“من رأى منكم مُنكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”، في محاولة لمغازلة الأقليات في الولايات المتحدة الأمريكية، استهل المرشح الديمقراطي جو بايدن، خطابه الإلكتروني، الذي ألقاه منذ يومين، بحديث للنبي محمد (ص)، محاولة منه لكسب أصوات الأقليات الأفريقية والمسلمة وغيرها، في الانتخابات الأمريكية المُقبلة في مواجهة الرئيس الحالي دونالد ترامب.

يسعى بايدن جاهدًا لتصدير صورته على أنه الرجل الداعم للحريات، والمُساند للأقليات، فأخذ يُصدر الوعود بتوفير الرفاهية والحياة الكريمة للأقليات الموجودة داخل بلاده، خاصة بعد أن أثبتت تلك الفئة قدرتها على التحكم في العملية الانتخابية في الولايات المتحدة، وهو ما اتضح فيما حصدته المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون من أصوات كبيرة من الأقليان في الانتخابات الماضية.

مكتب الإحصاء الأمريكي، توصل في عام 2018، إلى أن عدد السكان البيض من إجمالي سكان الولايات المتحدة الأمريكية، تراجع بنسبة كبيرة خلال العقود الأخيرة، من 90% في منتصف القرن العشرين، إلى 60% فقط عام 2018، لصالح الأمريكيين من أصل أفريقي، ومهاجري أمريكا اللاتينية والأسيويين، والدول العربية والإسلامية، مع توقعات بانخفاض نسبة البيض إلى 50% مع حلول 2045.

الأقليات في أمريكا

السود  في الولايات المتحدة الأمريكية، هم الأقلية الأكثر عددًا، حيث يبلغ عددهم 26 مليون نسمة، بنسبة تقترب من الـ 13% من عدد السكان في الولايات المتحدة، وبحسب مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، فإن عدد المسلمين الأمريكيين ليس محصورًا ويتراوح ما بين 2 إلى 3 مليون شخص، 33% منهم من أصول جنوب أسيوية، و25% من أصول عربية، و3% من الأفارقة، والنسبة الباقية ما بين أمريكيين اعتنقوا الإسلام، وأشخاص من جنسيات أوروبية.

وهناك أقليات متنوعة تمثل نسبة كبيرة من عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية،  من أصول إيطالية وإسبانية وبولندية، وروسية وصينية ويابانية، وسوريون وعراقيون من الـ”الاثوريين”، والذين يحاولون الحفاظ على  استقلالهم الثقافي، إضافة للسكان الأصليين من شعوب الاسكيمو والهنود الحمر، والذين ينتمون إلى 567 قبيلة معترفًا بها.

ويواجه الأقليات في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة من أصول إفريقية اضطهادات عدة في الحياة السياسية والاجتماعية، أبرزها ما يتعلق بممارسات الشرطة الأمريكية ضد السود، والذي راح ضحيتها مؤخرًا المواطن الأمريكي من أصل إفريقي “جورج فلويد”، وتنامي خطاب الشعبويين، واليمين الأمريكي، ضد المهاجرين وتحميلهم أسباب الأزمة الاقتصادية الأمريكية، إضافة للقرارات المتتابعة بمنع دخول مواطني عدد من الدول من بينها دول مسلمة إلى أمريكا.

الانتخابات ولعبة الأقليات

خلال السنوات القليلة الماضية، تغيرت المعادلة الانتخابية الأمريكية، بشكل كبير، لتلعب الأقليات داخل الولايات المتحدة دور كبير فيها، وهو ما اتضح فيما حصدته المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون من أصوات الأقليات في الانتخابات الأمريكية الماضية، رغم عدم تمكنها من التفوق على منافسها الجمهوري دونالد ترامب، الرئيس الحالي، والذي استند على خطاب شعبوي مكنه من الفوز، في ظل أزمة اقتصادية تشهدها أمريكا، وتَقَلُص عدد الوظائف وتسريح ملايين العمال، وغزو صيني للسوق الأمريكية.

وفي خطابه وعد جو بايدن للناخبين المسلمين، برفع حظر دخول مواطني دول إسلامية، إلى أمريكا، في إشارة لقرار ترامب والذي تم تنفيذه مطلع العام الحالي بإضافة 6 دول ذات أغلبية إسلامية، إلى قائمة الدول الممنوع دخول مواطنيها إلى بلاده، وهي: “السودان ونيجيريا وبورما وإريتريا وقرغيزستان وتنزانيا”، بعدما أيدت المحكمة الأمريكية العليا، قرارًا في 2018، بمنع دخول مواطني 6 دول أخرى هي: ” اليمن وسوريا وليبيا وإيران والصومال وكوريا الشمالية” مستثنية من القرار من  تربطهم علاقات وثيقة مثبتة مع المقيمين في أمريكا، وأوضحت لاحقًا تفسير “علاقات وثيقة” بأنها علاقات القرابة من الدرجة الأولى.

ووعد بايدن، بأن يشرك في إدارته قيادات مسلمة، وأن يدعم الأقليات المسلمة حول العالم، مثل الروهنغيا والإيغور، لافتًا إلى اهتمامه بمعاناة مواطني سوريا واليمن وغزة، والعمل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، إضافة للعمل مع الكونجرس لسن تشريعات تكافح جرائم الكراهية والإهانة التي تعرض لها أمريكيين من أصول أفريقية وإسلامية ولاتينية.

إلا أن الكثير من وعود بايدن، تبدو كدعاية انتخابية غير قابلة للتحقيق، خاصة فيما يتعلق بوعوده بدعم الأقليات المسلمة خارج أمريكا، أو وعوده برفع معاناة مواطني سوريا واليمن وغزة، والتي تساهم سياسات الولايات المتحدة الاستراتيجية، ومصالحها الإقليمية، بشكل أو بآخر في زيادة هذه المعاناة، أما بالطبع فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وإن كان أصعب القضايا التي يمكنه الوفاء بوعد العمل على تحقيقها، إلى أنه مهم على مستوى كسر، الإجراءات والقرارات  التي اتخذها ترامب ومنها الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليه، ودعمه للتوسع الاستيطاني، حتى لو كان هذا الكسر بشكل دعائي.

 

اليمين والاستخدام العكسي لورقة الأقليات

وإن كان الحزب الديمقراطي، يستخدم ورقة الأقليات وما تعانيه في أمريكا لكسب أصوات ناخبيهم، فإن المرشح الجمهوري دونالد ترامب يستخدم نفس الورقة ولكن بشكل عكسي.

منذ ترشح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للانتخابات الأمريكية الماضية، استخدم خطابًا شعبويًا، يمنيًا، ضد الأقليات والمهاجرين، لاقى قبولًا كبيرًا داخل المجتمع الأمريكي، تحت تأثير الأزمة الاقتصادية المتواصلة، والتي تدفع ملايين الأمريكيين للخروج من سوق العمل.

خطاب ترامب، منذ بدايته حمل المهاجرين والأقليات مسؤولية الأزمة، ورفع شعارات تحض على الكراهية تجاه المهاجرين، مثل شعار “الوظائف للأمريكيين”، والذي كان معناه الواضح يقول: “إننا لن نترك المهاجرون يأتون إلى بلادنا ليأخذون حق مواطني أمريكا في الوظائف”، في ظل عجز خطاب منافسته هيلاري كلينتون عن تقديم تفسيرات علمية ومقنعة للجماهير عن سبب الأزمة الاقتصادية، أو لنقل عدم رغبتها لقول هذه التفسيرات بل ورفض تبنيها لأنها تضرب بشدة عمق السياسات الليبرالية الأمريكية، وهو ما لم يقله بايدن أيضًا.

ربما كان  نائب الشيوخ، اليساري بيرني ساندرز، أحد الذين لديهم القدرة على طرح تفسيرات حقيقية للأزمة الاقتصادية، وتقديم حلول لها، قبل أن يخسر المواجهة أمام جو بايدن، والذي حصل على النسبة اللازمة من أصوات الجمعيات الانتخابية، للترشح للانتخابات المقبلة عن الحزب الديمقراطي.

استمرار الخطاب الشعبوي

ترامب سيواصل اللعب العكسي على ورقة الأقليات والمهاجرين، خلال مواجهته لـ”بايدن”، ففي أبريل الماضي كتب ترامب على حسابه عبر موقع التدوينات المصغة “تويتر”: “في ضوء هجوم العدو الخفي والحاجة لحماية وظائف مواطنينا الأمريكيين العظماء، سأوقع أمرًا تنفيذيًا بتعليق الهجرة للولايات المتحدة مؤقتًا”، إضافة للعديد من التصريحات في إطار نفس الاتجاه، ورغم أن كثير من قرارات ترامب عرضة للطعن، إلا أنه لا يزال يحظى بشعبية، وقبول لأطروحاته “العنصرية”، خاصة مع تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد الأمريكي وقدرة سوق العمل على الاستيعاب.