يُمثل رسم “تنمية الموارد” على خطوط المحمول، الذي فرضته وزارة المالية، أخيرًا، حلقة ضمن سلسلة من الرسوم تسعى الوزارة لتحريكها كأحد وسائل زيادة إيرادات الموازنة العامة البالغة 1.288 تريليون جنيه، مقابل 1.134 تريليون جنيه في العام المالي السابق، رغم تداعيات كورونا على النشاط الاقتصادي.

تعتبر وزارة المالية الرسوم بيضة تبيض ذهبًا تفتح خط تمويل لا ينضب للموازنة، فمها كانت المبالغ التي يتم زيادتها في البند الواحد طفيفة، لكن تعدد المجالات التي تتضمن تلك الرسوم والأعداد الضخمة التي تتعامل معها يجعل المحصلة الإجمالية لها لا تقل عن 18 مليارًا، مقابل 6 مليارات في الموازنة المنتهية بنهاية يونيو الماضي.

ارتفع رسم التنمية على “المحمول” من فئة 10 قروش إلى جنيهين دفعة واحدة مثال حي على ذلك، فالاشتراك السنوي لخط التليفون أصبح حاليًا 8 جنيهات سنويًا بدلاً من 6 جنيهات، ويتم تحصيلها بواقع 68 قرشًا شهريًا عن كل خط تليفون، بالخصم من قيمة كارت الشحن.

تعتبر تلك الرسوم هي الثانية من نوعها خلال شهرين، بعد استحداث رسوم في مايو الماضي على أجهزة المحمول ومستلزماتها بواقع 5% من قيمتها بجانب فرض رسوم بنسبة 2.5% من قيمة فواتير الإنترنت للشركات والمنشآت.

وفقًا لتقرير مؤشرات قطاع الاتصالات، فإن عدد مشتركي التليفون المحمول بمصر بلغ ٩٦.٤١ مليون مشترك بنهاية مارس الماضي، مقارنة بنحو ٩٣.٤٢ مليون مشترك خلال الفترة ذاتها من عام ٢٠١٩، بزيادة قدرها ٣ ملايين مشترك جديد، ما يجعل الزيادة التي تخضها الرسوم الجديدة قرابة 200 مليون جنيه.

رسم الراديو

تسعى وزارة المالية للتخلص من التحرر بعض من التزاماتها تجاه العاملين بماسبيرو الذين يكبدون الموازنة شهريًا 220 مليون جنيه ممثلة في مساهمة في رواتب العالمين بالقطاع، عبر رفع الرسوم على السيارات التي تتضمن أجهزة إلكترونية أو ترفيهية بينها الراديو من جنيه وأربعين قرشًا، إلى 100 جنيه، ما يدر دخلاً يقدر بنحو نصف مليار جنيه.

أقر مجلس النواب، أخيرًا، مقترحات حكومية تتعلق بتأدية صاحب أي سيارة تتضمن أجهزة إلكترونية أو ترفيهية أو مجهزة لاستعمال هذه الأجهزة 100 جنيه، يتم تحصيله عند سداد أيه ضرائب أو رسوم مستحقة على السيارة، وتؤول حصيلة الرسم إلى الخزانة العامة للدولة.

وشملت الرسوم الجديدة أيضًا عمليات الشراء من الأسواق الحرة لتبلغ 1% من قيمة كل سلعة يزيد ثمنها على 5 دولارات وبحد أدنى دولار واحد، مع إعفاء أعضاء السلكين القنصلي والدبلوماسي الأجانب منها، على أن تلتزم الأسواق الحرة بتحصيل هذا الرسم وتوريده إلى مصلحة الضرائب.

ربما تتنافى السعي الحكومي الدؤوب نحو زيادة الرسوم، مع سياسة الكثير من حكومات العالم حاليًا للتخفيف عن المواطن الأعباء الاقتصادية والمعيشية، مع تأثر غالبية الدخول بتعطل النشاط الاقتصادي جراء فيروس كورونا، وزيادة حجم الإنفاق العائلي على العناية الشخصية المتمثلة في المطهرات.

رحلة البحث عن موارد

لكن نادي عزام، الخبير الاقتصادي، يقول إن القانون الأصلي (147 لعام 1984) الذي مر عليه 36 عامًا “قديم” لا يراعي التغيرات الاقتصادية، والرسوم الجديدة أو التعديلات على القديم منها يأتي في سياق سعي الدولة للبحث عن موارد لتلبية الاحتياجات المتزايدة للإنفاق في خضم أزمة كورونا، وراعت أن تكون متعلقة بذوي الدخل الأعلى وبضائعهم في المقام الأول، كأغذية الكلاب والقطط وليس ذوي الدخل المنخفض.

وتضمنت قائمة الرسوم التي تم استحداثها فرض رسم على البنزين بأنواعه بقيمة 30 قرشاً للتر المباع و25 قرشًا للتر السولار، فرض رسوم بنسبة 2.5% على التبغ الخام، كما تشمل رسوم مستحدثة بنسبة تصل إلى 10% من قيمة عقود انتقالات الرياضيين ورسوم على تراخيص شركات الخدمات الرياضية بنسبة 0.5% وهو رقم كبير نسبيا في ظل الاشتراطات الجديدة لوزارة الشباب والرياضة لتأسيس شركات بألا يقل رأس المال المُصدر للشركة طالبة الترخيص عن 250 ألف جنيه، حال تقديمها خدمة واحدة ومليون جنيه حال تقديمها أكثر من خدمة.، مع رفعها إذا كانت تنوى إنشاء نادي أو فرع لمزاولة نشاطها.

وتشمل الرسوم الجديدة على أغذية الكلاب والقطط والطيور الأليفة للزينة سواء أكانت في صورة نهائية جاهزة للبيع بالتجزئة أو غير مُهيأة بواقع 25% من الفاتورة، مُضافًا إليها الضريبة الجمركية والضريبة على القيمة المضافة وغيرها من الضرائب والرسوم.

يقول “عزام” إن الحكومة تبنت في السابق مجموعة من القرارات التي تصب في صالح تخفيف الأعباء الاقتصادية على المواطنين البسطاء من بينها زيادة حد الإعفاء الضريبي، وصرف منح للعمالة غير المنتظمة، وضم العلاوات الخمسة المستحقة لأصحاب المعاشات بنسبة 80% من الأجر الأساسي، والعلاوة الدورية للمعاشات بنسبة 14%، وتوفير معارض سلع مخفضة للمواطنين.

رسوم الشهر العقاري

لكن خبراء اقتصاديون يرون أن التعديلات تتضمن الكثير من جوانب الحياة اليومية للمواطنين البسطاء بدًءا من البنزين والسولار حتى المستخرجات الرسمية الخاصة بكثير من الجهات الرسمية كالشهر العقاري، ما يجعلها شاملة لا تستثنى طبقة بعينها، وكان الأولى للحكومة فرض ضرائب تصاعدية ترتفع مع زيادات الدخل.

ورفعت وزارة المالية رسوم خدمات الشهر العقاري بزيادة رسوم استخراج كل صحيفة من صور المحررات الرسمية منها من جنيه واحد إلى 5 جنيهات، وفيما يتعلق بتسجيل العقارات، فتم تحديدها عند مستوى 500 جنيه حتى مسطح 100 متر مربع، وألف حتى مسطح 200 متر، و1500 حتى 300 متر، وتضم أيضًا الحفلات والخدمات الترفيهية التي تقام بالفنادق والمحال السياحية أو غيرها من الأماكن العامة بواقع 12% من المبالغ المدفوعة، مع استثناء ما تقيمه الدولة منها، وأنشطة وزارة الثقافة الرامية إلى نشر الوعي الثقافي.

يقول عزام إن جميع الخدمات التي يتم توجيها للمواطنين من وزارات خدمية لا تحقق عائدًا ومع تطوير الخدمات وميكنتها كان لابد من تحريك أسعارها حتى يمكن لتلك الجهات الوفاء بالتزاماتها، كما أنها أقل من كثير من دول العالم فاستخراج رخصة القيادة في مصر، لا تتجاوز 3 آلاف جنيه، مقابل 10 آلاف درهم إماراتي.

يثير الفارق الكبير في أسعار الخدمة الورقية ونظيرتها الإلكترونية جدلاً بين المواطنين، كمحمد عبدالهادي الذي أراد استخراج بطاقة ميلاد رقمية لابنته في موسم التقديم للمدارس وتحاشيًا للازدحام وعدوى كورونا ففوجئ بالنسخة الإلكترونية بسعر 75 جنيهًا، رغم أن الورقية لا يتجاوز سعرها 15 جنيهًا.

طلب إحاطة

وقدم الدكتور حسن بسيونى، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة موجه لرئيس مجلس الوزراء ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يدعو فيه إلى خفض رسوم أداء الخدمات الإلكترونية بنسبة 25 على الأقل، مع زيادة استخدام المواطنين للتكنولوجيا والانترنت والاتصالات وتحملهم رسوم متعددة عليها.

يقول عبد الهادي، الذي يعمل في وظيفة حكومية، إن كثير الرسوم تحمل ضغطا كبيرا على المواطن، فهو على سبيل المثال يملك سيارة “فيات 128” فهل يتم مساواتها بسيارة “مرسيدس”، وكان الأولى على الحكومة تدريج الرسم بحيث يرتفه من 10 جنيهات إلى 500 جنيه وفقًا لنوع السيارة وتاريخ تصنيعها حتى تتحقق العدالة الكاملة بين المواطنين ويتحمل من يملك الدخل الأعلى عبئا أكبر من الفقراء.