يبدو أن الصعوبات المجتمعية التي يعاني منها الوطن العربي واحدة، رغم الحدود واختلاف “اللهجات” والثقافات والموروثات، إلا أن هناك عوامل وأفكار مشتركة لم يستطع الوطن العربي التخلص منها رغم التطور والانفتاح.
ويبدو أيضًا أنه رغم المحاولة المستميتة للمجتمعات العربية للإبقاء على الموروث الثقافي الخاص بأن المرأة لا تترك بيت أبيها إلا للخروج لبيت زوجها، إلا أن الأجيال الحديثة من الفتيات رفعن رايات التمرد والبحث عن الذات بعيدًا عن الطوعية الأهلية ونظرات المجتمع.
مصر.. البحث عن الاستقلال
بعد تعنيف وعملية ختان أجريت لي في سن الـ 14، قررت الرحيل عن أهلي والانفصال عنهم اجتماعيًا، فقد سئمت التشدد والتعنيف، وبعد تفكير طويل اتخذت قرار الاستقلال في سن الــ 16 عامً، لكني انتظرت حتى انتهاء الثانوية العامة.
بتلك الكلمات بدأت “بسمة آدم” روايتها عن قصة استقلالها عن أسرتها التي تقيم في بلبيس بمحافظة الشرقية، والاستقرار بمحافظة القاهرة.
تقول الفتاة العشرينية: “بدأت في الخطوات العملية للاستقلال عن أهلي في الترم الأول من الجامعة، كنت قد التحقت بجامعة الزقازيق، لكني أيضًا بدأت حياتي العملية فقد طورت نفسي في اللغة الإنجليزية، وبدأت أعمل مترجمة للأجانب في مصر، وكنت أسافر يوميًا مع بلبيس للقاهرة للعمل”.
وتضيف: “لكن أزماتي مع عائلتي تصاعدت بسبب عملي، وبدأوا في الاستيلاء على الأموال التي أحصل عليها، إلى جانب تشددهم معي في الأفكار، ما عرضني للتعنيف قبل قرار الانفصال، فأنا أتذكر جيدًا تعديهم عليَ بالضرب لمجرد أن ناقشتهم في خلعي للحجاب”.
وتتابع “بسمة”: “جمعت أشياء وتركت منزل الأسرة بالفعل، وانتقلت للعيش المؤقت مع إحدى صديقاتي، وبدأت رحلة العمل الجاد والبحث عن مسكن، وبالفعل انتقلت للعيش في القاهرة، لكني كنت حريصة ألا أسكن في منطقة شعبية حتى لا أتعرض للخطر وخصوصًا أنى قررت العيش بمفردي، كما أنني تعرضت لمحاولات استغلال من بعض الشباب الذين دائما ما يفكرون في الفتاة المستقلة بالأفكار المغلوطة، لكني أوقفت تلك المحاولات وأصبحت أكثر قدرة على مواجهة الحياة وصعوباتها”.
وتضيف: “المجتمع المصري يرفض فكرة استقلال الفتيات عن أسرهن إلا في حالة الزواج، لكن أنا استخدمت الأمر الواقع فكان لابد من إيجاد حلول للحد من الحياة المرهقة التي تجمعني بأسرتي التي أصبحت علاقتي بهم تتلخص في زيارة شهرية فقط”.
اليمن.. الهروب من الحرب
“هربت من الحرب والدمار، بعد جدال طويل مع أسرتي التي كانت ترفض رحيلي، ولكنها أيضًا لا تضمن لي الأمان في بلدي”، بتلك التفاصيل البسيطة المحملة بالآلام بدأت “عائشة عمر” الشابة اليمينية التي تبلغ من العمر 30 عامًا، روايتها عن الاستقلال عن الأسرة.
تقول: “اتخذت قرار الاستقلال عام 2017 بعدما تأزم الوضع في اليمن، وقرر جزء من أشقائي العودة إلى السعودية التي عشنا فيها عدة سنوات، فيما قرر الجزء الآخر البقاء في اليمن، وخيروني بين السفر إلى السعودية مع من يسافر، أو البقاء في اليمن مع الباقين، لكن قراري كان لا هذا ولا ذاك، فقد قررت الرحيل بعيدًا عن تشدد وأحكام السعودية المقيدة، وعن الحرب والدمار في اليمن”.
وتضيف: “أشقائي رفضوا بشكل قاطع قرار رحيلي، لكني كنت قد عزمت الأمر وبدأت في إجراءات السفر بالفعل، وظلت حالة من السجال والجدل بيني وبين أشقائي في محاولة منهم للعدول عن موقفي، لكني لم أتراجع خاصة مع تأزم حالتي النفسية بسبب الحرب في اليمن”.
تتابع: “بالفعل انتقلت للعيش والعمل في مصر، لكن العائلة الكبيرة لم تستوعب الأمر حتى الآن فغالبا ما يسألون عني باندهاش، ودائمًا ما يتساءلون عن سبب رحيلي، فيما يهمس بعضهم بأني سافرت إلى مصر لأتزوج سرا، تصلني تلك الكلمات لكنها لم تجعلني أتراجع عن موقفي أبدًا”.
تقول الشابة اليمنية: “إن استقلال الفتيات في اليمن غير مقبول، ويتسب في أن يتهامس الناس بأنها من الضرورة ارتكبت خطأ فادحًا لذلك تركت بيت أسرتها، لكن كل ذلك لم أفكر فيه، فقد فكرت فقط في مستقبلي المهني وسلامتي النفسية”.
تونس.. الاستقلال المشروط
“تركت أهلي وأنا في سن الـ 19 عامًا، وقررت استكمال دراستي في ألمانيا، لكني كنت محظوظة فقد وجدت دعمًا كثيرًا من أهلي، خاصة أن الأمر متعلق بمستقبلي.. هذا ما بدأت به “آية بازين” التونسية ذات الـ 23 عامًا، في قصتها عن الاستقلال بعيدًا عن الأسرة.
تقول الفتاة العشرينية: “اعتبر نفسي محظوظة، فقد وجدت أسرتي داعمة لي في قرار سفري للخارج لاستكمال دراستي بمستوى أفضل، وبالفعل قدموا لي كل الدعم المطلوب سواء على المستوى النفسي أو المادي”.
وتتابع: “بالرغم من أن لي ما يقرب من 4 سنوات في ألمانيا، لكن حتى الآن هناك بعض التخوفات من أهلي، لكنها تخوفات عادية مفهومة غير معيقة أو مؤذية، مثل أسر أخرى في تونس أيضًا ترفض استقلال الفتاة بشكل كامل عنها”.
استقلال نادر
أما “لبنى هادي” ناشطة نسوية تونسية تقول: “موضوع الاستقلال التام للفتيات نادر، لكنه من الممكن أن يتم في بعض الحالات مثل التفوق الدراسي والعملي والتقدم في السن وتجاوز الثلاثينيات، هناك بنات يستقللن بذاتهن ويلقين تقبل العائلة، في بنات من المناطق الداخلية ولعدم توفر عمل في تلك المناطق، فإنهن ينتقلن لمدن أخرى ويستقللن، أو في حالات الهجرة، وهذه الحالة تلقى تشجيعًا من الكثير من الأهالي”.
لبنان.. حرية ولكن
“سارة درغام” لبنانية تبلغ من العمر 25 عامًا، قررت الاستقلال بحياتها وترك لبنان بعدما أنهت المرحلة الجامعية منذ 3 سنوات، لم يكن الأمر سهلًا، خاصة أن والدها متوفيًا.
تقول: “والدتي هي الأم والأب، فهي لم تتقبل الأمر في البداية، خاصة مع الضغوط الخارجية من العائلة التي حاولت ممارستها من أجل منعي من السفر بعيدًا عنهم”.
وتستكمل حديثها قائلة: “لم أيأس من المحاولة ومن المناقشة، حتى اقتنعت أمي أن حياتي العملية سوف تكون أفضل وأحسن خارج لبنان، وبالفعل انتقلت للعيش في مصر، لكن مخاوف عائلتي لم تتوقف فهم يخشون من التجارب الحياتية والاستغلال الذي يمارسه بعض الناس على الفتيات المستقلات”.
وتنهي “درغام” حديثها قائلة: “لبنان مثلها مثل أي دولة عربية، والأفكار حسب المنطقة، في مناطق وعائلات في لبنان تتقبل استقلال الفتيات دون أزمة، لكن في عائلات أخرى ترفضه رفضًا تامًا خوفًا على البنت وسمعتها، وأيضًا خوفا من المستغلين”.
أما “فيولا حسن” فقد أتمت ثلاثين عامًا وهي مستقلة بحياتها بعيدًا عن أسرتها في لبنان، فقد اختارت الاستقلال منذ 3 أعوام وانتقلت للعيش في بيروت بجوار محل العمل، بعدما عاشت سنين طويلة مع أسرتها في صيدا.
ترى “فيولا” أن الاستقلال عن الأسر من قبل الفتيات في لبنان منتشر، ورغم عن ذلك هناك بعض الأسر ترفض أمر الاستقلال خوفًا على الفتيات، لكن الأمر لم يكن صعبًا مثل السابق، وفق قولها.
وتؤكد أن المجتمع اللبناني مثله مثل كل المجتمعات العربية، منهم من يتقبل الأمر ومنهم من يراه مخالفًا وغير مقبول.
حكم تاريخي ينهي بلاغات التغيب للفتيات بالسعوديات
وفي السعودية أصدرت محكمة الثلاثاء الماضي، حكمًا قضائيًا، أسقط قضية التغيب عن الأسرة بحكم أن استقلال المرأة العاقلة البالغة بمنزل ليس جريمة.
وعلى خلفية الحكم وصف محامي القضية عبد الرحمن اللاحم، عبر حسابه الرسمي في “تويتر”، هذا الحكم بالتاريخي.
وقال: “الحمد لله اليوم صدر حكم (تاريخي) بشأن قضية تغيب كان لنا الشرف في إدارتها، يؤكد أن استقلال المرأة العاقلة البالغة في منزل مستقل، ليست جريمة تستحق التعزير”.
وأضاف: “أنا في غاية السعادة لهذا الحكم الذي ينهي قصصًا مأساوية للنساء، تحية للسيدة التي دافعت عن حقها بالقانون”.
يذكر أن بلاغات التغيّب هي نظام معمول به في السعودية، ويتيح لأولياء الأمور تقديم بلاغ حال اختفاء أو استقلال المرأة دون الحصول على إذن مسبق من ولي الأمر.