِّه السليم في ظل مبادئ الميثاق، وعلى الفور بدأ الانضمام الواسع من الجماهير الشعبية للتنظيم الجديد حتى وصل عدد أعضائه إلى ستة ملايين.

وفي الدستور المؤقت الذي صدر عام 1964، نصت المادة الثالثة على أن “الوحدة الوطنية التي يصنعها تحالف قوى الشعب الممثلة للشعب العامل، وهي الفلاحون والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية هي التي تقيم الاتحاد الاشتراكي العربي ليكون السلطة الممثلة للشعب والدافعة لإمكانيات الثورة والحارسة على قيم الديموقراطية السليمة”.

 ونص القانون رقم 158 لسنة 1963 والمعدل بالقانون رقم 47 لسنة 1964، على أن عضوية الاتحاد الاشتراكي لازمة للترشح لمجلس الأمة ولعضوية النقابات المهنية، ومجالس إدارة التشكيلات النقابية، والجمعيات التعاونية، والعمد والمشايخ، ومجالس الإدارة المحلية.

وضم الاتحاد الاشتراكي في عضويته، كل الراغبين في العمل السياسي وبقايا المنظمات والأحزاب التي تم حلها وتميز بتواجد واسع لعناصر اليسار التي حلت منظماتها قبل الخروج من السجن وقبلت الانضمام للاتحاد الاشتراكي كأفراد وليس منظمات.

التنظيم الطليعي

العضوية الواسعة للاتحاد الاشتراكي جعلت منه تنظيما فضفاضا، وفرضه على الحياة السياسية ومنظمات المجتمع النقابية والتعاونية، جعل منه كيانا لا يميز من ينتمي اليه ولا يمنح أعضائه الميزات والنفوذ المعتاد في منظمات السلطة، مما استدعى تأسيس تنظيم سري للنخبة داخل الاتحاد الاشتراكي أطلق عليه “التنظيم الطليعي” في عام 1964.

ضم التنظيم الجديد العناصر المضمون ولائها “لمبادئ الثورة وحددت أهدافه في “تجنيد العناصر الصالحة للقيادة وتنظيم جهودها وتطوير الحوافز الثورية للجماهير”، وأشرف على بناء التنظيم الجديد سامي شرف ومحمد حسنين هيكل وعلي صبري، وبلغ عدد أعضائه 30 ألف عضو.

 منظمة الشباب الاشتراكي

ومن داخل الاتحاد الاشتراكي أيضا تم تأسيس “منظمة الشباب الاشتراكي” عام 1964، والتي تتميز بقدر من الاستقلالية عن التنظيم الام، وكانت تابعة مباشرة لعلي صبري، الأمين العام للاتحاد الاشتراكي وقتها.

 الاتحاد الاشتراكي في عهد السادات

ظل الاتحاد الاشتراكي التنظيم السياسي الوحيد في مصر، حتى إلغاء الرئيس السادات العضوية الإجبارية له للراغبين في العمل السياسي أو المشاركة في النقابات والتنظيمات الاجتماعية الأخرى، بل وسمح السادات بوجود منابر سياسية داخل الاتحاد، اختار لنفسه منها تمثيل جناح الوسط على أن يكون هناك منبرين لليسار واليمين داخل الاتحاد الاشتراكي عام 1974، وهو ما اعتبر تمهيدا للتحول إلى الحياة الحزبية من جديد.

أعلن الرئيس “أنور السادات” خلال خطابه في مجلس الشعب في نوفمبر 1976 عن عودة الأحزاب قائلا: “قد اتخذت قراراً سيظل تاريخياً يرتبط بكم وبيوم افتتاح مجلسكم الموقر، هو أن تتحول التنظيمات الثلاثة ابتداء من اليوم إلى أحزاب”، وتأسست على الفور الأحزاب الثلاثة الأولى في تاريخ عودة الحياة الحزبية إلى مصر بعد “ثورة يوليو”.

“حزب مصر العربي الاشتراكي” والذي ترأسه رئيس الوزراء آنذاك “ممدوح سالم” واعتبر حزب الرئيس والذي تحول إلى “الحزب الوطني الديمقراطي” عام 1978، وحزب “التجمع الوطني التقدمي الوحدوي” وترأسه عضو مجلس قيادة الثورة السابق “خالد محيي الدين”، وحزب “الأحرار الاشتراكيين” وترأسه “مصطفي كامل مراد” أحد الضباط الأحرار السابقين.