رغم مرور 68 عامًا على ثورة 23 يوليو وإنهاء الحكم الملكي في مصر، إلا أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لا يزال حاضرًا بقوة في ميدان التقييم السياسي بين أنصاره من يُطلق عليهم “الناصريون”، ومعارضيه من التيار الليبرالي الذين يرونه أحد أسباب تراجع مصر في ملفي التنمية والديمقراطية.

الأشهر الماضية شهدت هجومًا من قبل رجل الأعمال الليبرالي نجيب ساويرس ضد عبدالناصر، في معركة تغريدات حظيت بتغطية إعلامية واسعة، بعدما وصفه بالفاشل والكارثي ومُدمر مصر، إذ قال: “ضيع البلد، جاب عاليها واطيها، دمر الرقعة الزراعية بتقسيمها، أفلس كل الشركات الناجحة بتأميمها ودخلنا حرب اليمن وبهدلنا وفضحنا قدام إسرائيل في 67 بهزيمة مُنكرة وسجن كل من طالب بالحريات غير التعذيب في المعتقلات بحمزة البسيوني وصلاح نصر”.

واعتاد “ساويرس”، أحد أشهر مروجي الفكر الرأسمالي في مصر، الهجوم على الزعيم الراحل، لأسباب اقتصادية واضحة بحكم التضاد بين النظريتين الاشتراكية والليبرالية، وأخرى شخصية بسبب تأميم شركة المقاولات الخاصة بوالده أنسى ساويرس”أنسي ولمعي” في مطلع الستينيات.

معارك “ساويرس”، مع الناصريين جزء من سجالات تحفل بها صفحات السوشيال ميديا كلما استدعى اسم عبدالناصر في أزمة أو ملف مُعين، وهو ما نرصده هنا في مُناظرة غير مباشرة بين النادي الليبرالي، أحد التجمعات الليبرالية التي برزت في الأشهر الماضية، وبين قيادي ناصري شاب، عن حضور ناصر حاليًا رغم مرور 68 عامًا على تحرك الضباط الأحرار للإطاحة بالعهد الملكي.

النادي الليبرالي..  أعداء الناصرية

يرجع النادي الليبرالي، الذي يضم عددًا كبيرًا من النشطاء الليبراليين الذين انخرطوا بالسياسة إبان ثورة 25 يناير2011، استمرار استدعاء “ناصر” في سجالات الهوية والتيارات الفكرية المُختلفة  إلى أثره الممتد اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، فبرامج الدعم الحكومي وتضخم الجهاز الإداري وظاهرة أبناء العاملين، وتجريف الحياة السياسية، واستمرار حضور كوادره في السياسة والإعلام كلها آثار ممتدة في حياتنا، لذا من الطبيعي تناول حياة الراحل بالنقد أو المدح.

“هذا رئيس اسمه موجود على كل شارع، وفي كل حي وله أحزاب باسمه وتيار سياسي ومنهج أيديولوجي فمن الطبيعي أن ترى أصوات تنتقد أفكاره وتجربة حكمه بشكل عام، فهو ليس شخصًا عاديًا مر مرور الكرام على هذا البلد”، هكذا يقول “النادي الليبرالى” على لسان أحد مؤسيسه، وهو معروف عنه انتقاده الدائم لتجربة الحكم الناصري.

عبدالناصر ليس إلهًا

لا يختلف الكاتب تامر هنداوي، القيادي بتيار الكرامة الناصري، مع الرؤية الليبرالية بأن الزج باسم ناصر يدل على مدى تأثيره في المجتمع المصري حتى الآن، فكل ما هو فقير وابن لعامل وموظف يشعر بأثره في حياته، مشيرًا إلى أن محاولات تشويهه بدأت منذ زمن الرئيس الراحل أنور السادات ومستمرة إلى وقتنا هذا من قبل الرافضين لمشروعه القومي.

يؤمن “هنداوي”، بـ”أحقية كل شخص في انتقاد ناصر، فهو ليس إلهًا وله أخطاء وعيوب كغيره من الحُكام، لكنه يرى الحملة الأخيرة التي شنها ساويرس على أنها جزء من حملات مستمرة للدفاع عن مصالحه الشخصية، فكيف لرجل أعمال أن ينحاز لرئيس نصر العمال على أصحاب المصانع أنفسهم، فهو لا يتنفس في هذا المناخ الاشتراكي الوطني الذي تحكم فيه الدولة قبضتها على السوق، بل يريد سوقًا حرًا يزيد من ثروته ويحمي رجال الأعمال وتنصر قوانينه أصحاب المال على المال، فهو ليس عاملًا كي يغني لعبدالناصر”.

أخطاء دولة يوليو

للنادي الليبرالي، أسبابه المنطقية والمشروعة في انتقاد التجربة الناصرية التي يستند إليها مناهضو الحكم الناصري في مصر، وهو ما أشار إليه “ساويرس” سابقًا بتحويل نشاط البلد من الزراعة إلى الصناعة والسماح للتعديات المخالفة ببناء العشوائيات على الأراضي الرزاعية، فضلًا عن الدخول في حروب كثيرة خلال فترة حكمه.

برأي ممثل النادي، فإن أخطاء دولة يوليو من الملفات الشائكة، لكنه يقول بثقة إنه لو كان رئيسًا لمصر في هذه الحقبة ما كان سيصدر قرارًا بحل الأحزاب السياسية مما جرف الحياة السياسية في مصر عقود طويلة واختزلها في الاتحاد الاشتراكي وأبناء النظام الطليعي، كما لن يسمح بتورط البلاد في حروب إقليمية كالتي خاضتها مصر في هذه الفترة مثل حرب اليمن، كما لن يلجأ إلى التأميم الاقتصادي كأسلوب لجمع ثروات البلد في قبضة مجموعة من الأشخاص.

 أزمة الديمقراطية

أكثر ما يعيب حكم ناصر هو تغييب الديمقراطية، وفتح أبواب المعتقلات على مصراعيها لكل معارض، والتنكيل بالخصوم في السجون، وهو ما لا ينكره الناصري تامر هنداوي، بأن غياب الديمقراطية وربط اسمه بالتعذيب في السجون من الأسباب الكبيرة في الرد على إنجازات ناصر سريعًا.

ويضيف هنداوي: “أنا من الناصريين الذين ينتقدون الأداء السياسي والديمقراطي في حكمه، ومشكلة الديمقراطية لا خلاف عليها في عهد ناصر وتسببت في استباحة انتقاده والقفز على إنجازاته الكبيرة في الإصلاح الاقتصادي وتأميم قناة السويس وبناء السد العالي”.

إلا أن هنداوي، يرفض ما وصفه بتزييف الحقائق في هذا الملف، فمصر لم تكن تعرف الديمقراطية الحقيقية قبل ثورة يوليو، كما يروج خصومه، حيث شهدت ديمقراطية وهمية في عهد الملك قائمة على الخداع مع الإنجليز، كما أن المناخ العالمي وتحديدًا في دول إفريقيا الساعية لطرد الاستعمار الأوروبي كان لا يسمح بتحقيق الديمقراطية المطلوبة.

 البحث عن الإرث

بالنسبة للنادي الليبرالي، فمصر لن تتخلص من الإرث المسيئ لدولة جمال عبدالناصر بدون إصلاح حقيقي في القطاع العام سواء بالهيكلة أو بيع أسهمه، وكذلك إعادة هيكلة الجهاز الإداري المكتظ بأبناء العاملين والمعنيين بالمحسوبية، فلا تنمية بدون تنفيذ القانون بكل حزمه وإلغاء المحسوبية، فضلًا عن تحرير السوق بشكل كامل.

ويعتقد ممثل النادي الليبرالي، أن مصر تسير في هذا الاتجاه التنموي الإصلاحي منذ فترة، لكنه ينتظر نقد التجربة الناصرية وتفنيدها تاريخيًا، وسحب رموزها من الحياة السياسية والمناصب التنفيذية حتى يزول أثرها وتتجاوزها البلاد.

ويرى “هنداوي” أن قضايا الساعة كلها تستدعي الحديث عن عبدالناصر بالإيجاب وليس بالسلب، فملف سد النهضة يُخبرنا أن مصر غابت عن إفريقيا لمدة 50 عامًا بعدما كان يولي لها الزعيم الراحل اهتمامًا خاصًا من حيث الدبلوماسية والتأثير على شعوبها بالقوة الناعمة ودعم حركات التحرر بها، وتُخبرنا قضية الصراع في ليبيا بقيمة الوحدة العربية التي تبناها ناصر في مشروعه القومي، كما تدل جائحة فيروس كورونا، أن الزعيم لم يُهمل قطاع الصحة، حيث أنشأ العديد من المستشفيات العامة وتحديدًا مستشفيات الصدر التي كانت المقصد الأول لمرضى كورونا.

يختم هنداوي: “استدعاء ناصر باستمرار يدل على أن هذا الرجل صاحب مشروع، فلا أحد يستدعى السادات الذي لم يحمل مشروعًا فكريًا أو تنمويًا أو عروبيًا كناصر، كما لا يتم استدعاء مبارك صاحب اللا مشروع الذي ثار المصريون ضده”.