قانون التصالح في مخالفات البناء رقم 17 لسنة 2019، والمعدل بالقرار رقم 1 لسنة 2020، من أكثر القوانين التي أثارت الجدل داخل المجتمع مؤخرًا، لما تضمنته لائحته التنفيذية من شروط رآها الآلاف من أصحاب الوحدات السكنية، ظالمة لهم، خاصة من اشتروا شققًا سكنية من مقاولين أو أصحاب العقارات الأصليين، حيث يُلزم القانون صاحب الوحدة بدفع الغرامة في حالة غياب المالك الأصلي أو تنصله من الدفع.

كما أعرب حقوقيون وبرلمانيون، عن استيائهم من عدم محاسبة المقاول التنفيذي للعقار المخالف، والمسؤولين الذين سهلوا له عمله، إضافة للمبالغة في القيمة المقدرة للغرامة، من 50 إلى 2000 جنيه للمتر الواحد، وبحسب تقديرات لجنة الإسكان بمجلس النواب فإن عدد الوحدات المخالفة يزيد عن 2.8 مليون مبنى على مستوى الجمهورية.

ظلم كبير

“أدفع منيين، كل اللي كان حيلتي دفعته في ثمن الشقة”.. يصف سعيد حسن، صاحب الـ 45 عامًا، الحال الذي وضعه فيه القانون، مضيفًا: “كان لدي شقة صغيرة ضاقت على أبنائي الثلاثة، فبعتها بـ 230 ألف جنيه وأضفت على ثمنها مبلغًا كنت قد أدخرته وثمن مصاغ زوجتي، واستدنت من إخوتي مبلغًا آخر حتى دبرت 400 ألف جنيه ثمن الشقة الجديدة، أغلب عقارات الحي الذي أسكن فيه بشارع فيصل بالجيزة، لا أحد يعلم ما المرخص منها، الجميع اشتروا على هذا الوضع”.

ويستكمل “حسن”: “صاحب العمارة بيقولوا مسافر، وسواء مسافر أو لأ هنجيبه منين، الحكومة هي اللي تقدر تجيبه وتلزمه يدفع، إنما القانون يخلينا ندفع ثمن مخالفته وهو يخرج كدة منها، ده ظلم كبير”.

“حسناء علي” 38 سنة، وأم لطفلين مقيمة بمحافظة الفيوم، تقول: “توفى زوجي منذ ثلاثة أعوام، وكنا نسكن في شقة بالإيجار، بعد وفاته أعطاني إخوته نصيبي الشرعي من حقه في منزل أبيه، وحصلت بصعوبة على موافقة المجلس الحسبي لتخصيص جزء من ميراث أبنائي للمساهمة في ثمن الشقة، لأننا لم نعد بعد وفاته قادرين على دفع الإيجار، وبالفعل اشتريت الشقة، والتي لم أعلم عن مخالفتها شيئًا حتى المجلس الحسبي رأى العقود ولم يعترض على شيء، ثم سمعت أن القانون سيلزم أصحاب الشقق الذين اشتروا من المقاول، بدفع مبالغ كبيرة للتصالح، قد تصل لألفي جنيه للمتر على ثلاث سنوات، ولا أعلم كيف سأوفر هذا المبلغ”.

قيمة الغرامة

اللائحة التنفيذية للقانون، حددت قيمة الغرامة، بحد أدنى 50 جنيهًا وبحد أقصى 2000 جنيه للمتر الواحد، وتقدر سعر المتر بين الحدين الأدنى والأقصى، لجان يتم تشكيلها في كل محافظة، بحسب المستوى العمراني والحضاري لكل مبنى، مع إمكانية تقسيم الغرامة على ثلاثة أقساط سنوية، على أن يكون القسط الأول 25% من قيمة الغرامة.

ويدفع مقدم طلب التصالح، بحسب اللائحة من 1000 إلى 5000 جنيه تحت مسمى جدية التصالح، تم إقرار أن يوحد المبلغ ليكون الحد الأقصى الـ 5000 آلاف جنيه، تخصم من قيمة الغرامة عند دفع القسط الأول.

وتقع الغرامة على صاحب العقار “المقاول”، فلو توفى أو سافر (هرب)، أو قرر عدم الدفع حتى لو تم حبسه، يدفع مشترو الوحدات السكنية، فاللائحة تشير إلى أنه إذا تخلى المالك يدفع المشتري.

كيف تحسب الغرامة؟

يقول محمود حسين، محامي، “بعد تقدير قيمة المتر في المنطقة الواقع بها المبنى المخالف، يتم حساب مساحة العقار الإجمالية، الطول في العرض، تضرب في عدد الأدوار المخالفة، وثم يضرب الإجمالي في قيمة سعر المتر الذي حددته اللجنة المعنية”.

ويحذر “حسين” من شراء وحدات سكنية هذه الأيام إلا بعد التأكد من أن المبنى غير مخالف ومستوف لكل التراخيص، لأن أصحاب الوحدات المخالفة سيسعون لبيعها والتخلص منها للتهرب من قيمة غرامة المخالفة.

مبالغة

ويرى “حسين”، أن أغلب الغرامات ستحسب ما بين 1000 و2000 جنيه وهو الحد الأقصى المحدد للمتر، فليس هناك لجنة ستقدر مترًا بـ 50 جنيهًا، وهو ما يجعل مبلغ الغرامة كبير جدًا ومبالغًا في تقديره وعبئًا على أصحاب الوحدات والذين أغلبهم اشتروها من أصحاب العقارات الأصليين ولم يتورطوا قانونيًا في أي مخالفات، مشيرًا إلى أن فترة السنوات الثلاث التي يتم فيها تقسيط الغرامة قصيرة جدًا.

محاسبة المتواطئين

خلال الأسبوع الماضي تقدم النائب هيثم الحريري، عضو مجلس النواب، ببيان عاجل إلى رئيس المجلس، بشأن القانون، قال فيه: “القانون جعل من صاحب الوحدة السكنية فقط هو المسؤول حيث أعفى المقاول المنفذ من المسؤولية التضامنية وكذلك لم يتم محاسبة المسؤولين عن تواطئهم الفاضح في هذا الفساد”.

وأضاف “الحريري”: “مع صدور اللائحة التنفيذية وتحديد قيمة رسوم التصالح، فإن هناك مبالغة شديدة في تحديد أسعار المخالفات يستوجب سرعة مراجعة هذه الأسعار وتخفيضها حتى يتسنى للمواطنين تسديد هذه الرسوم الباهظة”.

كما أشار إلى أن فترة السداد على مدة 3 سنوات أصبحت لا تتناسب تمامًا مع الظروف الاقتصادية الراهنة، مطالبًا بزيادة فترة سداد رسوم التصالح إلى 5 سنوات على الأقل.

هيثم الحريري

واعتبر “الحريري” “قرار رئيس مجلس الوزراء بشأن فرض رسوم تحت مسمى جدية التصالح أمر غير قانوني وغير عادل، فالقانون لم ينص إطلاقًا على ما يسمى جدية التصالح، كما أنه ليس من العدالة أن يتم توحيد قيمة جدية رسوم التصالح بالرغم من التباين الشاسع في قيم غرامات التصالح على العقارات المخالفة، وكذلك قبل موافقة الجهة التنفيذية على طلب التصالح وتحديد قيمة المصالحة.”